سياسة دولية جديدة في سورية دون استبعاد أحد، مع الضغط على إيران لوقف تدخلها

شكل انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي كارثة على أوباما، فصدمة الخروج تنذر بتداعيات على الاقتصاد الأمريكي، بل أصبح أوباما يحذر من هستيريا مالية عالمية عقب الانفصال البريطاني، أي أنها فقدت حليفها الرئيسي في أوربا ما يجعلها تعيد النظر في استراتيجياتها الأمنية والسياسية.

إن التحدي الأكثر إلحاحا خلال الفترة المقبلة يكمن في محاولة العثور على بديل لأكثر شركائها قربا وثقة داخل دهاليز أوربا، والواضح أن المهمة لن تكون باليسيرة، حيث يرى مسؤولون أمريكيون أنه ليس ثمة دولة تشارك الولايات المتحدة رؤيتها للعالم مثل بريطانيا، وقد ظلت بريطانيا على فترة طويلة أوثق الحلفاء الأمنيين لواشنطن، وأكثر الشركاء الاستخبارتيين فاعلية وأشد المتحمسين لحرية التجارة وحجر الأساس في السياسات الدولية الأميركية.

وبطبيعة الحال فإن هناك التهديد الصادر عن تنظيم داعش الذي وجد في أوربا ميدان قتال جديد له، تحمل مسألة التشارك في الاستخبارات أهمية حيوية، خاصة في ظل قرب عقد انتخابات رئاسية أمريكية، والتساؤلات التي يطرحها دونالد ترمب حول جدوى الحلفاء إذا كانوا غير مستعدين لدفع المزيد لضمان حماية الولايات المتحدة.

ومع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي فإن أي خطط أميركية طويلة الأمد جرى إقرارها، بما فيها اضطلاع أوربا بدور أكبر في منطقتها والشرق الأوسط مع توجيه واشنطن مزيدا من الاهتمام باتجاه آسيا، أصبحت في مهب الريح، لأن الولايات المتحدة فوجئت بنتيجة الاستفتاء التي أجرته بريطانيا كما كان الحال مع الانتفاضات العربية، أي أن الولايات المتحدة لم تكن لديها خطط جاهزة للتعامل مع مثل تلك التغيرات لإعادة صياغة العلاقات الأمريكية الأوربية ومن قبل العربية.

 لن يكون في المستقبل ذات القدرة والنفوذ فيما يتعلق باستجابة الاتحاد الأوربي لأعمال العدوان الروسية أو الطموحات النووية الإيرانية أو السياسية الخارجية والأمنية للاتحاد الأوربي، خصوصا وأن ألمانيا لا تشارك الولايات المتحدة نفس القيم خصوصا وأن ألمانيا لم تبد استعدادا حقيقيا للقيام بهذا الدور، خاصة بعد أن توجهها العام فيما بعد الحرب العالمية الثانية ما يزال يحول دون إرسال قوات مقاتلة إلى الخارج، بل قد شعر الأمريكيون بالصدمة بعد تصريحات وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير التي حذر خلالها من أن تدريبات الناتو الأخيرة ترمي لردع روسيا عن زعزعة استقرار بولندا ودول البلطيق أعضاء الناتو، ورأى الأمريكيون أن هذه التصريحات تحمل استعداء وإشعالا لفتيل الحرب.

لذلك وجدت أمريكا في تجديد الحلف مع السعودية كفرصة خصوصا بعد الزيارة التي قام بها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى أمريكا والتي سبقتها اجتماعات وزيارات سابقة، والتي أعقبها زيارة فرنسا بحسب ما تراه السعودية أن فرنسا حليف قوي في أوربا الذي سيمتد لبلدان عربية وأخرى أفريقية.

كما عجلت الولايات المتحدة من التقارب الروسي التركي الإسرائيلي الذي أقلق عدد من الأطراف، وأثار مخاوف أكراد سوريا، بل رد سفير موسكو في دمشق على نصر الله بقوله لا هجوم قريبا على حلب، بل نجد وزير خارجية فرنسا يؤكد بأن روسيا تمسك بجزء من الحل، وعليها دفع النظام السوري لاحترام وقف النار، حيث يصرح لافروف وزير خارجية روسيا من باريس بأنه مستعد للعمل مع تركيا لإيجاد حل في سوريا، تزامن هذا التصريح بإصدار فرنسا مذكرة اتهام فرنسية لعم الأسد باختلاس أموال عامة وغسل أموال، من أجل الضغط على النظام وهي إشارة لمرحلة جديدة

ومن باريس شن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير هجوما على طهران التي تعطل الانتخابات في لبنان، وحزب الله يعمل لمصلحة إيران، كما طالب بتفكيك المليشيات الشيعية في العراق، باعتبار أن الحشد الشعبي المشارك في معارك ضد داعش طائفي تقوده إيران، وينبغي على الجيش العراقي محاربة داعش بسبب أن هناك تجاوزات ارتكبها الحشد الشعبي في عدد من المدن التي تم تحريرها من داعش.

 وهي قراءة سعودية من أجل الضغط على إيران لتغيير بوصلتها في السياسة الإقليمية، خصوصا وأن السعودية تتابع تعديل المناصب وتغييرها في إيران بعدما أعلنت إيران أن الأدميرال علي شمخاني سكرتير مجلس الأمن القومي، أضيفت إلى وظيفته وظيفة أخرى تم إنشاؤها حديثا وهي المنسق رفيع المستوى مع سوريا وروسيا للشؤون العسكرية والسياسية والأمنية، الذي أتى بعد يوم واحد من الاجتماع الثلاثي الذي عقد في طهران لوزراء دفاع إيران وروسيا وسوريا، وزيارة وزير الدفاع الروسي إلى طهران سيرغي شويغو أتت بعد يومين من زيارة بنيامين نتنياهو ورئيس وزراء إسرائيل إلى موسكو، ما يعني أن هناك مرونة أكثر أصبحت لدى وزير الخارجية الإيراني ظريف خصوصا بعدما صرح بأنه صارت لديه سلطة أوسع في الملف السوري، ما جعله يتجه بعد 9 أيام إلى إصدار قرارا بتعيين حسين جابر أنصاري مساعدا له للشؤون العربية والأفريقية خلفا لحسين أمير عبد اللهيان أتت بعد عودة ظريف من أوسلو.

 حيث كان عبد اللهيان مقرب من الحرس الثوري وهو من المحرضين ضد السعودية، وسبق أن كان شمخاني وزيرا للدفاع في زمن الرئيس خاتمي، وسبق أن ساهم في تطبيع العلاقة مع السعودية عام 2004 فهو أقل صلابة أيديولوجيا، يتبقى قاسم سليماني رأس الحربة للحرس الثوري الذي يعتبر حزب الله خط الهجوم والدفاع، وهو ما تدركه السعودية وتحاول ضرب حزب الله من عدة جبهات، خصوصا في وقف تمويله دوليا يتماشى مع أن هناك مقترح فرنسي لحل القضية الفلسطينية، ولن تقبل إسرائيل بالمقترح الفرنسي وحزب الله يهدد وجودها.

 فأصبح استهداف حزب الله ليس فقط عربيا بقيادة السعودية، بل ودوليا خصوصا بعدما تم استنزاف قواه في سوريا، ولكن هل يستطيع ظريف تحجيم دور قاسم سليماني الذي صرح من سوريا مهددا البحرين بأنه سيقلب النظام ما لم تتراجع البحرين وتعيد الجنسية لآية الله عيسى قاسم، أعتقد أن جواد ظريف سيترك تحجيم دور قاسم سليماني من خلال الدور الروسي في سوريا الذي ينسق مع تركيا الآن ومع الولايات المتحدة.

 يحاول ظريف وروحاني تسويقهما لإيران كدولة إقليمية مسؤولة، بعد التغيرات الإقليمية والدولية، وبدأت إيران تخرج من حفرة وتدخل حفرة أخرى، من حلب إلى مهاباد، أي لم تعد إيران محصنة بوجه عواصف المنطقة، فمحطات مهاباد المتكررة كشفت عن حجم المأزق في العلاقة بين المركز والأطراف.

عودة العلاقات الروسية التركية، وتطبيع العلاقات السريعة التي لم يتوقعها احد، لكن الطرفين هما بحاجة إلى بعضهما، حيث يمكن أن تحدث انفراجه في الملف السوري فتضمن روسيا حكومة غير إسلامية، وفي نفس الوقت ضمان مصالحها في سوريا، كذلك تضمن تركيا عدم استخدام الأكراد كورقة ضد تركيا، وهناك تطورات مفاجئة بحسب وكالة رويترز بأن هناك مبادرة بين روسيا والولايات المتحدة بأن يتم ضرب جبهة النصرة مقابل أن تضمن روسيا وقف النظام الضربات الجوية حيث ذكر مدير السي أي إيه بأن التقدم في سوريا مرهون بالتعاون مع روسيا، رغم ذلك تبقى تضارب المواقف الروسية الأمريكية يبعدها عن هدفها الرئيسي.

عودة العلاقات الروسية التركية ما يعني أن تركيا تتخلى عن المنطقة العازلة مقابل ألا يحصل الأكراد على كيان سياسي بصلاحيات واسعة كالكيان الفيدرالي أو كيان سياسي مستقل، حيث أن تركيا كانت عقبة أمام روسيا في سوريا من خلال تدفق المقاتلين والسلاح عبر الحدود التركية إلى حلب وهو ما يفسر العمليات الإرهابية التي تعرض لها مطار أتاتورك بعد هذا التقارب، لأن الدولتين أقدمتا على استئناف التعاون بما في ذلك الحرب ضد الإرهاب، وكذلك روسيا كانت عقبة أمام تركيا في إنشاء كيان كردي، ما يجعل روسيا تمارس ضغطا على النظام، ولن تسمح لحزب الله والحرس الثوري الإيراني بالقتال في حلب، وهو ما يمثل سبب تهجم حسن نصر الله على روسيا، وفي نفس الوقت يمتدح المواقف الإيرانية.

 وأن الحزب يحصل على ميزانيته والسلاح من إيران وهو ما يمثل اتهام دولي لإيران بالتوقف عن دعم حزب الله أو ستخضع للعقوبات، بل هدد البيت الأبيض بالفعل إيران بأن الجهات المالية لن تتعامل مع إيران إذا واصلت دعم المليشيا اللبنانية، تقصد حزب الله، وذكرت بأن إيران تمول حزب الله من الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية وأفريقيا حيث أن موازنة حزب الله السرية تقارب مليار دولار، ونظامه المصرفي في صناديق كرتونية، حتى أصبحت هناك مخاوف إيرانية من تبعات تصريح حسن نصر الله.

وفي تطور نتيجة التقارب الروسي التركي أن دخلت شاحنات تحمل مساعدات طبية وغذائية بلدتين محاصرتين قرب دمشق، وحملت القافلة 38 شاحنة محملة بالمساعدات لنحو 20 ألف شخص أنهم يعيشون في بلدتي زملكا وعربين تسيطر عليهما الحكومة، وهي المرة الأولى التي تتمكن فيها منظمة الأمم المتحدة من إدخال قافلة مشتركة بين الأمم المتحدة والصليب الأحمر والهلال الأحمر السوري إلى هاتين البلدتين منذ نوفمبر 2012، ما يعني الوصول إلى كافة المناطق المحاصرة منذ بداية العام من قبل المنظمة، حيث يعيش نصف مليون سوري في 18 منطقة في أنحاء سوريا تحت الحصار من الأطراف المتحاربة في الصراع المستمر منذ خمسة أعوام بعد حدوث وفاة من الجوع في بلدة مضايا التي تحاصرها الحكومة في وقت سابق قبل أن يضغط المجتمع الدولي على النظام لدخول المساعدات.

كما أن كلينتون مرشحة لانتهاج سياسة هجومية ضد تمدد إيران الإقليمي لأنها لا تريد أن تخسر حليف مثل السعودية،  إذ أن كلينتون ستتبنى سياسة خارجية مختلفة جذريا عن سياسة سلفها أوباما، رغم أن كلينتون شخصيا تؤكد أنها لن تغير في هذه السياسة كثيرا، لكن مقاربتها ستختلف عن مقاربة أوباما القائلة بالتقارب مع إيران بأي ثمن.

وهناك دراسة قام بها مركز الأبحاث الأمنية الجديدة في الولايات المتحدة التي تقدم مقاربة جديدة حول الأزمة السورية من حيث بناء مجموعات معارضة متماسكة من الأسفل إلى الأعلى، مع توسيع العمليات العسكرية للقوات الأمريكية، وزيادة الضغط على الدول الأخرى المعنية بالأزمة السورية، وإعادة خلق حكومات محلية كمقدمة للتفاوض حول تسوية نهائية سياسية.

الدراسة هي حصيلة ستة أشهر من النقاشات لمجموعة من 35 شخصية من كبار السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين الأمريكيين، وفي الدراسة الجديدة عودة إلى الحديث عن الاستعانة بالقوة العسكرية الأمريكية، ودعوة لتسلح المعارضة، ولتوجيه ضربات لقوات الأسد، ولإقامة أحزمة من أجل منع قصف جوي يقوم به النظام.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق