سورية على وقع الاندفاعة الروسية والمقاربة الأمريكية

ليس فقط العرب المتضجرين من أداء واشنطن وموسكو بل حتى الاتحاد الأوربي ممتعض خصوصا بعدما ضرب الإرهاب أوربا وخصوصا مقره بروكسل، وبدأت الهجرات تحاصر الاتحاد الأوربي، وبسبب الهجرات بدأ الاتحاد الأوربي يعيد النظر في حلم الوحدة الأوربية، حتى أن رئيس بلدية لندن السابق الذي يطمح أن يخلف كاميرون على رأس الحكومة قارن سياسات الاتحاد الأوربي بطموحات هتلر مما أثارت موجة استنكار واسعة خصوصا من رئيس المجلس الأوربي دونالد توسك الذي اعتبره تخطى الحدود بإشارته إلى هتلر عند الحديث عن الاتحاد الأوربي وه والذي يقود حملة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي.

الغريب أن تستمع إلى شكوى جيمس كلابر مدير الاستخبارات الأمريكية لأقرانه عندما يقول إنني مسن للتعامل مع مثل هذا الهراء والذي عمل في مجال الاستخبارات لمدة 53 عاما منذ 1963 عندما التحق بالقوات الجوية، رغم ذلك هو يؤيد وجهة نظر الرئيس أوباما بأن الولايات المتحدة لا يمكنها إصلاح مشاكل الشرق الأوسط من جانب واحد، أي تعاون أجهزة الاستخبارات في مواجهة الإرهاب.

بالطبع هي نظرة قاصرة إذا كانت جدية، أو يتخذها أوباما ذريعة خصوصا عندما أقر أوباما في سبتمبر 2014 بأن الولايات المتحدة قد استهانت بتنظيم داعش الإرهابي، وهدف الولايات المتحدة فقط الحط من قدرات المتطرفين تدريجيا لكنها لن تقوم باختراق معاقل المتطرفين من داعش، ما يعني أن المنطقة تواجه صراعا طويل الأمد الذي من شأنه أن يستمر لعقود.

بهذا يمكن أن نتساءل ماذا تريد الولايات المتحدة من المنطقة حتى ترفض تحقيق العملية السياسية في سوريا، كذلك ماذا تريد موسكو من المنطقة وجيوستراتيجيا لن تقبل الولايات المتحدة والغرب عموما ببقاء موسكو في سوريا، باعتبارها منطقة تقع في المجال الحيوي للغرب، ولن تتخلى الولايات المتحدة عن منطقة الخليج ولا العراق لا لإيران ولا لروسيا والصين، باعتبارها مركز ثقل وخزان نفطي، وما يدور بأن الولايات المتحدة حققت اكتفاء ذاتيا من النفط بعد التوصل إلى تقنية التكسير الهيدروليكي مجرد تصريحات دبلوماسية تخفي الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة المتمثلة في ردع روسيا ومحاصرة الصين ومحاولة إصلاح النظام في إيران مع فرض واقع جديد في أوربا عبر المشاركة الفاعلة، حيث طلبت واشنطن من أعضاء جلف الأطلسي من الأوربيين بنشر طائرات مراقبة جوية أواكس لدعم الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية لكن رفضت الدول الأوربية المشاركة بشكل مباشر لكنها تقبل التحالف في مهمات أخرى كجمع المعلومات فوق مناطق يسيطر عليها التنظيم المتطرف لأن أعضاء الحلف الأطلسي من الأوربيين يخشون التورط بشكل كبير في الحرب الدامية على تنظيم داعش.

من جهة أخرى هناك خلافات بين موسكو وواشنطن حول الدرع الصاروخية تهدد الأمن الدولي، فيما تدعي الولايات المتحدة بأن الدرع الصاروخي لحماية أوربا من الصواريخ، وبوتين يؤكد أنها تستهدف روسيا، بل حاولت أمريكا احتواء روسيا الغاضبة عندما اقترح الجنرال بن هوجز قائد القوات الأمريكية في أوربا على روسيا دعوة مراقبين من حلف الشمال الأطلسي ( الناتو ) إلى المناورات العسكرية التي تجريها القوات الروسية مثلما يدعو الناتو مراقبين روس عندما يقوم بمناورات عسكرية، كخطوة من شانها أن تخفف من حدة التوتر بين الجانبين خصوصا بعد التوتر الذي ساد بين الجانبين بعد نصب منظومة من الدرع الصاروخية الأميركية على الأراضي الرومانية.

 وستكون المرحلة التالية بافتتاح قاعدة جديدة في بولندا عام 2018، ويرفض بوتين هدف إنشاء هذه القاعدة حماية القارة العجوز، وقال بوتين إنها ليست حماية بل تعزيز للقدرات النووية، واعتبر بوتين أنه إذا كان الإعلام الأمريكي يضلل الرأي العام لكنه لن يضلل روسيا، واعتبر تلك الإجراءات جزء من القدرة النووية الأميركية تم نقله إلى منطقة الطوق في أوربا الشرقية، وهي بمثابة ضربة ثانية توجهها الولايات المتحدة ضمن محاولات إحداث خلل في موازين القوى الاستراتيجية، وهو انتهاك معاهدة تدمير الصواريخ متوسطة وقريبة المدى، وضربة إضافية لمنظومة الأمن العالمي.

 لكن يؤكد بوتين بأن روسيا ستتخذ كل ما هو ضروري لضمان الحفاظ على التوازن الاستراتيجي للقوى الذي يشكل ضمانة لعدم نشوب نزاعات مسلحة واسعة أكثر خطورة بكثير من تلك التي يشهدها العالم حاليا، وستعمل على إعادة تسليح الجيش الروسي بالشكل الذي يتناسب مع التهديدات الجديدة، لكن دون الانجرار إلى سباق تسلح.

وفي نفس السياق تحاول الولايات المتحدة تطويق الصين بواسطة الدول المحيطة بها وفي المحيط الهادي، حيث تتهم بكين الفلبين بمخالفة الاتفاقيات السابقة في قضية بحر الصين الجنوبي، وترى بكين أنها أكبر ضحية في قضية بحر الصين الجنوبي بعدما ظلت تضبط النفس بقدر كبير على المدى الطويل تجاه الإجراءات والمساعي غير الشرعية من قبل الدول المعنية، ولم تستخدم القوة العسكرية لاستعادة الجزر والشعاب البحرية المحتلة، بل سعت إلى حل النزاعات عن طريق المفاوضات والمشاورات، وحظيت برد إيجابي من دول الآسيان عام 2002 وقعت الصين ودول الآسيان بما فيها الفلبين ومن بين 14 دولة استطاعت الصين تسوية النزاعات مع 12 دولة بشكل سلمي من خلال المشاورات والمفاوضات الودية، كذلك تم رسم الحدود البحرية في الخليج الشمالي بين الصين وفيتنام.

فمنذ العام 2011 يعلق السوريون آمالهم على أي اجتماع دولي عساه أن يحمل إليهم اتفاقا جديدا يمدد التفاهمات الهشة على وقف إطلاق النار أو يعيد إطلاق عجلة العملية السياسية المتوقفة نتيجة الاندفاعات الروسية في الميدان مقابل الصمت والتخبط الأمريكي في التعاطي مع الملف السوري، لكنه يحقق تقدما في نصب الدرع الصاروخي في أوربا الشرقية، ما يجعل روسيا تتعنت في سوريا، وتتمسك بموقفها من أجل الضغط على أمريكا في سحب قواعدها من أوربا الشرقية، ولكن مثل هذا لن يحدث.

كل الآمال الموجهة نحو المجموعة الدولية لدعم سوريا لن تحقق نتيجة ما دامت موسكو وواشنطن غير متوافقان نتيجة مواصلة واشنطن في مواجهة روسيا في أوربا الشرقية، ما جعل المعارضة السورية تنعي العملية السلمية وتؤكد أن الكلمة باتت للميدان بعدما عززت محادثات فيينا الانقسام الدولي حول الحل السوري ومصير الأسد، وفي نفس الوقت يستعد التحالف الروسي الإيراني لخوض معركة الغوطة الشرقية مع تكثيف الغارات على حلب التي تزامنت مع اجتماع أصدقاء سوريا بعد زيادة الحشود من الحرس الثوري بزيادة 11 ألف جندي، قفزت في مجملها إلى أكثر من 80 ألفا من الحرس الثوري والجيش النظامي والتكوينات الأخرى من المرتزقة التي تدربهم.

وبدأ النظام السوري يستخدم صواريخ فيل ذات القدرة التدميرية الكبيرة في قصفه للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، بعد أن كان يقصفها بصواريخ سكود والقنابل الفراغية والبراميل المتفجرة، في ظل تصميم إيراني روسي على احتلال حلب.

لكن ما يقلق روسيا وإيران أن دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة السعودية التي تتمتع بنقطة الاستقرار في منطقة تموج بالصراعات الدامية تنسق مع واشنطن لتنفيذ اتفاقية كامب ديفيد الخليجي من أجل مشروع الدرع الدفاعية، ونشر الدوريات البحرية في مياه الخليج.

وبدأت روسيا تتحايل على دول الخليج حتى لا تخسر مصالحها معه خصوصا عندما يصرح لافروف بأن روسيا ليست حليفة للأسد، بل تريد وحدة الجيش السوري، وتحاول فصل الجيش السوري الحر عن بقية الجبهات، خصوصا بعدما فشلت في وضع جيش الإسلام وأحرار الشام على قائمة الإرهاب في مجلس الأمن، كما رفضت أمريكا مشاركة روسيا في ضرب جبهة النصرة، بعدما فشلت روسيا في تفريغ محتوى جنيف1 من مضمونه لأنها لا تريد هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، بل يريدون حكومة وحدة وطنية تقدم أوراق اعتمادها إلى بشار الأسد.

هناك محاولات تحالف أوربي خليجي لمواجهة مثل تلك التحديات ليس الهدف الدخول في مواجهة، بل في محاولة إقناع روسيا والولايات المتحدة ستساعدان في تحديد المسؤول عن انتهاكات وقف إطلاق النار في سوريا، وإعطاء الأمم المتحدة الضوء الأخضر في استئناف الجولة المقبلة من مباحثات السلام في أسرع وقت ممكن، وتم تحديد هدف مع بداية يونيو 2016 إن أمكن، لكن يحاول التحالف الخليجي الأوربي أن يقنع الولايات المتحدة بالتوقف عن فرض نص مفرط في التفاؤل تنفيذه غير ممكن، ما يعتبر ضغط أوربي خليجي على الولايات المتحدة لوقف الصراع البيني على حساب العملية السياسية في سوريا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق