عن أخطاء المعارضة السورية

تبدو مواجهة الذات في اللحظات الحرجة صعبة، ومؤلمة. مع ذلك، فهذا الاختبار لا بد منه إذا أردنا تصحيح مسيرتنا وأوضاعنا. على ذلك يمكن القول أن ثمة أخطاء للمعارضة السورية، ولا ينبغي إنكار ذلك أو تجاهله، أولاً، لأن من يعمل يخطئ ويصيب. وثانياً، لأن تجارب الحركات والثورات السياسية قائمة أصلاً على الصحّ والخطأ، إذ لا وجود هنا لوصفات نموذجية. وثالثاً، لأن تجربة هذه المعارضة حديثة، وقد انبثقت مؤخّراً، وفي ظروف صعبة ومعقّدة تقدر بالسنوات وليس بالعقود. ورابعاً، لأن السوريين كانوا محرومين من الحياة السياسية، لذا فهم يفتقدون الخبرات في هذا المجال، مع الاحترام لكل تكوينات المعارضة، التي حاولت فرض ذاتها قبل الثورة طوال العقود الماضية، ودفعت أثماناً باهظة ثمناً لذلك.

مع ذلك، ففي الكلام عن المعارضة يفترض أن نلاحظ مسألتين، أولاهما، عدم الخلط بين المعارضة والثورة، فالأولى تخصّ الهيئات السياسية، وهذه قد تخطئ وقد تصيب، وقد تقصّر، أو تعجز عن القيام بما عليها، لأسباب ذاتية وموضوعية، وهذا ديدن كثير من الحركات الثورية عبر التاريخ. في حين تعبّر الثورة عن الشعب، الذي يحاول مصارعة النظام، وفقاً لإمكانياته، وخبراته (وهي محدودة طبعاً)، ووفقاً لمستوى تطوره السياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي. أما المسألة الثانية فهي أن التمييز بين المعارضة والثورة لا يعني أن نقد المعارضة مسموح ومطلوب، وأن نقد الثورة غير ذلك، فالنقد مطلوب في كل الحالات لتصحيح أو لترشيد المسار والخطابات والبنى وأشكال النضال، لكنه يفترض أن يؤسس كل ذلك على الانحياز للثورة. بمعنى أكثر دقة أريد أن أقول بصراحة إن موقف أي كان من المعارضة، قبولها أو رفضها، لا يفترض أن يؤثّر في الموقف من ثورة السوريين العادلة والمشروعة، إذ لا يجب الخلط في الموقف الأخلاقي والسياسي بين الاثنين.

من تجربتي، ومع كل الكارثة الحاصلة في سورية بسبب النظام، لا سيما في محاولاته دفع الثورة للانحراف عن أهدافها الأساسية المتعلقة بالتغيير، وإقامة نظام ديموقراطي، أو دولة مواطنين، باستخدامه أقصى قدر من العنف، وتحويله الصراع من السياسة إلى صراع على الوجود، ومحاولته إسباغ صبغة طائفية على الثورة، وإظهار الأمر على أنه صراع ضد الإرهاب، ينبغي الاعتراف أن النظام استطاع أخذ بعض القطاعات المترددة من السوريين، ليس قبولاً منها به، وإنما بسبب الخوف من بطشه، أو بسبب انعدام اليقين من البديل.

هكذا، فلقد أخطأنا كمعارضة في عدم انتباهنا للدرجة المناسبة لاستراتيجية النظام هذه، وبعدم تمسكنا بانتهاج خطاب واضح وحاسم، خطاب ديموقراطي يتأسس على المواطنة، والحق في الحرية والعدالة والمساواة، في سورية متنوعة ومتعددة وديموقراطية ومدنية (لا دينية ولا طائفية ولا عسكرية). نعم لقد بات هذا الخطاب، الذي وسم الثورة في بداياتها الأولى، شبه غائب، وباتت لدينا خطابات مختلفة، ومتخلفة، لا ترقى إلى التضحيات التي قدمها السوريون من اجل حقهم في العيش بحرية وكرامة.

أيضا، أخطأت المعارضة في تغليبها البعد العسكري على البعد الشعبي في الثورة، وفي غلبة العسكرة على مظاهرها، وعدم اتباعها الكيانات العسكرية لرؤية سياسية واضحة، وفي هذه الفجوة بين الكيانات السياسية والعسكرية، وسكوتها عن الخطابات المتطرفة، ذات الصبغة الدينية والطائفية والتي تساهم مع النظام في صبغ سورية بلون واحد، تعسّفي وإقصائي.

ضمن هذه الأخطاء يمكن الحديث عن علاقات التبعية أو الارتهان لهذه النظام او ذاك، وهو أمر قد يبدو اضطرارياً بسبب الظروف المأسوية لشعبنا، وبسبب ضعف الإمكانيات، لكن هذا الوضع بالذات هو الذي يضع صدقية المعارضة على المحك، وفي نطاق المساءلة في شأن سلامة مواقفها، وصوابية خطاباتها، وخطط عملها. ما أعنيه هنا أن المعارضة يمكن لها أن تعزز مكانتها من خلال ترسيخ صلاتها مع شعبها، وإيجاد هيئات عمل تستطيع من خلالها تعبئة طاقاته، واستمداد الحيوية والفاعلية منه، كما من خلال حرصها على تمثيلها مصالح السوريين، إزاء الدول الصديقة أو الداعمة. وباختصار، نعم هذا ما ينبغي أن تفعله المعارضة لتعزيز مكانتها القيادية، أي أن احترامها ذاتها هو الذي يفرض على الآخرين احترامها، وتوطيد صلاتها مع شعبها هو الذي يمنحها القوة والاستقلالية.

بيد أن الحديث عن أخطاء المعارضة، أو نقدها فقط، لا يكفيان، أو لا يجديان وحدهما، لأن المطلوب زجّ مزيد من الجهود والطاقات في إطار قوى الثورة والمعارضة، بمعنى أن بعض المسؤولية يقع على عاتق القوى التي ما زالت لا تميل للانضواء أو للاشتغال ضمن «الائتلاف» أو ضمن الكيان الجمعي للمعارضة، كـ «الهيئة العليا للتفاوض»، كما يقع على عاتق الأفراد الذين يمتلكون الخبرات والطاقات التي يمكن أن تغني المعارضة، وأن تسهم في إضفاء الحيوية عليها، وتطوير خطاباتها وأشكال عملها، إذ يوجد كثيرات وكثيرون ممن يأنفون العمل في الكيانات الجمعية لسبب أو لآخر. كما أن بعض المسؤولية يقع على عاتق الكتل الاجتماعية التي لا تشتغل كقوة ضغط على المعارضة من اجل توسيع هيئاتها، وتحسين مستوى تمثيلها، ومن أجل تطوير عملها، وترشيد خطاباتها، لا سيما أن مثل هذه الكتل باتت موجودة، خارج سيطرة النظام، في المناطق المحررة، وفي مناطق الشتات في البلدان العربية والأجنبية، علماً أن مثل هذا الضغط يحصل أحياناً لكن بطريقة عفوية وفردية وعبر وسائط التواصل الاجتماعي.

نعم نحن في حاجة إلى تطوير أوضاعنا، لكن هذا في حاجة إلى تضافر كل الجهود أيضاً، فالعملية الثورية في سورية معقدة جداً، وتعترضها صعوبات كثيرة. وعليه لا يكفي رمي المعارضة بالتقصير أو بترداد أخطائها، وإنما المطلوب أكثر من ذلك، مطلوب المساهمة من الجميع، وبخطوات عملية، لوضع شعبنا على سكة الحرية والمواطنة والديموقراطية… سورية للجميع.

سميرة المسالمة

نقلاً عن صحيفة الحياة اللندنية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق