عن أمراء الخليج العربي: الأمير خزعل الكعبي نموذجاً

ذكر الكاتب والصحفي الفلسطيني جهاد الخازن عن الشيخ زايد آل نهيان رحمه الله، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، في مقال له في جريدة الحياة اللندنية، قوله: “… إن الشيخ خزعل الكعبي كان شيخ مشايخ الخليج العربي، وكان ينفق على الشيوخ الآخرين أيام الفقر قبل النفط…”.

ويرى الكاتب والباحث البريطاني Alan Rush في أحد أبحاثه عن الأسر الخليجية الحاكمة: “… إن الأمير خزعل الكعبي (حاكم الأحواز/المحمرة) السياسي الأكثر ذكاءً، ورجل الدولة صاحب الكاريزما الشخصية والنظرة الثاقبة، الذي امتلك طموحاً عالياً مفعماً بالتطلعات، في المقابل، كان يعتقد أن سلوكيات أخيه، لا يمكن لها أن تحقق العظمة للعرب في الأحواز…”.

كما ينقل البريطاني Alan Rush عن الباحث والكاتب الإيراني سيروس غني، قوله: “… بعدما تولى الأمير خزعل الكعبي الحكم في المحمرة، إضافة لبني كعب، أعلن نفسه أميراً للأحواز بأكملها. ومن ثم عين أبناءه حكّاماً لمختلف المدن والبلدات والقرى الواقعة تحت سيطرته، بما في ذلك مدينة الناصرية (الأحواز العاصمة الحالية) …”.

وبالنظر لما جاء في كتب الرحالة القدامى إن كانوا من العرب أو أجانب، يتضح لنا جلياً أن تطلعات الأمير خزعل العروبية لم تكن محصورة في حدود الأحواز فحسب، إنما شملت الكثير من أجزاء الوطن العربي. وعلى سبيل المثال لا الحصر، وقوف الأمير خزعل مع أهل العلم والأدب والساسة في أرض الكنانة، وكانت صحيفة العمران التاريخية والأدبية والسياسية والفكاهية، ومرآتهم وفي تلك الحقبة من تاريخ الأمة، وكان شعارها، “الله والوطن والاتحاد”.

وأما بلاد الشام، فمد أمير الأحواز جسور المحبة والأخوة لأحفاد بني أمية، فكان لحلب الشهباء، هدية ثمينة ونادرة جداً، حيث أهدى الأمير خزعل لمفتي حلب آنذاك، الشيخ مصطفى أبو زلام، كتابه “الرياض الخزعلية في السياسية الإنسانية”، ورصع هذا كتاب الفلسفي والاجتماعي والسياسي بالذهب تجليلاً لمكانة المفتي الاجتماعية والسياسية والدينية في بلاد الشام عامة. إلا أن لفلسطين مكانة خاصة في قلب الأمير، فكان خزعل الكعبي من الأمراء العرب الذين ساهموا في ترميم بيت المقدس وذلك عندما جاءه مفتي القدس الحاج أمين الحسيني في عام 1923 لقصر الفيلية في المحمرة، عاصمة الحكم العربي في الضفة الشرقية للخليج العربي، باحثاً عمن يمكنه أن يساهم في ترميم أولى القبلتين.

كما كانت أبواب قصور الحكم في المحمرة وعلى ضفاف شط العرب مفتوحة للعامة من العرب، إن كانوا أمراء أو ساسة أو إن كانوا من عامة العرب. ومن هذه القصور، قصر الرباط، الذي شيده الأمير خزعل الكعبي على ضفاف شط العرب في الجانب العراقي وتحديداً في البصرة. ويبدو أن جزءً من القصر كان يستخدم مستشفى. ويذكر أن الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله، قد زار هذا القصر وأخذت له فحوصات طبية وذلك في عام 1916. ويقال أيضاً، إن هذه الواقعة هي أولى الزيارات الخارجية للملك عبد العزيز بعد فتح الرياض.

وأما الرحالة اللبناني أمين الريحاني وهو أحد أشهر الرحالة العرب فيقول في الجزء الثاني من كتابه “ملوك العرب”، عن الأمير خزعل الكعبي أمير المحمرة، قوله: “… من لا يعرفه من قراء الصحف العربية باسمه ولقبه الأولين…، فهو من أمراء العرب وأكبرهم بعد الملك حسين سناً، وأسبقهم إلى الشهرة، وأعظمهم في الكرم…، وإن هذا الأمير العربي من طراز أمراء عهد العباسيين…، وأعني بذلك أنه غني حكيم كريم معاً”.

وأما الأمير خزعل فيقول عن الحكم والمجتمع في إحدى المقطوعات الشعرية، قوله:

خذ للسياسة قادة أمناء          إن كنت ترجو للبلاد هناء

 وأحذر من الأشرار، لا تدنيهم          من حول ملكك إن أردت علاء

 وادن النصوح وحاذرن متملقاً          يخفي الحقيقة والصحيح رياء

 وفكر ملياً قبل أن تفجا الورى          بأوامر تولي البلاد عناء

 وأسهر لترفع عز رعيتك التي          خضعت إليك السوء والأرزاء

 وأنهض بشعبكَ للعلاء إذا أردت          بأن تنال من العموم ثناء

أعمل لنفسك في الحياة من المآثر          ما يديم لذكرك الإطراء

استلم الأمير خزعل الكعبي الحكم من أخيه الشيخ مزعل بن مرداو في عام 1897، وكان طموحه السياسي لا حدود له. فشيدت قصور الحكم في المدن الأحوازية، وسميت تلك القصور بالخزعلية. كما سميت أيضاً تلك الأحياء الواقعة فيها قصور الحكم، بالحي الخزعلي أو الخزعلية. إلا أن السلطات الفارسية وخاصة في عهد الجمهورية الإسلامية، أصرت على تخريب وإزالة هذه القصور كلياً لتمحي بهذا العمل الجبان تاريخ الحكم العربي في الأحواز، لعل وعسى أن تنسى الأجيال أميرها وتاريخها المجيد.

جمال عبيدي

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق