في أبعاد معارك كسب

تشهد منطقة كسب السورية على الحدود مع تركيا، منذ أيام، تصعيداً كبيراً لقوات الجيش الحر، ساعدته في تحريرها من ميليشيات الأسد، وتوسيع جبهة المعارك غرباً، على مقربة من القرى التي تشكل معاقله الطائفية الأساسية، ومصدر شبيحته. وحيث يعتبر الأسد كامل سورية –باستثناء الشريط الساحلي- منطقة حرب، فإنّ عملية نقل المعركة إلى داخل منطقة الأسد –في حال استمرارية المعارك تلك- يخلق نمطاً جديداً في مسار الصراع القائم ما بين الثورة والأسد:

فأولاً، ستخفِّف تلك الجبهات الجديدة الضغط على الداخل السوري المنهك منذ ثلاثة أعوام، في حالة دفاعية استنزافية لقوات الثورة، وستدفعها إلى نمط جديد من المواجهة الهجومية، وهو ما سيمنحها مجالاً أكبر في المناورة والتكتيك، والكر والفر.

وثانياً، إنّ إدراك الحاضن الطائفي واستشعاره لخطر حقيقي وللمرة الأولى في مسقط رأسه، سيدفعه إلى حالة توتر سياسي وعسكري ووجودي، ستزداد كما تقدمت قوات الثورة في الشريط الساحلي السوري. وهو ما قد ينتج عنه تشكُّل تحالفات جديدة داخل الطائفة، وتصفيات، أو مفاوضات مناطقية بعينها مع قوات الثورة بعيداً عن الأسد، وذلك جميعه مرتبط بتقدم ثوري في المنطقة.

وثالثاً، لن نستغرب إخراج الأسد لمقاطع مصورة عن مجازر مزعومة، قامت قواته بارتكابها ضد أبناء طائفته، ونسبها إلى قوات الثورة، في محاولة لإعادة حشد حاضنه في الداخل وداعميه في الخارج، لكن لن يستطيع إخفاء حقيقة تلك المجازر عن حاضنه، كما فعل في سواها، وهو ما سيعزز العامل السابق.

ورابعاً، سيدفع هذا التقدم الدول إلى إعادة تقييم مواقفها، سوى الداعمة أو المناهضة للثورة، ومنه إعادة رسم سياساتها تجاه سورية.

وخامساً، وحيث إنّ الأسد لم يكن مجبراً فيما مضى على تقديم أية تنازلات باتجاه انتقال سياسي في سورية، وذلك من خلال مؤتمري جنيف 1 وجنيف 2، فإن تعزيز الانتصار في جبهة الساحل سيشكل عامل ضغط حقيقي وداخلي من جهة، وخارجي من جهة أخرى، لإيجاد مخارج سياسية.

وسادساً، ستشكِّل الانتصارات في هذه الجبهة، إعادة إحياء للروح الثورية في باقي سورية، ودفعاً جديداً نحو تحديث الآليات الثورية العسكرية والسياسية، فيما يمكن الاصطلاح عليه بموجة ثورية جديدة تدفع هي بدورها إلى تحقيق انتصارات مشابهة على جبهات أخرى.

وسابعاً، فيما لا يزال مشروع الانفصال العلوي في هذا الشريط قائماً في أذهان مخططيه، فإن انتصار قوات الجيش الحر ستدفع هذا المشروع بعيداً عن التحقق. أما في حالة المراوحة العسكرية، وتقسيم الساحل إلى منطقتي نفوذ كما حصل في أكثر من حالة سورية، فإنّ ذلك سيكون له مردود سلبي، لناحية تعزيز خطوط الفصل السياسي والمستقبلي لسورية.

وثامناً، إن إلغاء مشروع الدويلة العلوية عبر الحسم العسكري في الساحل السوري، ودفع عملية الانتقال السياسي سواء عسكرياً أو مفاوضاتياً، سيدفع بدوره إلى إسقاط أية مشاريع انفصالية أخرى.

وقد ترافقت هذه الانتصارات، مع مقتل زعيم الشبيحة “هلال الأسد” على يد قوات الجيش الحر، ومعه عشرات من نخب قيادات الشبيحة، في قصف مقر اجتماعهم. في ذات اليوم الذي أسقطت فيه تركيا طائرة عسكرية سورية اخترقت الأجواء التركية، في محالة لتكرار ما فعلته على الحدود اللبنانية بقصفها للاجئين السوريين إلى لبنان.

وحيث باتت المسألة السورية تشكل تهديداً حقيقياً لتركيا، فإن أردوغان لن يتورط في حرب منفردة سيخسر فيها أكثر مما سيكسب، مقابل حزم سيظهره في تعاطيه لمسألة الاختراقات الأمنية الحدودية، وخاصة في الموسم الانتخابي الصعب.

وتبقى المسؤولية الأكبر حالياً على عاتق هيئة أركان الجيش الحر وعلى قادة الفصائل الثورية، في رسم استراتيجية واضحة المعالم، تشمل خططاً متقنة لمعارك الساحل، ودعماً لوجستياً واسعاً، وتغطية إعلامية وسياسية لها، ودعماً عسكرياً عبر تعزيز جبهات أخرى.

 

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

 خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

 

الوسم : سورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق