عرض كتاب: الخليج العربي ومخاطر الإسلام السياسي الصفوي”

صدر عن مركز المزماة للدراسات والبحوث، كتاب “الخليج العربي ومخاطر الإسلام السياسي الصفوي”، في طبعته الأولى عام 2014. لمجموعة باحثين:

د. سالم حميد، مقدمة الناشر.

د. عماد الدين الجبوري، “الأمن القومي العربي وخطورة التشيع الصفوي”.

د. عماد الدين الجبوري، “العرب الشيعة والقيود الصفوية”.

د. محمد خالد الشاكر، “التشيع في الخليج العربي” جدلية العلاقة بين المواطنة والتغريب .. دراسة تأصيلية مقارنة”.

جهاد أحمد عبد الرحمن، “الأبعاد السياسية والدينية للحركة الحوثية في اليمن وعلاقتها مع إيران”.

عبد القادر نعناع، “أثر الثورات العربية في نَزَعات الهُويّة المذهبية: الحركات الشيعية في دول الخليج العربي نموذجاً”.

ونقدم فيما يلي استعراضاً لأبرز ما قدمته هذه الدراسات.

أولاًد. عماد الدين الجبوري، “العرب الشيعة والقيود الصفوية”.

تعتبر هذه الدراسة، مقدمة تاريخية موسعة، تناول فيها الباحث تاريخ الدول الشيعية التي اعتمدت نهجاً سياسياً عربياً أو التي آذت وقتلت العرب المسلمين عبر خفاياها المجوسية. وكذلك تبيان القيود الصفوية التي ما زالت تصفد بأغلالها رهطاً من العرب الشيعة. وما جرى ويجري اليوم في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين إلا أدلة جلية على تلك الأصفاد المرتبطة بالنظام الإسلامي الإيراني الذي هو صورة صفوية جديدة إلى الدولة الصفوية التي كانت بدمويتها الطائفية مثالاً مكرراً إلى دولة القرامطة”.

ومن أبرز النماذج التي درسها الباحث، وتناول جرائمها تجاه العرب والسنة:

أولاً: دول الزيود (الدولة الزيدية، الدولة الأخيضرية، دولة الإمامة بأقسامها الهادوية، والقاسمية والإمامة).

ثانياً: دولة القرامطة. والتي “بلغت وحشية البطش والجبروت عندهم في عهد أبو طاهر سليمان بن الحسين الجنابي (-331 هـ/-942 م) أن هاجموا مكة في موسم الحج عام 317 هـ/930 م. فعملت سيوفهم بقتل الحجاج وثلاثين ألفاً من أهل البلد، وملأوا زمزم والمسجد بجثث القتلى، ونزعوا الكسوة الشريفة ومزقوها إرباً إرباً، وخلعوا باب الكعبة، وسرقوا مقتنياتها الثمينة، وقلعوا الحجر الأسود، واحتفظوا به حتى العام 339 هجري. حيث بنوا لهم كعبة جديدة تخصهم في دولتهم. وعندما كتب أبو طاهر رسالة إلى الحاكم الفاطمي عبيد الله المهدي، عما فعله بمكة وحجاجها. أجابه الأخير: “لقد وصمت بعملك هذا دولتنا وشيعتنا والدّعاة لنا بالكفر والزندقة”. ولولا التهديد الذي تلقاه أبو طاهر من المنصور بالله من جهة، والحاجة المالية للقرامطة من جهة أخرى؛ حيث دفع لهم الخليفة العباسي المطيع خمسين ألف دينار، لما أرجعوا الحجر الأسود إلى مكانه، ووضعوا ستار الكعبة عليها، وأعادوا موسم الحج إلى بيت الله الحرام، والذي عطلوه طوال تلك السنين.

ثالثاً: دولة الفاطميين. والتي “وصل الغلو والتعسف فيها في عهد الحاكم بأمر الله (996-1021) حتى أصبح المسلمين السّنة يعانون الاضطهاد والظلم والإجحاف، شأنهم شأن أهل الذمة. وذكر جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم “تاريخ الخلفاء” أن الحاكم أصدر في 396 ه/1009 م، أمراً يقضي فيه الناس بمصر والحرمين إذا ذُكر الحاكم أن يقوموا ويسجدوا في السوق وفي مواضع الاجتماع. ولقد بلغ التطرف مداه بهذا الحاكم أن ادعى الألوهية، وصدق به الدروز. ومات مقتولاً جراء مؤامرة أختلف المؤرخون في تحديدها”.

رابعاً: دولة الصفويين. والتي شهدت في عهد عباس الصفوي (1588-1629) “ازدياد الاضطهاد والتنكيل والقتل والتشريد بالمسلمين السّنة، وخصوصاً في العراق. فعندما توجه صوب بغداد في العام 1624، أعطى الأمن والأمان للبغداديين شريطة أن يسلموا أسلحتهم. وما أن فعلوا حتى غدر بهم، فأخذ يسفك الدماء ويهتك الحرمات بلا هوادة. وخرب الجوامع ونهب المراقد، ومنها مرقدي أبي حنيفة وعبد القادر الكيلاني. وكذلك حوّل المدارس الدينية إلى إصطبلات. وبما أن معظم أهل بغداد فضلوا الموت على أن لا يغيروا عقيدتهم بالتشيع الصفوي، لذا كان الهلاك نصيبهم. وأخذ أطفالهم ونسائهم وباعهم كعبيد إلى إيران، ولم يُعرف لهم خبر. وكان ينوي إبادة “أهل السّنة” في بغداد، فطلب من سادن كربلاء أن يعد قوائم حول هذا الشأن. واستمر على هذا المنوال بعد سيطرته على الموصل وكركوك ومعظم مناطق البلاد. إلا أنه لم يحقق غير القتل وتدمير الحجارة، وتدنيس تربة الرافدين التي غادرها في عام 1626″.

خامساً: جمهورية إيران الإسلامية. والتي انتهجت فكرة تصدير الثورة إلى محيطها العربي ككل، خالقة اضطرابات واسعة ما تزال تتفاعل حتى يومنا هذا. ومن ضمن ما دلل عليه الباحث ما عانت من السعودية في “الأحداث التي فجرها نظام الخميني، وهزت وجدان المسلمين خصوصاً والعالم عموماً، ما جرى في موسم الحج لعام 1407 ه/1987 م. حيث سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى جراء النهج الذي أتبعه الحجاج الإيرانيين طوال ثلاث سنوات ماضية بالتظاهر في المدينة المنورة باسم “تظاهرة الوحدة”، والأخرى في مكة المكرمة باسم تظاهرة “البراءة من المشركين”. وما يتبع ذلك من أعمال شغب وتصادمات مفتعلة مع رجال الأمن والتي تؤدي إلى فوضى واضطرابات لا تتلاءم ومناسك الحج. علِماً أن الخميني عاش ومات دونما أن يحج إلى بيت الله الحرام ولا حجة واحدة، ولم يزور المدينة ويصلي في المسجد النبوي قط”.

ويخلص الباحث في نهاية دراسته إلى جملة استنتاج، منها: “أن الصفوية الجديدة المتمثلة في جمهورية إيران الإسلامية قد شدت وثاق بعض العرب الشيعة بقوة أكثر من ذي قبل. وهذا ما تجلى في دعمها المالي والتسليحي والإعلامي إلى “عصائب أهل الحق” في العراق. و”كتاب أبي الفضل العباس ” في سورية. و”حزب الله” في لبنان. و”حركة الحوثيين” في اليمن. و”مجموعة الإنقلابيين” في البحرين. إذ أن كل تلك المجاميع المسلحة لا تقتل إلا العرب المسلمين السّنة، ولا تقاتل إلا في الأراضي العربية. وهنا نطرح هذا السؤال: لماذا قوات “فيلق القدس” الإيرانية تشاركهم القتال، وتترك “أهل السّنة” في إيران؟ إن لم يكن القصد زرع الفتنة الطائفية، وبث النزاع الدموي بين العرب؛ وخلق التناحر فيما بينهم، لكي يتقهقروا، وتتأخر بلدانهم، وتتمزق أوطانهم. وبما أن هذه القيود الصفوية محصورة في نسبة محدودة من العرب الشيعة، لذا فإن مصيرها الكسر والزوال؛ لأن الشيعة العروبيين بعلمائهم ومثقفيهم هم أول مَنْ يرفض أغلال الصفوية”.

ثانياً- د. عماد الدين الجبوري، “الأمن القومي العربي وخطورة التشيع الصفوي”:

تتسم هذه الدراسة بتأطير تاريخي واسع للتحول الشيعي لإيران، وتوظيف هذا التشيع لاحقاً ضمن أهداف سياسية توسيعية في المحيط العربي. لما اعتبره الباحث “من أهم الأخطار العدوانية التي امتدت واستفحلت داخل المنطقة العربية وأثرت في أمنها القومي أيما تأثير، هو النظام الإيراني المتغلف بالدين، والمتغلغل طائفياً في بعض البلدان العربية عبر فكرة وحدة المذهب التي ينتهج فيها تشعياً صفوياً يهدف من خلاله إلى تجريد العربي الشيعي من هويته الوطنية وانتمائه القومي ليكون تابعاً لملالي إيران الحاكمة؛ في الوقت الذي يبقى فيه الفارسي الصفوي معتزاً بقوميته ولا يفرط بهويته الوطنية. ناهيك لِما في التشيع الصفوي من تلويث وتشويه إلى المذهب العربي الشيعي الأصيل”.

وبعد أن يقدم الباحث نبذة عن تاريخ الدولة الصفوية، يبحث في دموية فرض التشيع الصفوي، ليخلص إلى “أن استخدام السياسة الطائفية القائمة على دموية البطش والقتل والتنكيل بحق المسلمين السُّنة، لا تنم عن محبة “آل البيت” قط، ولا في إثبات الولاء الصارم لهم؛ وإلا لكان هذا النهج مُتبعاً في سياسات وسلوكيات أئمة آل البيت أنفسهم. لكنه التشيع الصفوي المتستر بالمذهب الديني لتحقيق غايات ومآرب سلطوية منها:

أ- إقامة نظام سياسي شيعي في مجابهة الدولة العثمانية السُّنية.

ب- خلق قاعدة جماهيرية وشعبية مرتبطة بسياسة الدولة عقائدياً.

ج- عزل الشيعة إسلامياً بإشاعة السب والشتم واللعن لأصحاب النبي وزوجاته.

د- القضاء على المحيط السُّني بدعوى أحقية السلطة لشيعة آل البيت.

ه- التعاون مع الغرب المسيحي على الضد من الشرق الإسلامي.

و- تغليف العنصرية الشعوبية الفارسية بغطاء مذهبي طائفي.

ويورد الباحث بعضاً من سلوكية النهج الصفوي المتكررة، ومنه ما عمد إليه عباس في احتلاله إلى بغداد، حيث فعل بأهل السُّنة، وهو نهج تاريخي متكرر حتى اليوم، ومنه ما يلي:

أ- تصفية كبار الدولة من السياسيين والموظفين.

ب- تصفية القادة العسكريين.

ج- تصفية علماء الدين.

د- قتل الرجال والشباب.

ه- اغتصاب النساء والفتيات.

و- الاستيلاء على أموال وممتلكات أهل السّنة.

ز- اشترى ذمم شيوخ بعض العشائر العربية.

وفي دراسته للثورة الخمينية، يرى أن “العراق أول مَنْ عانى من تصدير اخميني لثورته التي يريد بها إشعال نار الفتنة الطائفية. فقد كان الخميني يردد “أن طريق القدس يمر عبر كربلاء”. عبارة صريحة للتدخل الإيراني الصارخ، ومع اندلاع العمليات الإرهابية المدعومة من إيران داخل العراق، نشبت حرب الثمان سنوات (1980-1988) التي راح ضحيتها نحو المليون مسلم؛ غالبيتهم من إيران نتيجة الزحف البشري في الهجومات البرية. ورغم أن العراق وافق في أكثر من مرة على وقف الحرب نتيجة المساعي العربية والإسلامية والدولية، لكن الخميني كان يطرح شروطاً عويصة مسبقة، دلالة على رفضه لتحقيق هدف “لجنة المساعي الحميدة”. وبقي مستمراً على موقفه بمواصلة الحرب حتى “تجرع السّم” عند إعلانه الموافقة، فخرج العراق منتصراً على إيران”.

ووفقاً للباحث، “فلا ريب، أن الادعاء بالنسب لآل البيت، كانت وما زالت له أسبابه سواء بدوافع التسلط الروحي أو السياسي أو كلاهما معاً كما في نظام الملالي الحالي في إيران، وأبعاد السلطة المطلقة لدى “الولي الفقيه” التي أرساها خميني في الدستور الإسلامي الإيراني. وإن الذي يهمنا هنا ليس فقط رؤية ومفاهيم خميني الدينية السياسية، بل إن خميني وخامنئي وخاتمي وروحاني وغيرهم من ذوي العمائم السوداء التي يدل لونها على النسب الطاهر الشريف، سواء أكان نسباً عائلياً، أو نسباً روحياً كما يزعمون، فمن المفروض بهم جميعاً أن يعكسوا في سياساتهم القيادية أسمى آيات الانتساب لآل البيت. سواء بالعمل على وحدة المسلمين، أو نبذ كل ما يدعو للتناحر والتضاد، أو تقوية العروبة بالتلاحم مع العرب ومناصرتهم في المحافل الدولية”.

وقد الباحث بحثه توضيحاً شاملاً لضرورات “إقامة مرجعية شيعية عربية” و”ودعم العلماء العرب الشيعة”، حيث يذهب الباحث إلى أنه “يتوجب على النظام الرسمي العربي أن يضع ضمن حساباته السياسية والأمنية الاهتمام والدعم الملحوظ إلى المراجع الشيعية العربية مادياً ومعنوياً. إذ كلما تقوت مرجعية العرب الشيعية، كلما تقلصت قوة ونفوذ المراجع الفارسية، وخصوصاً في السطوة المالية التي يتحكمون فيها على المحتاجين والمعوزين الذين يستجيبون للمواقف التي تتخذها تلك المراجع الفارسية على الحساب الوطني والقومي. وأعني بهذا الاهتمام والرعاية ليس فقط على الجانب الجزئي الذي تقتضيه مصلحة هذه الدولة أو تلك في الوطن العربي الكبير. وإنما يجب أن تكون، على سبيل المثال، دائرة في “جامعة الدول العربية” متخصصة في شؤون وأمور المرجعية الدينية العربية بما تحتاج إليه في مجابهة المسلك الهيكلي المرجعي في الكتلة الفارسية المهيمنة في النجف الأشرف”.

ويختم دراسته باستعراض لمستقبل الأمن القومي تجاه مخاطر إيران، حيث يرى أن “ضمان مستقبلية الأمن القومي العربي تجاه المخاطر التي شكلتها إيران، فإنه بالقدر الذي يرتكز على أهمية الوعي الجمعي في الشارع العربي، فإنه يرتكز أيضاً على جوانب أخرى، منها تفنيد الأفكار والنظريات التي تقوم عليها مرتكزات الصفوية، وتعريتها مما تتغلف به من حجج دينية ومذهبية باطلة. وإذا كان هذا الأمر يخص الحقول الثقافية والعلمية والإعلامية، فإن ما يخص الحقول السياسية والأمنية يكمن في مساعدة الشعوب المضطهدة جراء العنصرية الفارسية، وفي مقدمتها الشعب العربي الأحوازي بغية تفعيلها ضد النظام الطائفي الاستبدادي الذي آذى شعوب المنطقة بشكل عام”.

ثالثاًد. محمد خالد الشاكر، “التشيع في الخليج العربي” جدلية العلاقة بين المواطنة والتغريب .. دراسة تأصيلية مقارنة”:

تقع هذه الدراسة في أربعة فصول، قسمها الباحث كما يلي:

أولاَ-  تاريخ الشيعة وأصول التشيع في الخليج العربي:

  • الشيعة في الخليج العربي.
  • أصول التشيّع.

ثانياً –الثورة الإيرانية 1979، وتسيس ظاهرة التشيع:

  • خميني، ونظرية ولاية الفقيه (دين جديد).
  • ولاية الفقيه، والحراك السياسي في الخليج العربي (استراتيجية جديدة).
    • في المملكة العربية السعودية.
    • في البحرين.
    • في الكويت.
    • في الإمارات العربية المتحدة.

ثالثاً – الصعود الإيراني بعد الاحتلال الأمريكي للعراق 2003:

  • الإقليمية الجديدة والدور الإيراني في النظام الدولي.
  • تكريس المعادلة الطائفية في الخليج العربي (كومنولث شيعي بقيادة إيرانية).

رابعاً- آليات التعامل مع المطالب الشيعية (الأمن القومي والإدماج والمواطنة):

  • البحرين وتدويل المشاكل الوطنية.
  • الكويت، من المواطنة إلى التغريب.
  • السعودية، من الحوار إلى العنف.
  • أولويات أمن الخليج العربي (استعادة زمام المبادرة).

ويتناول البحث جدلية العلاقة بين الشيعة كمعتقد، والتشيع كنظرية سياسية، مدعومة برؤى استراتيجية، لم تتورع في استغلال المكونات الوطنية مذهبياً، في منطقة الخليج العربي، مما أفرز إشكالية مؤداها التناقض والتصادم بين المواطنة والانتماء من جهة، والتبعية السياسية لأجندات خارجية من جهة أخرى، الأمر الذي نتج عنه تعارض واضح وبينٌ مع محددات الأمن القومي لمنطقة الخليج العربي. حيث أصبحت ظاهرة التشيّع، عاملاً مهماً في مفهوم المواطنة لدى البعض من الشيعة، الذين ساروا في مهب سياسات التغريب التي تُمَارَس عليهم خارج حدودهم الوطنية. لاسيما وأن تاريخ منطقة الخليج العربي، يسجل للشيعة اندماجهم في المجتمع الخليجي، فقد شغلوا أماكن مرموقة في السياسة والاقتصاد وسائر الفعاليات الاجتماعية الأخرى.

ويخلص الباحث إلى “أن المشكلة التي واجهت دول الخليج العربي في تعاملها مع المكون الشيعي في إطار ظاهرة التشيع، هي محاولة بعض القوى الشيعية، القفز فوق الحالة الوطنية من خلال الاستقواء بالخارج، لذلك عملت على تصعيد هذه المطالب في ظل مشاريع ذات بعد عالمي تارةً، كمشروع “دمقرطة” الشرق الأوسط، الذي طرح تقسيم المنطقة على أساس طائفي وإثني، وتارة أخرى عن طريق تحويل المشكلات الوطنية إلى مشكلات بطابع طائفي. وعلى هذا الأساس، تصبح مسألة تعزيز مبدأ المواطنة، ضابطاً في قوننة وتحييد حالة التغريب التي ساقتها ظاهرة التشيع، والتي أصبحت تهديداً فعلياً وحاصلاً لأمن الخليج العربي، لاسيما ما تعلق منها بالتبعية المطلقة للولي الفقيه كنظرية سياسية في إطار محددات الأمن القومي الإيراني”.

ولا ينظر الباحث إلى ظاهرة التشيع من جانبها الطائفي أو المذهبي، “فالطائفية والمذهبية، هي في نهاية المطاف حالة خاصة لا يمكن تجاهلها، وهي ليست حالة سلبية إذا ما أحسن التعامل معها في إطار التعددية والتنوع الذي لم يكن يوماً من الأيام تهديداً لأمن البلاد واستقرارها، فخصوصية التقليد كمذهب شيء، والولاية كنظرية سياسية شيء آخر. الأمر الذي يطرح مسألة الانفتاح على الشيعة من خلال دعم مراجع تقليد شيعية محلية، تحول دون التوجه أو الاستقواء بالخارج، لاسيما وأن الخلاف الخليجي–الإيراني هو خلاف ذو طبيعة استراتيجية، تتعلق بمحددات الأمن القومي الخليجي، كما إن أهداف إيران في نهاية المطاف هي أهداف سياسية محضة، تتعلق بطموحاتها التاريخية في التمدد في الخليج العربي، كاستراتيجية تعود لمراحل ما قبل نظرية ولاية الفقيه، الأمر الذي يجعل من مسألة استعداء الشيعة، مسألة تصب في صالح السياسات الإيرانية، التي تحاول أن تجعل منها حصان طروادة لحماية الشيعة والدفاع عنهم”.

رابعاً- جهاد أحمد عبد الرحمن، “الأبعاد السياسية والدينية للحركة الحوثية في اليمن وعلاقتها مع إيران”:

تقع هذه الدراسة في مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة. وتنطلق من منهجية دراسة الحالة، والمنهجية الوصفية والتاريخية، معتمدين على تحليل الظاهرة محل الدراسة.

وتنطلق الدراسة من سؤالين محوريين، مفادهما:

  • هل استطاعت الحركة الحوثية تحقيق مخططاتها ذات الأبعاد السياسية والعقائدية “الفكرية” في ظلّ صراعتها الداخلية مع “الدولة، والحركة السلفية في دماج” في اليمن، وما مدى تأثير الدور الذي تلعبه إيران في ذلك الصراع؟
  • ماهي العوامل الداخلية والخارجية، التي حولت الحركة الحوثية إلى مشروع قوة سياسية مذهبية مسلحة؟

بناء على الفرضية التالية:

تلعب إيران دور الداعم الأساسي للحركة الحوثية؛ لتحقيق أهدافها السياسية، والعقائدية على الخارطة السياسية والاجتماعية في اليمن.

وعرضت في القسم الأولمنها : المنظور التاريخي للحركة الحوثية، جذورها، ومنابعها الفكرية العقائدية والسياسية. ضمن إطار زمني يمتد منذ إعلان قيام الوحدة اليمنية في 22 أيار/ مايو1990، والتي ارتبط بإعلانها السماح الدستوري بالتعددية السياسية كإطار ثقافي وسياسي. وبذلك تمّ إعلان “تنظيم الشباب المؤمن” عن نفسه عام 1990، تنظيماً يمثل الفكر العقائدي “الزيدي”، والذي تبلورت منه بعد ذلك الحركة الحوثية، منذ تولى قيادة التنظيم “الشباب المؤمن” (حسين بدر الدين الحوثي)، وحتى عام 2004، بداية الصراع العسكري بين الدولة اليمنية والحركة الحوثية.

وتحولت بذلك الظاهرة الحوثية إلى حركة سياسية مسلحة، ضمن قراءة تاريخية لطبيعة النشأة في إطار فكري، وذلك بالرجوع إلى تاريخ سقوط النظام الملكي “الإمامي الزيدي” في شمال اليمن بقيام ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962، التي أحلت النظام الجمهورية كبديل.

فيما قدمت في قسمها في القسم الثاني: دراسة للصراع العسكري بين الدولة اليمنية والحركة الحوثية، والذي امتد منذ عام 2004 حتى عام 2009، تاريخ نهاية الحرب السادسة بين الطرفين. وخاصة الصراع في (منطقة دماج في محافظة صعدة) بين الحركة الحوثية والحركة السلفية، إذ بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2011، المواجهات المسلحة بين الطرفين، وانتهت بعد ذلك في ظل وساطة قبلية في 21 حزيران/ يونيو 2012. وسُمِّى “الصلح الأولى”. ولكن في 30 تشرين الأول/ أكتوبر2013، عادت الصراعات بين الطرفين. وبحثت الدراسة في ماهية هذا الصراع، باعتباره صراعاً مذهبياً أم أنه صراع سياسي بغطاء ديني؟ على ضوء قراءة تحليلية لخلفيات، وأبعاد تلك الصراعات.

أما القسم الثالث: فقد تناول فيه الباحث علاقة الحركة مع إيران، وكيف تمثل (إيران) سنداً إقليمياً داعماً لمشروع الحركة السياسي والمذهبي، وذلك لتحقيق الأهداف التي قامت بها الثورة الخمينية الإيرانية عام 1979. وكذلك قدمت رؤية لمستقبل الحركة الحوثية في الاتجاه السياسي، والاتجاه التربوي الفكري، وذلك بعد الحراك الشعبي الثوري الذي شهدته اليمن عام 2011.

لقد أتت نتائج هذه الدراسة، منسجمة مع فرضيات الدراسة، وقد تمثلت النتائج بالآتي:

  • تعدّ الحركة الحوثية ظاهرة مذهبية معقدة، حيث تدعي الانتماء للمذهب الزيدي (الجارودي) في اليمن، لكن سلوكها الروحاني ينتمي للمذهب الشيعي (الإثنى عشري) “الإيراني، وذلك في المجاهرة في معتقداتها تجاه الصحابة، ولاسيما الخلفاء الراشدون -رضوان الله عليهم-، وتلك المعتقدات لا يؤمن بها أبناء المذهب الزيدي في اليمن (الجارودي والهادويّ).
  • مثّلت الحركة الحوثية امتداداً لتنظيم (الشباب المؤمن) الذي أنشئ في ثمانينيات القرن التاسع عشر على يد مرجعيات زيدية. وقد انضوت عقب الوحدة 1990، تحت حزب (الحق) الزيدي، ثم تحالفت مع (الحزب الاشتراكي اليمني)، ثم انضوت تحت حزب (المؤتمر الشعبي العام)، وهو ما يعني أنّ هذا التيار ذو طبيعة براغماتية متلونة.
  • تهدف الحركة الحوثية إلى استعادة الحكم الإمامي البائد، الذي سقط مع قيام ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962. بالتوكؤ على نظرية الولاية والإصطفاء “لآل البيت”، والتي يحاولون تكريسها كجزء أساس من الدين.
  • إنّ شعار الحركة الحوثية، الذي يتمثل شعار الثورة الإيرانية ومعتقدتها المذهبية الإثنى عشرية، أثبت العلاقة الحتمية بين تلك الحركة وإيران، إضافة إلى دعم البرامج السياسية لوسائل الإعلام الإيرانية، وغيرها من القنوات التابعة لمرجعيات شيعية، للحركة الحوثية. كل ذلك كان يشير إلى وجود مطبخ إعلامي سياسي ومذهبي واحد، لكل هذه الوسائل المختلفة التي تدعم الحركة الحوثية. عدا عن الدعم اللوجستي، الذي انكشف أثناء ضبط السلطات اليمنية شحنات من الأسلحة الإيرانية في الموانئ اليمنية، كانت مهربة لمساندة الحركة الحوثية في صراعاتها الداخلية في اليمن.
  • استطاعت الحركة الحوثية في أول مواجهة لها مع الدولة، وعبر إسناد إقليمي (إيراني)، أن تتحول إلى قوة ذات مشروع مذهبي وسياسي، مسلحة على غرار (حزب الله في لبنان). حيث وضعت إيران اليمن ضمن أجندتها السياسية، لتنفيذ مشروعها المذهبي، كي تستطيع إدارة صراعاتها المذهبية في منطقة الخليج العربي.
  • أظهرت المواجهات المسلحة الست بين الحركة الحوثية والدولة، عجز الدولة في القضاء على الحركة الحوثية؛ لصلابة الجبهة الحوثية واستعدادها الكامل لحرب طويلة الأمد. ولوجود بعد خارجي داعم، وتآمر وخيانات بعض العناصر في السلطة العسكرية والسياسية، وعدم الالتزام بخطة الحل العسكري للقضاء على ذلك التمرد في وقته وزمنه، مما سمح لمشروع هذه الحركة السياسية والدينية بالاستمرارية.
  • استطاعت الحركة الحوثية في المواجهة الثانية ضد الحركة السلفية في منطقة (دماج) في محافظة (صعدة)، أن تفرض واقعاً مذهبياً وسياسياً جديداً، من خلال السيطرة الكاملة على المنطقة تحت مبررات دينية، وتمثل ذلك في طرد الحركة السلفية من (دماج)، تحت رعاية الوساطة الرئاسية لوقف إطلاق النار بين الطرفين، متجاوزين بذلك القوانين الدولية لحقوق الإنسان.
  • إنّ الصراعات المسلحة التي تقوم بها الحركة الحوثية حالياً مع بعض القوى القبلية (حاشد، أدهم)، والحزبية (حزب التجمع اليمني للإصلاح)، والدينية (الحركة السلفية)، في بعض المحافظات اليمنية (عمران، الجوف، حجة، تعز .. الخ)، وماتزال حتى إعداد هذه الدراسة؛ تؤكد بأنّ هذه الحركة تحمل مشروعاً سياسياً ومذهبياً، له طموحات مستقبلية في رسم خارطة سياسية ومذهبية لها في الجغرافية اليمنية.

واختتم الباحث دراسته بجملة مقترحات، هي:

  • يجب على الحكومة اليمنية إخضاع الحركة الحوثية إلى مؤسسات الدولة، ودستور الدولة وقوانينها، فيما إذا كان لها مطالب مشروعة. وعدم السماح لها باللجوء إلى العنف، واستعمال السلاح لحل نزاعها مع الدولة، أو مع الحركة السلفية في (دماج)، أو مع بعض القبائل اليمنية في محافظات (عمران، والجوف، وحجة)، كقبيلتي (حاشد وأدهم). وجعل الحوار كذلك أساساً في حل تلك النزاعات، وإخضاع الجميع لسيادة القانون.
  • يجب على الحكومة اليمنية أن توجّه الجهات الدينية والسياسية والتعليمية، إلى عقد الندوات والمؤتمرات البحثية، لدراسة الأوضاع التي تهدد الهوية الدينية والحضارية لليمن والاستقرار الأمني والاجتماعي، للخروج بحلول ومعالجات لبناء مشروع قومي جامع للهوية اليمنية.

 

خامساً- عبد القادر أحمد نعناع، “أثر الثورات العربية في نَزَعات الهُويّة المذهبية: الحركات الشيعية في دول الخليج العربي نموذجاً”:

تشكل هذه الدراسة، قراءة في الآثار التي أحدثتها ثورات الربيع العربي في الهُويّة الجمعية عربياً وفي الهُويّات الفرعية (المذهبية) بشكل خاص. وذلك في نموذج دراسي يتناول دول مجلس التعاون الخليجي الست. بعد تقديم إطار نظري لمفهوم الهُويّة والمواطنة والأقليات، وآليات إدارة التنوع الثقافي. إذ يُقسّم البحث إلى:

الفصل الأول- آليات تَشكُّل المواطنة والهُويّة:

  • أولاً: الارتباط بين المواطنة والهُويّة.
  • ثانياً: أزمات الهُويّة والمواطنة.
  • ثالثاً: أثر الثورات العربية في مسألة الهُويّة.

الفصل الثاني- إعادة تَشكُّل الهُويّات الدينية في دول الخليج العربي:

  • أولاً- الحضور الشيعي في دول الخليج العربي.
  • ثانياً- أثر الثورات العربية في المسألة الطائفية في دول الخليج العربي.
  • ثالثاً- دور العامل الخارجي (إيران) في تمظهرات الهُويّة المذهبية في الخليج العربي.
  • رابعاً- الارتباطات الهُويّاتية الدينية، في دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتنطلق الدراسة من منهجية دراسة الحالة، ضمن الإطار الزمني الواقع بين عامي 2011 و 2013، إذ شكل عام 2011 متغيراً سياسياً مستقلاً على مستوى العالم العربي ككل، لناحية اندلاع احتجاجات وثورات في عدد من الدول العربية، وهو ما انعكس على مفهوم المواطنة والهُويّة الوطنية والهُويّات الفرعية المذهبية والعرقية كمتغيرات تابعة، وتنتهي الدراسة مع مطلع عام 2014 وهو وقت إعدادها.

وتنطلق الدراسة من سؤال مركزي مفاده:

  • كيف أثرت الحركات الشعبية العربية على تعزيز الحالة المذهبية والهُويّات الفرعية على حساب الهُويّات الوطنية؟

كما تنطلق الدراسة من فرضيتين أساسيتين:

  • أدت الحركات الاحتجاجية العربية إلى تعزيز الميل نحو الهُويّات الفرعية على حساب الهوية الوطنية، كلما فشلت السلطة في إدارة الصراع مع تلك الاحتجاجات.
  • كلما زاد التدخل الخارجي العصوبي (المذهبي والعرقي) في الشأن الداخلي، زاد تعزيز الميل نحو الهُويّات الفرعية.

وقد خلصت الدراسة إلى أن ثورات الربيع العربي أظهرت عمق الانقسام الذي تأصَّل في العقود القليلة الماضية على المستوى الهُويّاتي في المنطقة العربية عامة، والخليجية بشكل خاص. بل أسهمت هذه الثورات ذاتها، نتيجة الظرف الموضوعي، في تعزيز البعد الهُويّاتي في انتماء المواطَنَة العربية، لصالح هُويّات ما قبل وطنية، تستند إلى العرق والمذهب والعشيرة.

ويرى أن الباحث أن رغم أنّ الثورات أتت ضمن عملية انفتاح تحديثي للدولة العربية، غير أنّ عليها أن تهدم كثيراً من الأساطير السلطوية التي تمأسست منذ حقبة ما بعد الاستقلال، قبل أن تعيد بناء الدولة ذاتها، والهُويّات الفردية والجمعية في مجتمعاتها.

ووفقاً للباحث، فإنه: “في وقت لا يتيح فيه الخارج الإقليمي (إيران بالأخص)، مجالاً لعلميات إعادة البناء تلك، عبر توظيف سياسي مكثف لكافة الأدوات المتاحة، وهنا هي المذهب وأتباع المذهب، ضمن مشروع سياسي ما فتئ يسعى إلى اختراق البِنيات العربية الخليجية، خاصة بعد أن هيمن على بيئات أخرى (العراق، سورية، لبنان)، ويؤصِّل لاختراقاته في ثالثة (اليمن). لكن في المقابل، لا يمكن إنكار ضرورة تحديث الدولة والهُويّة في دول مجلس التعاون الخليجي، وإعادة إنتاج نمط العلاقات السياسية والمجتمعية وحتى الاقتصادية، لصالح مشاركة أوسع لكافة المكونات المجتمعية، تحصيناً للدولة من داخلها، ودفعاً بالمشاريع الخارجية بعيداً عن توظيف المطالب المحلية الأقلوية”.

لقد حدّدت الدراسة وفقاً للسؤال المركزي الذي طرحت في بدايتها، أنّ فقدان عامل الأمان الهُويّاتي في المجتمع العربي، والتدخل الخارجي العصبوي، هما السببان الرئيسان في تمظهر الهُويّات الجديد في العالم العربي عامة، ومنطقة الخليج العربي خاصة. في ظلّ محدودية فاعلية حكومات الدول الثورية في إعادة ضبط الحِراكات المجتمعية وتوجيهها وتأصيل حقوقها، وفي ظلّ مواجهة سياسية استراتيجية تشهدها حكومات الدول الأخرى (الخليجية) مع الدفع الخارجي الإيراني لاختراق البِنيات المجتمعية وتوسيع مشروع الهيمنة الذي بدأ في دول المشرق العربي أولاً، وما زال يسعى للتوسع.

إعداد: عبد القادر نعناع

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق