سقوط الرمادي: وجود تكتيكي للولايات المتحدة في العراق

منذ أن دعمت الولايات المتحدة الثورة الخمينية، ولم تدعم الجماعات اليسارية، التي يمكن أن تتحالف مع روسيا، تمكنها من الوصول إلى المياه الدافئة في الخليج العربي، ومن الغريب حاولت الولايات المتحدة في نفس الوقت إقناع الرئيس البكر بمواجهة مشروع الثورة الخمينية التي دعمتها بعدما طالبت الثورة الخمينية أهل العراق القيام  بثورة مماثلة، والانضمام للثورة الخمينية، لكن لم تجد الولايات المتحدة عند البكر قبولا بمواجهة الثورة الخمينية، لأنه كان رجلا عسكريا، ويعرف الآثار التي يمكن أن تنعكس على العراق نتيجة مجابهة دولة كبرى مثل إيران، وأن الحرب لا منتصر فيها، خصوصا وأن العراق مقبل على نهضة صناعية وتعليمية لا يود وقفها.

وعرضت واشنطن على نائبه صدام ما عرضته على البكر، ووجدت فيه البضاعة الرائجة، فدعمت انقلابه على البكر بعد الثورة الخمينية بأربعة أشهر، وبدأت مرحلة المواجهة مع إيران التي تريدها الولايات المتحدة لمدة ثمان سنوات أكلت الأخضر والأبيض ودمرت الجيشين الإيراني والعراقي وأوقفت النهضة العراقية.

كرر صدام حسين نفس الخطأ ونفس التجربة مع الكويت، ولم يأخذ العبرة من نوايا المواقف الأمريكية، التي أعطته الضوء الأخضر لاحتلال الكويت تلميحا لا تصريحا، وقادت تشكيل التحالف العالمي لإخراج صدام حسين من الكويت، وامتصت الفوائض الخليجية التي أنفقت على هذه الحرب العبثية.

وبعد أحداث 11 سبتمبر اعتمدت الولايات المتحدة على إيران هذه المرة في غزو أفغانستان والعراق باعتراف أحد المسؤولين الإيرانيين عام 2003 في مؤتمر في الدوحة عندما قال لولا إيران لما تمكنت الولايات المتحدة من غزو البلدين.

الولايات المتحدة ليست صديقة لأحد، وأكبر مثال على ذلك أنها كانت تقدم استشارات لكلا البلدين أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، من أجل تدمير قوة البلدين، وأنهت قوة العراق بعد غزوه، وهي تريد الآن استنزاف قوة إيران في العراق وفي سوريا وفي بقية المنطقة، وهو ما يؤكده قائد الجيش الأميركي مارتن ديمبسي من تحذير إيران التي قد تستغل تخفيف العقوبات للإنفاق العسكري، وصوت مجلس الأمن بالإجماع على إبقاء لجنة الخبراء التي تراقب الحظر على طهران.

يعترف موشيه يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي بأن حزب الله خسر أكثر من ألف عنصر، وأكثر من خمسة أضعاف هذا العدد مصابين، ويطالب مارتن ديمبسي زيادة الأسلحة نوعا وكما كهدية وداع لتثبيت معادلة التفوق الإسرائيلي على خصوم تل أبيب مجتمعين حتى بعد نجاح الولايات المتحدة في إشعال حرب عربية-إيرانية ومذهبية وعرقية حولت المنطقة إلى حرب الجميع يحارب الجميع.

 إسرائيل متوجسة من صعود السعودية ودولة الإمارات اللتين قادتا عاصفة الحزم، ومتوجسة من عودة الاستقرار إلى دولة مصر، لأن إسرائيل رغم ما تمر به المنطقة هي قلقة من الواقع الإستراتيجي في المنطقة، إذ ترى أن التهديد التقليدي تقلص، ولكن تهديد الصواريخ والإرهاب كبير، خصوصا وأن هناك سعي نحو التسلح النووي، والخطر الأكبر الذي يمكن أن يتم استخدامه اليوم هو نزع الشرعية عن إسرائيل، وتعتبر إسرائيل أن طريق غزة الوحيد إلى العالم، لذلك هي لن تقبل بقيام الدولة الفلسطينية.

انقضى العام الأول على سقوط الموصل، ولم يتم بناء جيش عراقي وطني قادر على خوض المعركة ضد الإرهابيين، والتحالف الذي تشكل لمحاربة داعش بقيادة الولايات المتحدة يتفكك، والعراق أيضا يتفكك، خصوصا وأن المسؤولين عن القرار الأول في العراق غير مؤمنين بموضوع المصالحة الوطنية، بعد أن أصبحت سياسة العبادي لا تختلف عن سلفه المالكي في تهميش السنة والأكراد بعد ضغوط شديدة مورست تجاهه من قبل أتباع إيران التي لم تسمح له بإقامة علاقات مع دول عربية مهمة مثل السعودية، وفشل الرئيس معصوم في تنفيذ مشروع المصالحة الوطنية وسط استمرار الخلافات والشكوك بين الشيعة والسنة والأكراد.

ولا يزال المالكي حاضرا في المشهد العراقي، يخلط الأوراق في ذكرى سقوط الموصل، ويتهم أطرافا سنية باستهداف التجربة الشيعية، وكأنها تجربة ناجحة، وحتى العبادي بدلا من تمرير قانون الحرس الوطني إرضاء لإيران وأتباعها من الحشد الشعبي، فإنه يصر على الحشد الشعبي ويعتبر الدولة استمرارا لسياسات المالكي التابعة لإيران.

أثار إقرار الرئيس أوباما بأنه لا يملك استراتيجية كاملة لمحاربة داعش موجة انتقادات واسعة، لكن يجب ألا نستغرب من مثل ذلك التصريح وهو تصريح يقع ضمن استراتيجية أمريكا المتعمدة، من أجل تحقيق استراتيجية أمريكية معدلة على أنقاض الموت والدمار، ونجد عشائر الرمادي يستقبلون قرار أوباما بعد سقوط الرمادي في يد داعش وهروب القوات العراقية بإرسال المدربين بينما هم يطالبون أوباما بالتسلح.

أعلن قائد عمليات الأنبار تأخير معركة الرمادي تنفيذاً لأجندات خارجية، بعدما أعلن هادي العامري رئيس الحشد الشعبي تأجيل معركة الأنبار نيابة عن العبادي، ويعتبره البعض الرئيس الحقيقي للعراق، ويمتلك الحشد الشعبي ما لا يمتلكه الجيش من العتاد العسكري، ويصرف لأفراده رواتبا، بينما تم قطع الرواتب عن الشرطة في الأنبار، ومنع عنهم السلاح وحتى المساعدات التي وصلت العراق من أمريكا ومن الدول العربية لمساعدتهم لم يتم تسليمها لهم.

 صرح الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة عن عزم واشنطن إقامة قواعد عسكرية أخرى في العراق على غرار قاعدة الأنبار التقدم التي سوف تؤوي 450 من العسكريين الإضافيين الذين وافق أوباما على إرسالهم إلى العراق إلى جانب ثلاثة آلاف عسكري موجودين منذ رحيل القوات الأمريكية.

استخدمت داعش ورقة لتعديل استراتيجية أوباما، الذي واجه انتقادات متزايدة في داخل أمريكا بعدما أمر بسحب القوات الأمريكية عام 2011، التي تواجدت من أجل تنفيذ استراتيجية أمريكية من أجل الانتشار في مناطق الشرق الأوسط، وهو الآن يستعيد هذا التواجد عبر إنشاء قواعد جديدة في العراق.

إذاً، سقوط الرمادي، وتأجيل معركة الأنبار، هي ضمن الصراع القائم ما بين إيران والولايات المتحدة، فهل تتعايش إيران مع الوجود الأمريكي في العراق؟

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق