عاصفة الحزم اختبار تراص إقليمي جديد

عاصفة الحزم اختبار تراص إقليمي جديد

بعد الاضطرابات العربية في عام 2011، انقسم محور الاعتدال إلى قسمين، محور إخواني ومحور غير إخواني، خصوصا بعدما سيطر الإخوان على الحكم في مصر عبر انتخابات حسمها الشارع المصري، لكن لم يتمكن الإخوان من الحفاظ على السلطة التي وصلوا لها والتي كانوا يطمحون لها تاريخيا منذ المؤسس حسن البنا.

لكن من أسقط الإخوان في مصر هم الإخوان أنفسهم، بسبب أنهم رفضوا الأخذ بنصيحة أردوغان التي كانت قراءته للأحداث في مصر مصيبة، بعدما اعتقد الإخوان  أنهم حصلوا على التمكين، وبشكل خاص أنهم وصلوا إلى سدة الحكم عن طريق الشعب، لكنهم استهانوا بالواقع المصري وبالمتربصين بهم من النظام السابق، وبالفعل أعطى هؤلاء الفرصة المناسبة، بعدما انكشفت ممارساتهم الاقصائية التي لم يرضاها الواقع المصري بكافة مكوناته التي لم تعد تنفع في زمن الانفتاح خصوصا بعدما جرب الشعب المصري ممارسة حريته في ثورة يناير كما أنهم رفضوا الانصياع لنصائح أردوغان بفهم الواقع المصري وأن زمن الإقصاء لم يعد ينفع خصوصا حينما ذكرهم بأن تركيا نظام إسلامي مع بقاء تركيا علمانية التي أسسها كمال أتاتورك حتى لا يحتك مع الجيش ومع مكونات أساسية في تركيا.

 لكن إخوان مصر رفضوا نصيحته باعتبار أنهم عرب وأنهم مصدر الحركات الثورية في العالمين العربي والإسلامي، سواء كانت الثورة الخمينية، أو النموذج التركي حزب العدالة والتنمية، فكيف يقبل إخوان مصر الأصل بنصيحة الفرع، وهي العصبية التي نهى عنها رسولنا الكريم، والتاريخ يذكرنا بأن الناس سواسية في الإسلام لا فرق بين عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، وكيف أن معاوية بن أبي سفيان، حينما سمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالتنبوء بفتح القسطنطينية، وامتدح في الحديث الجيش وقائده، فحاول معاوية رضي الله عنه فتح القسطنطينية لينطبق عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه لم يتمكن، حتى فتحت القسطنطينية على يد محمد الفاتح، واستأثر بفضل وكرامة هذا الحديث هو وجيشيه، وكذلك استرد صلاح الدين الأيوبي القدس من الصليبيين وهو كردي.

تركيا هي مثل إيران استثمرت وصول الإخوان إلى السلطة في مصر لتنفيذ مشروعها الإقليمي العربي باعتباره الحديقة المجاورة بعد فشل تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، فحاولت تشكيل محور إخواني في المنطقة عبر قطر الخليجية الذي أثار السعودية باعتباره استهداف أمن منطقة الخليج واستهداف الأمن العربي أيضاً.

 لكن السعودية حاولت الضغط على مصر زمن الرئيس محمد مرسي، وإقامة تحالف وفق السياسة الواقعية، لكن تطورات الموقف المتسارعة في مصر في عام 2013 جعلت مساحة التلاقي بين هذه الأطراف تقل، واحتدم الصراع بينهم، وأصبح هناك محورين تركي قطري، وسعودي إمارتي مصري بعدما اختار الجيش المصري دعم ثورة تمرد وأزاح السلطة الإخوانية.

هذا الانقسام في محور الاعتدال، خفف الضغط على محور ما يسمى بمحور المقاومة الذي تقوده إيران عبر وكلاء في المنطقة العربية، وخفف من استهداف حلقته الوسطى في سوريا، مما مكن محور المقاومة من التمدد في فترة زمنية قياسية جدا، مما مكن إيران من مسك زمام المبادرة، وتوسيع نفوذها حتى اليمن، وبدأت تعترف بشكل علني بل وفق غطرسة لم تعهدها دول المنطقة من قبل خصوصا حينما صرح عدد من المسؤولين الإيرانيين الكبار بأن نفوذ إيران أصبح نفوذا واقعيا في أربع عواصم لاستعادة الإمبراطورية الفارسية.

سعت السعودية قبل عاصفة الحزم في هندسة التئام محور الاعتدال بالضغط على دولة قطر الخليجية في زمن الملك عبد الله، بعد إقناع دولة قطر بأن هذا الانقسام يخدم دولتين إقليميتين في المنطقة هما إيران وتركيا على حساب الأمن العربي، شارك في جهود التئام هذا الشرخ أمير دولة الكويت بحكمته وحنكته الطويلتين بالتوازي مع القوة الدبلوماسية التي اتبعها سعود الفيصل والتي كانت جهود متكاملة.

بقيت دولة تركيا بمفردها تضغط على النظام المصري، حتى أتت عاصفة الحزم بعدما واصل المتمردون الحوثيون وعلي عبد الله صالح بدعم خبراء إيرانيين ومن حزب الله اللبناني التمدد في اليمن ولم يتوقعوا قيام عاصفة الحزم.

فشلت إيران ووكلائها في المنطقة قراءة المشهد السياسي، وكانوا يعولون كثيرا على أمريكا وعلى المجتمع الدولي في وقف أي تدخل في اليمن حتى لا تتأثر المفاوضات النووية، كانت عاصفة الحزم في عهد الملك سلمان على غرار دخول درع الجزيرة بقيادة السعودية إلى البحرين عام 2011 وحمته من أي تدخل إيراني ومنعت من قيام وكلاء جدد لإيران في البحرين على غرار لبنان أو اليمن، رغم أن الولايات المتحدة انتقدت تدخل درع الجزيرة في البحرين على غير عادة دول الخليج  في أخذ الإذن من أمريكا، وهو ما فعله الملك سلمان في عاصفة الحزم في اليمن أتت بعد قراءة استراتيجية للمشهد الدولي واستثمار التغيرات والسعي نحو موقف سعودي أكثر استقلالا عن أمريكا متكئة على تحالفات دولية وإقليمية جديدة أقامتها.

عاصفة الحزم حاولت توحيد ورص صفوف دول محور الاعتدال ضمن تحالف إقليمي يتكون من عشرة دول بما فيها دولة مصر كدولة أساسية في التحالف وتركيا وباكستان والسودان مما مثل وحدة إقليمية جديدة ما فوق الانقسام الذي تسببت فيه ثورة تمرد في مصر، وبدأت مرحلة جديدة بقيادة السعودية، رغم أن التأثير الإيراني في العمق الباكستاني، جعلت البرلمان الباكستاني يرفض المشاركة في عاصفة الحزم، لكن الحكومة الباكستانية عوضت هذا الرفض بتأييد الحكومة شرعية عاصفة الحزم، وكل المحاولات التي بذلت لتفكيك التحالف المدعوم أمميا  بالقرار2216 الذي انتزع تحت البند السابع.

 القرار الأممي رغم الالتفاف عليه من قبل الأمم المتحدة نفسها لكن عاصفة الحزم تواصل ضرباتها الموجعة في اليمن، خصوصا بعد تحرير عدن في نفس يوم توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع المجتمع الدولي في فيينا، مما يعطي إشارة واضحة إلى استمرار التحالف في مواصلة مسيرته في تحرير بقية المدن اليمنية، منطلقة من عدن للقضاء على التمرد في اليمن، واستعادة اليمن شرعيته واستقراره.

بدأت السعودية تستعيد محور الاعتدال من خلال عاصفة الحزم، والتنسيق بين دولة قطر وتركيا من أجل مواجهة إيران في سوريا لدعم عاصفة الحزم في اليمن، وبدلا من مراهنة الإخوان في المنطقة على استعادة مكانتهم المفقودة بعد عهد الملك عبد الله نتيجة التغيير في الحكم قد لا يفهمون استراتيجية السياسة السعودية.

 ما حدث هو العكس دون أي مواقف واضحة ولكن التطورات التي حدثت في التحالف الذي قاد عاصفة الحزم كان إجابة مباشرة على دعم محور الاعتدال ما فوق محور الإخوان لمواجهة النفوذ الإيراني الطموح، وتقويضه في المنطقة، بل نجحت السعودية التي تقود عاصفة الحزم بتعرية محور المقاومة أمام الشعوب الإسلامية والعربية والمجتمع الدولي بأنه محور إرهابي لا يختلف عن داعش، يجب مواجهته كما تتم مواجهة داعش.

جاءت عاصفة الحزم التي تقودها السعودية اختبارا للتراص الإقليمي الجديد بقيادة السعودية، بين السعودية ومصر وباكستان وتركيا والإمارات وقطر والكويت والأردن والسودان والمغرب، رغم التباينات بين تلك المجموعة وفق أولوية كل دولة.

لذلك وافقت السعودية أن تكون مصر قائدة للقوات العربية المشتركة المزمع إقامتها، والتي تحاول الدول الإقليمية كإيران وتركيا منع إقامة هذه القوة، قد تكون في مصلحة الولايات المتحدة للمساهمة في الاستقرار الإقليمي نيابة عن الولايات المتحدة وفق الاستراتيجية الجديدة لأوباما لتقليل التكاليف الباهظة التي تنفقها الولايات المتحدة على مناطق العالم، وأن تتحمل الدول الإقليمية مسؤولية الاستقرار الإقليمي من أجل تخفيف العبء عن الولايات المتحدة المشغولة بمحاصرة الصين من خلال توقيع اتفاقية تجارة متعددة الأقطاب.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق