عاصفة الحزم أوقفت قطف إيران ثمار ما زرعته خلال الفترة الماضية

يبدو أن أحلام طهران تخطت كل الحدود، فلم تكتف بعربستان القضية المنسية عربيا ودوليا بعد تسلمها من بريطانيا عام 1925، باعتبار أن إيران دولة قوية تقف سدا منيعا أمام التوغل الشيوعي إلى المياه الدافئة والشرق الأوسط.

ضم عربستان ألغت اتفاقية أرض روم التي عقدت برعاية روسية بريطانية عام 1884 خصصت فيها المحمرة وعبادان وبعض المناطق الأخرى من عربستان إلى إيران.

كما لم تلتزم بريطانيا بعهدها عندما وقعت مع حكام الخليج عام 1819 لحماية الجزر الإماراتية، وحاولت إيران ضمها في عامي 1904 و 1963 ولكنها أخفقت، ولكن قبل انسحاب بريطانيا من الإمارات بخمسة أيام استولت إيران بالقوة العسكرية على هذه الجزر الثلاث، بينما فشلت إيران في استتباع البحرين بعد تصويت السكان بعروبة البحرين عام 1970.

تاريخيا كان العراق يمثل المركز السياسي والاقتصادي للإمبراطورية الفارسية، وكان الصراع الفارسي العربي على أشده، رغم أن العرب المناذرة كانوا يدورون في فلك
الإمبراطورية الفارسية، لكن سجل عام 609 أول انتصار عربي في الجاهلية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل البعثة على الفرس، كان سببه أن غضب كسرى برويز على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، والتاريخ يعيد نفسه إذ كان في الجيش الفارسي عرب موالون لفارس وهو يشبه المليشيات الشيعية في العراق التي تعلن ولائها لإيران ولولاية الفقيه.

استجار النعمان بقبائل بكر بن وائل وبرزوا إلى بطحاء ذي قار وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة، وذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بلغه ذلك قال ( إن هذا أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم وبي نصروا)، أي القضاء على دولة فارس أتى لاحقا في معركة القادسية زمن الخليفة عمر بن الخطاب سنة 636، بعد أن قضي على المركز السياسي والاقتصادي العراق عام 633، أتاحت الفرصة في إقبال الفرس على اعتناق الإسلام، بعد أن تم القضاء بشكل كامل على الإمبراطورية الفارسية عام 644.

عادت إيران إلى تصدير ثورتها إلى المنطقة العربية البديل للمشروع الفارسي، وابتداع ولاية الفقيه الذي استعارته من جماعة الإخوان المسلمين، واستبقتهم في تطبيق نموذج المرشد.

 استثمرت إيران غزو أمريكا للعراق، فتسلمت العراق على طبق من ذهب لم تتوقع ذلك منذ معركة القادسية.

 استثمرت أيضا ثورات الربيع العربي التي حولتها إيران إلى أعاصير ربيعية، حتى حولت الاستقطاب المذهبي نتيجة توسع النفوذ الإيراني، واتجهت إلى بناء عصبية سياسية باسم الدين تحت العباءة المذهبية، وتحويله إلى صراع قومي سياسي، حتى أعلنت إيران أنها استولت على أربعة عواصم عربية وعاصمة الإمبراطورية الفارسية بغداد أرادت بذلك أن ترسل رسالة لأمريكا قبل توقيع النووي الإيراني.

بدا الخيار السعودي – الخليجي لا يبتعد كثيرا عن مسار أصول العلاقات الأمريكية وحذرها من مفاوضات أمريكا الأخيرة الملتبسة مع إيران حول النووي وحول العديد من القضايا المتناثرة في المنطقة، لكن هناك خلاف جذري بين السعودية وموسكو خصوصا حول سوريا، خصوصا وأن موسكو لم تنجح في تسويق بدائل للأزمة السورية يقنع السعودية.

سبق للرياض أن أنقذت البحرين من إيران دون التشاور مع الولايات المتحدة باعتبار أن البحرين شأن خليجي، وترى أن اليمن تحول إلى مواجهات جيوسياسية بين محورين سعودي بدعم خليجي عربي إيراني لأن السعودية ترى أن إيران لا دخل لها في اليمن، باعتبار أن اليمن واقع تحت المظلة الخليجية، وهو شأن سعودي خليجي عربي باعتبار اليمن يتمتع بموقع استراتيجي يمثل شريان حيوي للتجارة العربية والعالمية.

السعودية لن تسمح لإيران بإضعاف السعودية ودول الخليج في الجنوب وتقصد إيران إشغال السعودية في اليمن لفرض أمر واقع تقايض اليمن بسوريا، بينما ترى السعودية أن هناك ترابط جيوسياسي بين اليمن وسوريا.

 لن تسمح السعودية لإيران بإحياء المشروع الفارسي التاريخي يقود إلى تغيير الخريطة الجيوسياسية العربية، ومشاركتها في تنفيذ مخططات ما بعد الدولة الوطنية التي بشرت بها مراكز الأبحاث في الولايات المتحدة من الشرق الأوسط الكبير والجديد بدولة الكيانات الطائفية تحت عباءة الدين ومظلومية الأقلية الشيعية التي خلقت خريطة صراع إقليمية.

تدرك إيران أن حرب سوريا لن تكسبها، ولن تسمح السعودية بأي مقايضة في المنطقة العربية، وأن عاصفة الحزم التي قادتها في اليمن يعقبها عواصف أخرى في المنطقة العربية بكل السبل الممكنة، ولن تسمح لإيران أن تقطف أي ثمار زرعتها خلال الفترة الماضية.

نجاح السعودية في تشكيل تكتل خليجي عربي دولي سيضغط على إيران في الكف عن النشاطات التخريبية التي تقودها في المنطقة العربية منذ إعلانها تصدير الثورة الإيرانية عام 1980 ربما أوقفتها الحرب العراقية الإيرانية لمدة ثمان سنوات، ولكن عادت إلى نشاطها بشكل مكثف في ظل خلافات وتفكك عربي خصوصا بعد ثورات الربيع العربي.

المرحلة المقبلة تخيف إيران، خصوصا بعد توجه العراق رغم النفوذ الإيراني القوي في العراق نحو بناء جيش وطني الذي يفرض عليه القضاء على المليشيات الشيعية التي شكلتها إيران خلال الفترة الماضية، وأصاب إيران الجزع نتيجة دعم السعودية للجيش اللبناني، ما يعني تحييدا لقوة حزب الله اللبناني وإضعاف هيمنته على القرار السياسي في لبنان.

عاصفة الحزم أيقظت الوجدان العربي ضد المشروع الفارسي الإيراني في سوريا كذلك، وستخوض السعودية مواقف جديدة تجاه سوريا تستبق السعودية انعقاد قمة كامب ديفيد الخليجية الأمريكية لخلق واقعا عربيا بعيدا عن النفوذ الإيراني، وهو مفهوم متقدم للأمن الإستراتيجي العربي يستبق هذه القمة.

لأن استراتيجية الولايات المتحدة لن تهمل إيران كثيرا، حتى لا تسمح لروسيا بالوصول إلى الخليج العربي، باعتبار أن إيران تتمتع بموقع جيوستراتيجي مهم، إذ ترى روسيا في إيران ضالتها، ورفعت الآن الحظر عن تصدير صواريخ اس 300 لإيران أتى هذا بعد عاصفة الحزم وبعد توقيع إيران مع الغرب حول النووي الإيراني الذي تراه روسيا إضعاف للمحور الروسي الإيراني على حساب المحور السعودي الأمريكي.

روسيا تنظر إلى أبعد من ذلك، فهي لديها أحلام تلتقي مع الأحلام الإيرانية، وتريد أن تذهب بعيدا وتستعيد الحرب الباردة، وليست بالقوة الناعمة البطيئة، بل بالقوة الخشنة السريعة.

 تدرك السعودية تلك التوازنات، وهي تريد أن تستثمر نقاط الالتقاء بينها وبين الولايات المتحدة، وتدرك السعودية أن لدى الولايات المتحدة مصلحة مع إيران من أجل تحييد الدب الروسي.

 ما يفرض على السعودية أن تقف أمام القفازين الخشنين الذين تستخدمها روسيا وإيران تحت ذرائع الشعارات الدينية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق