سلطنة عُمان، روحاني على خطى أسلافه

قد يتفاجأ المتابع للشأن الإيراني من زيارة الرئيس حسن روحاني لسلطنة عُمان في الأيام الماضية، وربما يتبادر للأذهان يا ترى ما هو سر هذه الزيارة لدولة صغيرة الحجم، والفعل؟ لكن المتابع للشأن الإيراني يعرف خفايا هذه العلاقة التاريخية بين البلدين، والخدمات التي قدمتها إيران قبل الثورة، وخاصة في زمن القاجارية مروراً بالعهد البهلوي، حيث يتيقن المرء أن سلطان قابوس لم يتمكن بعد أن يتجاوز هذا الجميل الذي قدمه الفرس لأجداده في تلك المرحلة من تاريخ السلطنة، وخاصة في واقعة ظفار التي لولا قوات الشاه في تلك الآونة لكان الوضع اليوم يختلف كلياً على ما نحن عليه، لكن، كما يقال الخير فيما وقع.

جاءت زيارة حسن روحاني لسلطنة عمان في ظل الخلاف (أو بالأحرى العتب الأخوي) الذي حصل مؤخراً بين الاشقاء الخليجيين عندما طالب الأشقاء في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين أشقائهم في دولة قطر أن يأخذوا في الحسبان المصلحة العليا لأبناء الخليج العربي، مما أوصل الأمر بالدول الثلاث إلى أن تسحب سفراءها من الدوحة احتاجاً على سياسات قطر الخارجية، ودعمها للمجموعات الإسلامية المتطرفة في الفكر، والمنطق، ولاسيما نظرتها الدونية للمجتمع العربي العصري.

هذه الزيارة من الممكن قراءتها في الأطر التالية:

أولاً: تعتمد السياسة الخارجية الإيرانية دائماً على تأجيج الخلاف بين الدول العربية، والاستفادة من نتائج هذه الخلافات لصالحها، والأمثلة في هذا الإطار كثيرة جداً، بدءاً بالخلاف الذي حصل بين الشقيقتين الحكومة العراقية من جهة والحكومة السورية من جهة ثانية، وذلك عندما استثمر هذا الخلاف الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني لربط دمشق بالمشروع الفارسي. وأخيراً وليس آخراً محاولة الرئيس حسن روحاني في الأيام الماضية عندما ذهب لسلطنة عُمان للتأكيد على هذا المنهج والأسلوب المعتمد من قبل الجمهورية الإسلامية منذ انتصارها عام 1979 وإلى يومنا هذا، وذلك لتعميق الشرخ الذي حصل مؤخراً في البيت الخليجي.

ثانياً: حاجة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لبوابة لها لتمرير مشروعها السياسي الرامي للسيطرة على الخليج العربي بعد ما تحولت بلاد الشام من أهم الرافضين للوجود الإيراني، مما تطلب هذا الأمر أن تبحث إيران عن بوابة لها على غرار بوابة دمشق في السنوات الماضية، ليتمكن فيلق القدس الجناح الخارجي للحرس الثوري من تمرير سياسات إيران التوسعية في الخليج العربي بوجه خاص، والعالم العربي بوجه عام، لذا لو تمكنت إيران من فتح هذه البوابة (بوابة مسقط) على الطريقة الدمشقية (الأسدية) لتمرير سياساتها الموجه للعالم العربي، فمن الممكن القول، طاب النوم يا عرب.

أهداف طهران من وراء زيارة مسقط:

سياسياً: في ظل التوجه العام للشارع العربي الرافض لسياسات طهران المتناقضة، فإن إيران بحاجة ماسة لفتح قنوات جديدة لتمرير مشروعها الذي توقف منذ موجة التغيير العربي التي ضربت مجالها السياسي في بلاد الشام، وللطبيعة السرية لهذا المشروع السياسي الطائفي الذي يتم تنفيذه بواسطة فيلق القدس (الجناح الخارجي) التابع للحرس الثوري، فإيران بحاجة ماسة إلى بوابة على غرار بوابة دمشق.

لكن هل تتمكن إيران والحرس الثوري من تحويل مسقط إلى بوابة لتمرير سياساتها؟ بدون أدنى شك، أن هذا الأمر صعب للغاية، لأن دول الخليج العربي الست التي هي الأكثر نمواً من جانب، والمستقرة سياسياً من جانب أخر بين المنظومة العربية، تعتبر هذه الدول العائق الأساسي للمشروع الفارسي في منطقة الخليج العربي، وذلك بسبب السياسات المحكمة التي اعتمدتها دول الخليج العربي في المجالات كافة منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

 هذه الطفرة الكبيرة في التطور والعمران والثراء التي تشهدها هذه البلاد، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية تعرقل استكمال هذا المشروع الفارسي السياسي الطائفي، لذا في ظل الحس الوطني الخليجي العربي المتصاعد، فمن الصعب بمكان تَصوُّر أن تتمكن إيران من تمرير مشروعها السياسي الطائفي في الخليج العربي الذي يعتبر الركيزة الأساسية للأمن القومي العربي. ومن المؤكد، عندما يقَّيم المواطن الخليجي الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بلاده مقارنة بالحالة الإيرانية السيئة التي أوصلت المواطن الإيراني إلى درجة لا تحمد عقباها، فإنه بالتأكيد، (المواطن الخليجي) يفضل سياسات بلاده على أي نموذج إيراني.

إن الوضع الاقتصادي الخليجي المميز بات يشكل تحدياً واضحاً للدولة الإيرانية، ونظام الحاكم (الإسلامي – الشيعي) في طهران، بحيث رغبة المواطن في إيران شديدة جداً أن يجد له مأوى في إحدى الدول الخليجية، ودولة الإمارات العربية المتحدة خير دليل لكثرة الإيرانيين الباحثين عن لقمة العيش التي توفرها لهم الحكومة الإمارتية الموقرة، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي فشلت بعد ثلاثة عقود من عمرها في تطبيق أهداف ثورة الشعوب عام 1979 (الحرية والعيش الكريم)، والتي أوصلت القادة الإسلاميين في طهران لسدة الحكم، ترى من مصلحتها العليا أن لا يستمر الاستقرار السياسي والتطور الاقتصادي المستمر في المنظومة الخليجية، وهذا توجه استراتيجي قديم ومستقبلي للمطبخ السياسي الفارسي في طهران، لذا يجب فهم هذا التوجه من قبل الحكومات الخليجية.

إن ذهاب الرئيس حسن روحاني في هذا الظرف الذي يمر به البيت الخليجي هو دليل قاطع على رغبة إيران في ترسيخ وتعميق الخلاف الذي حصل مؤخراً في الصف العربي الخليجي من جهة، وقد تكون زيارة روحاني لسلطنة عمان هي رسالة مبطنة لدولة الإمارات ومصر معاً، وذلك بسبب المناورات العسكرية التي حصلت في الأيام الماضية بين الشقيقتين مصر العروبة وإمارات الخير من جهة ثانية.

اقتصادياً: لا شك أن الحصار الاقتصادي الذي فرضته القوى الغربية على إيران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل ذات الأبعاد العسكرية، أنهك النظام الجمهوري الإسلامي في طهران، وأوصله إلى أن يوزع البيض والخبز على المواطنين في العاصمة طهران، والمدن الرئيسة، هذا الوضع المأساوي يتطلب من روحاني -الذي أخذ على عاتقه محاربة الفساد الإداري، والاقتصادي لرجال النظام- أن يؤمِّن النقص الحاد في السلع والحاجات الأولية للمواطنين من جراء سياسات سلفه أحمدي نجاد.

 إن زيارة روحاني التي استمرت يومين لسلطنة عُمان، تكللت بعدة اتفاقيات اقتصادية وسياسية في غاية من الأهمية بالنسبة لإيران، ويقيناً أن الحرس الثوري عرّاب هذه الاتفاقيات التي أبرمتها إيران مع سلطنة عُمان، وتحتّم الضرورة على المجلس التعاون الخليجي أن يأخذ بعين الاعتبار هذه الاتفاقيات (السياسية)، والتي بدون أدنى شك سوف تستثمرها إيران لمد خلاياها بالعتاد والسلاح، وذلك من خلال سيطرتها على الموانئ، وهذه الاتفاقيات (السياسية) كالتالي:

اولاً: تستثمر إيران في موانئ السلطنة منها: ميناء الدقم وميناء صحار وميناء صلالة، ويصل هذا الاستثمار إلى 6 مليار دولار، هذا الاستثمار الإيراني سوف يسهل نقل البضائع من وإلى إيران، وعندها تصبح عملية مد الخلايا الإيرانية بالسلاح والعتاد في منطقة الخليج العربي واليمن من هذه الموانئ سهلة جداً بالنسبة للحرس الثوري الإيراني.

ثانياً: إنشاء شركة لصناعة الحديد في سلطنة عُمان.

ثالثاً: إنشاء جسر بري بين إيران وسلطنة عُمان عبر مضيق باب السلام (هرمز).

رابعاً: العمل على إتمام الاتفاقية التي أبرمت في عام 2009، لمدّ أنابيب الغاز من إيران للسلطنة.

وفي النتيجة، جاءت هذه الزيارة للرئيس الإيراني حسن روحاني لرد الجميل لسلطان عُمان أولاً. وثانياً، أن يكون الوجود الإيراني في خاصرة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة واليمن، وضرورة البحث عن بوابة جديدة على غرار بوابة دمشق للحرس الثوري والنظام في طهران ليستمر في إتمام الأهداف المرسومة منذ عقود، ألا وهي السيطرة على المنطقة العربية والعالم الإسلامي. ثالثاً، كما جاء التأكيد على نوايا إيران وأهدافها المستقبلية على لسان قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في الأسابيع الماضية في محافظة “كرمانشاه” في غرب إيران أمام حشد كبير من قادة الحرس الثوري عندما قال: “إن الجمهورية الإسلامية هي الوحيدة القادرة على قيادة العالم الإسلامي”، وأردف قائلاً، “إن مصر وتركيا والمملكة العربية السعودية أرادوا أن يقودا العالم الإسلامي لكنهم لم يفلحوا في ذلك، لأن إيران هي الوحيدة التي لديها القدرة على فعل ذلك الأمر”.

جمال عبيدي

رئيس مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث- لندن

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق