سباق تسلح في منطقة الشرق الأوسط يفرض نفسه على السعودية كقوة خليجية نووية

بعد التقارب الأميركي الإيراني بشأن الملف النووي، فهمت السعودية الرسالة، واستثمرت كافة مقوماتها المكانية والإسلامية والعربية والاقتصادية والعسكرية، في القيام بعاصفة الحزم، لإيقاف تمدد المشروع الفارسي، خصوصا بعد انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة، ويعترف بذلك تقرير أمريكي نشر في نيويورك تايمز عندما ذكر بأن انسحاب القوات الأمريكية من العراق خلف فراغا واضحا.

هذا الفراغ ترك المنطقة للمليشيات المدعومة من إيران، خصوصا منظمة بدر التي يرأسها هادي العامري وتأتمر بأوامر إيران، وهي ذات قدرات عالية من التسليح إذ كل المساعدات الأمريكية ذهبت لها زمن نوري المالكي وهي لا تأتمر بأوامر الحكومة العراقية، مثل المليشيات المدعومة من المرجع الشيعي العراقي السيستاني التابعة للحكيم ولمقتدى الصدر وهي تأتمر بأوامر الحكومة ولكنها ضعيفة التسليح، من أجل محاربة المليشيات السنية التي تشكلت نتيجة السياسات الطائفية التي مارسها المالكي وحاول ممارسة تهجير سني من الجنوب والوسط ومارس ضغوط على العشائر السنية التي انتفضت ضده كانت بمثابة الحاضنة التي نشأت فيها داعش مستفيدة من الحديقة المجاورة في سوريا بالإضافة إلى بقية المليشيات التي تشكلت لمحاربة النظام السوري الذي يقتل شعبه بالبراميل المتفجرة مثل جبهة النصرة والفتح وغيرها يمكن أن تتحول المنطقة إلى أمراء حرب طائفيين يصعب السيطرة عليهم.

ستقدم إيران تنازلات حتى تحاول إنقاذ أوباما، الذي يواجه موعدا محددا لاختتام المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة مع إيران، رغم اعتراضات أوباما، اتخذ مجلس الشيوخ الأمريكي خطوة غير معتادة متمثلة في إصدار مشروع قانون يمكنه منح المجلس 60 يوما لمراجعة محتويات أي صفقة نووية مع إيران، ما يجعل إيران تخاطر بتقديم التنازلات الضرورية التي تحميها من اعتراض مجلس الشيوخ عليها من أجل تأمين التقارب مع الولايات المتحدة وقد تنقضها بعد نهاية فترة أوباما.

نتيجة تلك الاتفاقية قادت السعودية عاصفة الحزم التي غيرت العديد من المعطيات في المنطقة التي تهدد النفوذ الإيراني ووكلائها في المنطقة، كما استثمرت أيضا الهزيمة التي تعرض لها أوباما في 12/6/2015 ليس فقط من الجمهوريين بل أيضا من الديمقراطيين برئاسة نانسي بيلوسي زعيمة الديمقراطيين ضد جدول أعماله الخاص بالتجارة العالمية.

هي أول هزيمة يتلقاها أوباما من مجلس الشيوخ، رغم أن هناك فرصة ثانية، وهو بحاجة ماسة لوقف ثمن هذا الفشل بالنسبة له وللولايات المتحدة، ما يجعل الولايات المتحدة تجد نفسها من دون استراتيجية اقتصادية عالمية في عالم سريع التغير.

وحتى لا تقتل آفاق اختتام الصفقة التجارية لمنطقة المحيط الهادئ التي يعمل عليها أوباما منذ ثلاث سنوات، وتغطي مجموعة الأعضاء ال 12 بما يقارب 40 في المائة من الاقتصاد العالمي، ومن شأنه أن يعطل وقف التقدم الحاصل في المحادثات الموازية عبر الأطلسي التي تغطي نصف الاقتصاد العالمي تقريبا.

حجة أوباما أن تلك الصفقات سترغم الصين على الالتزام بالقواعد العالمية للتجارة والاستثمار، خصوصا بعدما تجاهل حلفاء للولايات المتحدة عندما انضموا إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي تقوده الصين، أي أن هناك مخاوف كبيرة من وصول الحوت الصيني إلى المياه العالمية.

الدبلوماسية السعودية الجديدة تبحث عن نقاط التقاء تركز عليها في إقامة علاقة استراتيجية مع موسكو، لا يعني تلك العلاقة التخلي عن الحليف الاستراتيجي للسعودية ولدول الخليج الولايات المتحدة، بل هي ضمن إقامة علاقات متعددة، كما تدرك السعودية أن إقامة علاقة مع موسكو لا يعني تخلي موسكو عن الحلف الاستراتيجي مع طهران، لكن هي إقامة علاقة متوازنة تلعب على المصالح، وتترك المصالح هي التي تحدد حجم تلك العلاقة.

بشكل خاص بعدما التقت المصالح بين البلدين عندما استبعد الغرب موسكو من القمة الصناعية التي كانت مضمومة لها في قمة الثماني حتى أصبحت قمة السبع بعدما تم استبعاد موسكو، بالإضافة إلى العقوبات التي يفرضها الغرب على موسكو بسبب أزمة أوكرانيا، وهي أزمة لا دخل للسعودية في الانضمام إليها، رغم أن موسكو تعلن تأييدها بقاء نظام الأسد، لكن على أرض الواقع أوقفت شحن أسلحة إضافية إلى ميناء اللاذقية، وسحبت دبلوماسيها.

كما أن موسكو دعمت قرارات صادرة عن الأمم المتحدة، ولم تستخدم الفيتو ضد استخدم الأسد للبراميل المتفجرة ، وكذلك لم تستخدم الفيتو ضد القرار 2216 الخاص بالأزمة اليمنية تحت البند السابع، وهو ما يمثل نقاط التقاء مصالح كبيرة بين موسكو والسعودية، خصوصا فيما يتعلق بالنفط والموافقة على بقاء الحصص، ما جعل وزارة الزراعة الأمريكية تتجه نحو دعم التوسع في الاقتصاد الحيوي، بعدما بدأ النفط التقليدي يهدد النفط الصخري مرتفع التكلفة، والمهدد للبيئة.

أدركت السعودية أن المنطقة تمر في فوضى تقودها إيران، وفي ظل استمرار حالة الاستقطاب السياسي العالمي، والاختلال الوظيفي، مع غياب أمريكي عن المنطقة، يصاحبه تردد أمريكي يتزامن مع تردد صيني في تجنب تحمل مسؤوليات دولية جسيمة، مما يفرض على السعودية البحث عن بدائل.

وجدت السعودية في موسكو البديل الذي يمكن أن تحقق توازنها الاستراتيجي الإقليمي، وحان الوقت أن تصبح السعودية دولة نووية سلمية، وهو سؤال يتجدد مع سباق التسلح وعسكرة المنطقة، يتزامن مع توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لأن السعودية ترى أن توقعات أوباما عن سلوك إيران وبرنامجها النووي أقرب إلى الخيال، فحسمت الرياض أمرها من أجل القفز على فوضى وانهيار مفهوم الدولة، من أجل الحصول على سلاح رادع أمام إرادة فارسية، على الأقل قد يحدث صدمة لدى المسؤولين في البيت الأبيض لمنع إيران جديا من تطوير ترسانة نووية.

لذلك اضطرت السعودية إلى توقيع عدد من الاتفاقيات مع موسكو، اتفاقية تعاون سعودي–روسي نوعي لتوظيف الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، وتتجهان لخلق استراتيجية تقضي بنقل تقنية صناعة الطاقة، وتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والفضاء والإسكان والاستثمار.

وتعتزم روسيا بناء 16 مفاعلا نوويا للأغراض السلمية ومصادر الطاقة والمياه، وسيكون لروسيا الدور الأبرز في تشغيل تلك المفاعل، مع إمضاء صفقات أسلحة سبق توقفها بضغط أميركي، لكن الظروف اختلفت اليوم بسبب التراجع الأمريكي في المنطقة، وزيادة رقعة الفوضى يؤكده تقرير أمريكي الذي اعترف بأن رقعة الإرهاب اتسعت في عام 2014 عن عام 2013 بنحو 14 في المائة، وارتفع القتل بنسبة 81 في المائة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق