في إحراق الكساسبة: وجهة نظرٍ سوريّة

يبدو أنّ الزخم الإعلاميّ الذي تحصُدُه داعش من عمليّاتها الإجراميّة المستمرَّة داخل سورية والعراق، يُشكِّل لها أكبر فرصةٍ لترويج منهجها في التعامل مع (دار الكفر)، وهو ما تستند فيه إلى الحديث الشريف “نصرت بالرعب”. إذ تفهم أنّ الإيغال في الحالة الجرميَّة والعقابيّة إلى حدودها غير الإنسانيّة هو الرعب المنصوص عليه، متجاهلةً عن عمدٍ –وليس عن جهلٍ بحيثيّات النصوص الدينيّة- المقصوديّة في النصّ أوّلاً، والتكامليّة بين النصوص ثانياً، ومراعاة الظرفيّة ثالثاً.

هذا الفهم المجتزأ عن عمدٍ، أسّس له ثقافةٌ مفرطةٌ في العنف الإجراميّ، وجدت حواضنها المجتمعيّة في شريحةٍ واسعةٍ من الشباب الذين تمّ تجهليهم في عمليّةٍ متعمَّدةٍ أيضاً من طرفين (الأنظمة السياسيّة، والقيادات الداعشيّة)، إضافةً إلى تكرُّس الثقافة العنفيّة لديهم، والتي وجدها مسبقاً لدى تلك الأنظمة، وما عاد بالإمكان تجاوزها بالنسبة لهم، إلّا بعنٍف مضادٍّ جرميّ، يعتبرونه مبرِّراً لتحقيق غايات سياسيّةٍ أُوهِموا بأنّها غاياتهم.

إذ لا يوجد في النصوص الدينيّة الموثقة والمعتمدة في قوانين الحرب في الإسلام، ما يُجِيز التنكيل بأسرى الحرب –والكساسبة هنا أسير حربٍ وفق هذا المفهوم-، وإن كان من بدٍّ لقتله، فإنّ ذلك يسير وفق منهج (الرحمة والإحسان) عدا عن عدم التشهير. لكن مرّةً أخرى، للتشهير بهذه الطريقة دعائيّةٌ مقصودة، ومُوَظَّفةٌ تقنيّاً.

وضمن الانفلات العنفيّ الذي يشهده المشرق العربيّ، وبرعايةٍ دوليّة وإقليميّة، ليس المستغرب وموضع الاستهجان هو قتل مقاتلٍ من قبل جماعاتٍ مقاتلة، إنّما السكوت –إن لم تكن الرعاية- الدوليّ والإقليميّ عن المسبِّبات الحقيقيّة لحالة الانفلات العنفيّ هذا، وتحويله إلى عواملٍ هي بالأساس مُخرَجات، عوض معالجة المُدخَلات التي تتمثَّل في نظام الأسد أولاً، وفي داعميه من الميليشيات الطائفيّة وإيران، الذين كانوا مسبِّباً رئيساً في انحرافٍ هُوِيّاتيٍّ للمسار الثوريّ، وتحوُّلِ العنف من حالةٍ مشروعةٍ كردِّ فعلٍ لحماية الذات وتحرير الأرض، إلى هدفٍ انتقاميٍّ علنيٍّ إرهابيٍّ بحدّ ذاته، وفق النمط الداعشيّ.

وفيما ينبري العالم تعاطفاً مع المقاتل الأردنيّ الذي أُحرِق بالأمس، ومن قبله مع صحافيّين عالميّين أعدتهم داعش بعد رفض دولهم مقايضتهم مالياً، فإنّ غالبية السوريين ورغم رفضهم الكليّ والنهائيّ للوجود الداعشيّ ومنهجيّته وأهدافه، إلّا أنّهم أدركوا بالأمس مجدَّداً –وليسوا بحاجةٍ إلى تذكير-، حجم الإهمال الدوليّ المتعمَّد لقضيّتهم المشروعة، والتي راح ضحيتها ما يقارب 300 ألف قتيلٍ على الأقلّ، خلال السنوات الأربع الماضية، دون أن يحصلوا على أكثر من قلق الأمين العام للأمم المتحدة.

ورغم كلّ انحرافات السياسة الدوليّة، تبقى وجهة النظر السوريّة مستندةً إلى أنّ تنظيم داعش ونظام الأسد كلٌّ عضويٌّ مرتبطٌ ببعضه، لا يمكن الفصل فيما بينهما نهائيّاً، وأنّ عملية إسقاط داعش (كمتغيّرٍ لاحق للأسد) لا يمكن أن تتمّ لا بحربٍ دوليّة ولا باجتثاثٍ فكريٍّ، دون الإطاحة بجذر الإرهاب (نظام الأسد)، وتصفية أذرُعه الميليشياويّة الإرهابيّة من المنطقة بأسرها.

ما عدا ذلك، فإنّ مستقبل المنطقة الذي تُحدِّده المصلحيّة الدوليّة، وإعادة ترتيب التحالفات والحدود الجيوسياسيّة، سينتقل عنفاً متزايداً إلى البيئة الدوليّة دون ضوابطٍ حدوديّةٍ له، وسيغالي كل طرفٍ من أطراف الصراع في توظيف كافّة مقدّراته الثقافيّة والعسكرية في مواجهة الآخر.

أثناء ذلك، لا يمكن لأحدٍ انتظار موقفٍ مجتمعيٍّ ٍسوريٍّ تجاه تلك القضايا الفرعيّة الناشئة، في حين أنّ قضيتهم الأساسية ما تزال عالقةً بمصالح الدول المتصارعة، وما يزال الأسد يغتال وطناً بأسره كلّ ساعة.

ويبقى السؤال السوريّ الواسع، مشروعاً: أين هم قتلى داعش من ميليشيّات إيران؟

عبد القادر نعناع

باحث وكاتب سوري

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق