سرّ الضجة الإيرانية

ما أن أعلنت المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، بأنها تملك كامل الاستعداد للمشاركة بقوات بريّة في سوريا لمحاربة داعش، حتى جنّ جنون الدولة الإيرانية التي اعتبرت الأمر تهديدا لها ومواجهة مباشرة معها، وجنّ جنونها أكثر بإعلان الإمارات العربية والبحرين وعدد من دول تحالف الحزم العربي عدم ممانعتهم في إنزال قواتهم البرية على الأرض السورية لذات الغرض.

وبالرغم من أن الموافقة بمشاركة برية جاءت تصريحاتها واضحة بأن الغرض منها هو قتال تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن انزعاج إيران أثار الكثير من التساؤلات، فهل قصدت بتلك الموجة الانفعالية من التصريحات، أن تقوم بدور المدافع عن تنظيم داعش والحامي له؟ أم أنها تملك قوات من حرسها الجمهوري تقاتل في الخفاء إلى جانب داعش؟؟ ولماذا اعتبرت الأمر موجهاً لها دون غيرها من الأطراف الأخرى التي تخوض الحرب في ميادين القتال السورية؟؟

إيران في حقيقة الأمر، ورغم صوتها الإعلامي التهديدي والانفعالي العالي، إلا أنها تعودت على الخوف من المواجهة المباشرة، فقد دخلت مع العرب في حروب عديدة منذ أن انطفأت نار كسرى، ولكنها لم تخرج بنصر في أية معركة من تلك المعارك، ولذلك اعتمدت في حروبها ضد العرب على المواجهة عن طريق الوكلاء الذين تقوم بزراعتهم في المجتمعات العربية ودعمهم بالتدريب والمال والتسليح، ولكن وكلاءها في المنطقة لم يتمكنوا حتى هذه اللحظة من تحقيق انتصار واضح لها، وقد تكون تجربة العراق هي التجربة الوحيدة التي كادت أن تلاقي فيها النجاح وتفك عبرها عقدة المواجهة مع العرب، غير أن الموازين انقلبت عليها، فرغم العدد الكبير من المسؤولين والحشود العراقية التي تمكنت من شراء ولائها، إلا أن هناك قوى أخرى موازية منها القوى السنية والأكراد وغيرهم من مكونات الشعب العراقي غير الشيعية، مازالت تقف في وجه المشروع الطائفي وتحاربه بشدة، ولذلك بدأ النفوذ الإيراني في العراق أقل تأثيرا من الفترة السابقة.

أما في لبنان، وبرغم تمكّن حزب الله من تشكيل قوته العسكرية، إلا أنه لم يتمكن من الاستحواذ على الدولة اللبنانية واكتفى بالمناطق الجنوبية المحاذية لإسرائيل التي يعاديها في الظاهر وتدعمه في الباطن، وقد وقفت العديد من القوى السياسية ضدّ محاولاته ربط البلاد بإيران، ويكفي أنه لم يتمكن حتى اللحظة من فرض هيمنته على سلطة الدولة.

ويرى الملالي بأن دخول الجيوش البرية العربية إلى سوريا سيضع إيران في مواجهة مباشرة معها، فإيران تؤيّد الرئيس الأسد وتقاتل معه بجيشها، والدول العربية لم تخف امتعاضها من جرائم الأسد ووقوفها إلى جانب المعارضة السورية المعتدلة التي تريد أن تبعد شبح الإرهاب عن الأرض السورية والمنطقة، وإيران تخشى في قرارة نفسها من قتال العرب، ومن أن القتال سيكشف مدى ضعفها في التسليح والقتال البرّي، فجثث قادتها الآن تفد إلى طهران يومياً بالرغم من أنها تواجه عصابات لا خبرة لها بقتال الجيوش المنظمة، فكيف ستكون الصورة حال دخول القوات العربية المنظمة ذات المعرفة بالتكتيكات القتالية وإدارة المعارك.

الدول العربية لم تتجه نحو هذا التفكير الإيراني العقيم، وأعلنت بوضوح أن الهدف الأساسي هو داعش، ولكن إيران تدرك أيضاً بأن طرد داعش من سوريا سيفقدها ويفقد معها حليفها الروسي وكافة التنظيمات التي تقاتل إلى جانبهما، أية ذريعة للبقاء في سوريا، وتدرك في ذات الوقت أن دخول القوات العربية إلى الأراضي السورية كفيل بدحر تنظيم داعش الإرهابي.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق