صراع الساسة في إيران يجمد عقد بيع الغاز لدولة الإمارات

أبرم هذا العقد بين شركتي بترول الهلال الإمارتية وشركة النفط الوطنية الإيرانية في عام 2001، وذلك عندما كان بيجن زنغة (بیژن زنگنه) وزيراً للنفط في إيران في عهد الرئيس محمد خاتمي الذي عرف بالإصلاحي في تلك الفترة من الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية.

أبرم هذا العقد بين شركتي بترول الهلال الإمارتية وشركة النفط الوطنية الإيرانية في عام 2001، وذلك عندما كان بيجن زنغة (بیژن زنگنه) وزيراً للنفط في إيران في عهد الرئيس محمد خاتمي الذي عرف بالإصلاحي في تلك الفترة من الحياة السياسية في الجمهورية الإسلامية.

بدأت مفاوضات أولية بين الشركتين في عام 1997 إلى أن أبرم هذا العقد بعد ما تم التفاهم على كافة القضايا المتعلقة به. وعلى ضوء هذا العقد يتم تصدير الغاز عبر الأنابيب في أعماق البحر من حقل سلمان الإيراني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ويبدأ من 500 مليون قدم مكعب إلى أن يصل 800 مليون قدم مكعب في اليوم. إلا أن هذا العقد اعتبر بعد فترة وجيزة من العمل به غير مُجدٍ للاقتصاد الإيراني، ووصف محمد رضا رحيمي رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية “ديوان محاسبات كشور” العقد بـ “الخيانة” مما أدى إلى إلغاء العقد المبرم مع شركة بترول الهلال. وعرف هذا العقد في الشارع الإيراني ولا سيما من قبل الساسة المحافظين بـ “قرارداد كرسنت”. ويعني عقد “كرسنت” نسبة لشركة Crescent Petroleum Company، والتي تعرف في دولة الإمارات العربية المتحدة بـ “شركة بترول الهلال”. والطريف في الأمر أنه بعد مجيء أحمدي نجاد تغيرت نظرة الساسة الإيرانيين وسعوا لإحياء هذا العقد، لكنهم فشلوا بسبب المعارضة الشديدة من قبل أطراف متنفذة داخل النظام محسوبة على الحرس الثوري الذي يمسك بصناعة النفط ومشتقاتها في إيران.

وفي عام 2013 خلال الاجتماعات التي دارت في المجلس الشورى الإيراني لإعطاء الثقة لحكومة حسن روحاني تجدد موضوع هذا العقد الذي أبرمته الحكومة الإيرانية عام 2001. اعتبر هذا العقد من قبل بعض الساسة والبرلمانيين خيانة للوطن والشعب الإيراني على حد قولهم، وشبهه البعض باتفاقية “تركمنچای” سيئة الصيت في التاريخ السياسي الإيراني. وعلى إثر هذه الخلافات والتصريحات المتناقضة من قبل المسؤولين الإيرانيين طوال هذه الفترة من عمر العقد مع شركة بترول الهلال الإماراتية، رفض السيد “حميد رضا كاتوزيان”، العضو في لجنة الطاقة التابعة لمجلس الشورى الإيراني في المرحلة التي تم إبرام العقد فيها مع شركة الهلال، هذه التصريحات وأكد أنّ هذا العقد تم بموافقة وزارة النفط، ووزارة المخابرات الإيرانية (اطلاعات)، والهئية المركزية للرقابة والتفتيش “سازمان بازرسي كل كشور”، ولجنة الطاقة لمجلس الشورى التي أيّدت وأكدت صحة وسلامة هذا العقد الذي أبرمته الحكومة الإيرانية مع شركة كرسنت (شركة بترول الهلال الإماراتية)”.

 

محتوى العقد:

أدّت المفاوضات التي جرت بين إيران وشركة بترول الهلال إلى اتفاق تعهدت إيران بموجبه أن تقوم بتصدير الغاز الحامض من حقل سلمان ولمدة 25 سنة وذلك ابتدءاً من عام 2005 إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. كما اتفق الجانبان على أن يبدأ حجم الصادرات للغاز الحامض من 500 مليون متر مكعب غاز إلى أن يصل إلى 800 مليون متر مكعب في اليوم الواحد. كما اتفقا على أن يكون سعر الغاز على أساس كل 1000 متر مكعب، أي ما يعادل البرميل الواحد للنفط. حيث ينص هذا العقد على مرحلتين وهما كالتالي:

 المرحلة الأولى: السنوات السبع الأولى من العقد (من لحظة بدء ضخ الغاز لمدة سبع سنوات)، وعندها يكون سعر النفط ثابتاً بمعدل 18 دولاراً للبرميل الواحد، و1000 متر مكعب من الغاز بمعدل 17.5 دولاراً.

المرحلة الثانية: سيكون سعر الغاز الإيراني لـ 18 سنة الباقية (إلى أن تنتهي فترة العقد 25 سنة) على أساس سعر نفط الخام لـ دبي، وذلك بشكل ثابت للبرميل الواحد 40 دولاراً، و سعر كل 1000 متر مكعب من الغاز الإيراني (لهذه الفترة الـ 18 سنة أيضاً) بشكل ثابت وبمعدل 38.85 دولاراً.

 

إيقاف العمل بالمشروع (عقد الهلال):

تم إيقاف هذا المشروع في عام 2005 من قبل ديوان محاسبات ايران لأسباب عدة، منها السعر الذي تم الاتفاق عليه، وخاصة سعر الغاز للسنوات السبع الأولى. وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة التي قامت بها شركة بترول الهلال الإماراتية توقف هذا المشروع كليا ً إلى يومنا هذا. وفي النتيجة، تحول هذا العقد إلى مشكلة سياسية حقيقية بين أطياف النظام، فقد أرسل حسن روحاني في شهر ديسمبر لعام 2002 خطابا ًإلى محمد خاتمي رئيس الجمهورية في ذلك الوقت، وكان روحاني في وقتها أميناً عاماً للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. اعترض روحاني في خطابه بشدة على “بيجن زنعنة” (بیژن زنگنهوزير النفط، وقال إن إبرامه لهذا العقد مع كرسنت (شركة الهلال) هو خارج الإطار القانوني، وقد تم عبر وسيط، واعتبر أن هذا العقد له آثار سلبية على النظام. علما إن “بیژن زنگنه” هو حاليا ًوزير النفط في حكومة حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية الحالي.

 

ماذا قال الساسة أصحاب الشأن في طهران:

–           قال السيد “كاظم وزيري هامانه” وزير النفط في الحكومة التاسعة من عمر النظام الإيراني، “إذا كان العقد قد نفذ مع كرسنت (شركة الهلال)، فنحن اليوم وبعد سبع سنوات، نكون قد بعنا الغاز ولم ندفع غرامة”. ويضيف هامانه، جرت على ضوء هذا العقد مناقشات كثيرة، حيث كان لـ محمد رضا رحيمي رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية “ديوان محاسبات إيران” في ذلك الوقت، وكذلك حاشية رئيس الجمهورية السابق (أحمدي نجاد) خصومة شديدة مع وزير النفط (یژن زنگنه)، لذلك أثاروا هذا الضجيج، وقد يكون رغبة منهم بسحق الوزير. ويختم هامانه حديثه بالقول: في واقع الأمر، فإن وراء هذا الضجيج بُعد سياسي، وليس له أي بُعد تخصصي، فهذا العقد أبرم قانونياً ودوليا.ً

–           ما يلفت النظر في هذه القضية (العقد المبرم مع شركة بترول الهلال الإماراتية والحكومة الإيرانية)، حديث “أكبر تركان” نائب وزير النفط في الحكومة التاسعة للجمهورية الإسلامية في عهد أحمدي نجاد، والمستشار العالي لرئيس الجمهورية حسن روحاني، والذي يعتبر من أبرز الساسة الإيرانيين وأهم المسؤولين في حكومة الرئيس حسن روحاني، حيث قال: “إن الذين لم ينفذوا عقد كرسنت (الهلال)، يجب محاكمتهم”. كمااتهم المخالفين للحكومة الحالية بتوظيف عقد كرسنت كـ وسيلة للضغط على حكومة روحاني، وقال في هذا السياق أنهم يوظفون هذه القضية الاقتصادية الفنية البحتة لـتحقيق مآربهم السياسية، وأضاف: إن نتيجة عمل هؤلاء الذين تنقصهم الخبرة في الإدارة والعمل الصحيح، أن يعطوا الفرصة لدولة أجنبية لتقوم برفع قضية دولية كبيرة ضد بلدنا.

 

المحكمة الجنائية الدولية:

بعدما تحولت هذه القضية (العقد المبرم مع شركة بترول الهلال ) إلى موضوع جدل سياسي مثير في الأوساط الإيرانية، حاولت شركة بترول الهلال أن تجد حلولاً وسطية مع المسؤولين الإيرانيين، لكن كافة المساعي الحميدة التي سلكتها الشركة الإمارتية الخاصة طوال السنوات الماضية باءت بالفشل، مما استوجب على الشركة العربية الإماراتية أن تتوجه إلى المحكمة الدولية في لاهاي كي تبت في هذه القضية.

أربكت هذه الخطوة المسؤولين في طهران وبشدة، فاحتدم الصراع بين الأطراف المتخاصمة وبات على أشده، حيث ذهب البعض منهم إلى درجة أن يخوّن الطرف الأخر. وظهر جليا ًهذا الصراع عندما نشر الموقع الاخباري للحرس الثوري “فارس نيوز” بتاريخ 9/8/2013 تقريراً أشار من خلاله لحيثيات هذا العقد الذي عرف في الشارع الإيراني بـ “كرسنت”، وعنونه بـ “كشف جوانب جديدة من عقد كرسنت، وإعطاء الحق الحصري لشراء الغاز لشركة بترول الهلال”، واصفاً هذا العقد بـ “المذل”.

والمآخذ التي يراها هذا التقرير في العقد، وهو تقرير منشور في موقع تابع للحرس الثوري، يمكن أن نجملها على النحو التالي:

–           إن مجلس إدارة شركة النفط الوطنية الإيرانية في عام 2002 أبرمت عقد بيع الغاز من حقل سلمان في الخليج العربي مع شركة كرسنت(الهلال) بحجم 330 مليون قدم مكعب إلى أن يصل 600 مليون قدم مكعب في اليوم.

–           إن شركة بترول الهلال عملت كـ وسيط بين إيران ودولة الإمارات العربية المتحدة (إمارة الشارجة)، وفترة العقد 25 سنة، ولا يجوز لشركة خاصة أن تلعب دور الوسيط بين الدول.

–           سعر الغاز على أساس 1000 متر مكعب، أي ما يعادل البرميل الواحد للنفط. هذا العقد ينص، لـ سبع سنوات بيع الغاز الإيراني(من لحظة بدء ضخ الغاز لمدة سبع سنوات)، وعندها يكون سعر النفط بشكل ثابت، وبمعدل 18 دولاراً للبرميل الواحد، وسعر الـ 1000 متر مكعب من الغاز بمعدل 17.5 دولاراً.

–           كذلك سعر الغاز الإيراني لـ 18 سنة الباقية من العقد (إلى أن تنتهي فترة 25 سنة للعقد) على أساس سعر نفط الخام لـ دبي، وذلك بشكل ثابت للبرميل الواحد 40 دولاراً، كما سعر كل 1000 متر مكعب من الغاز الإيراني لهذه الفترة الـ 18 سنة أيضاً بشكل ثابت وبمعدل 38.85 دولاراً.

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو أن عقد شركة بترول الهلال تم مع الحكومة الإيرانية وبعلم الساسة الإيرانيين، ولا سيما بموافقة وزارة النفط ووزارة المخابرات الإيرانية (اطلاعات) والهئية المركزية للرقابة والتفتيش “سازمان بازرسي كل كشور” ولجنة الطاقة لمجلس الشورى، كما تم التأييد والتأكد على صحة وسلامة هذا العقد الذي أبرمته الحكومة الإيرانية مع شركة كرسنت (شركة بترول الهلال الإماراتية)، إذن أين المشكلة في قانونية وسلامة هذا العقد الاقتصادي الصرف؟!

 من هنا فإن طرح الإشكالية المتعلقة بـ (عقد شركة بترول الهلال) التي أثارها بعض الساسة، وهم كثر في الصف الأول من النظام في طهران، قد يكون بهدف الضغط على دولة الإمارات العربية المتحدة للحصول على بعض المكاسب السياسية هذا من جهة، وسيطرة الحرس الثوري على صناعة البترول ومشتقاته من جهة ثانية. وعادة ما تظهر هذه الخلافات على العلن من خلال كشف ملفات فساد اقتصادية ضخمة للمسؤولين تقدر بـ مليارات الريال الإيراني. لكن معالجة هذه القضايا، الفساد الاقتصادي واختلاس كبار المسؤولين، دائماً تكون من خلال تكتم صناع القرار في طهران مبررين هذا بالخوف على سمعة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران.

جمال عبيدي

رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث- لندن

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق