زلزال الإرهاب يضرب ثلاث قارات

تعرضت فكرة الحرب العالمية على الإرهاب التي أعلنها جورج بوش الابن بوابل من السخرية والاستهزاء، وعندما أتى أوباما للسلطة عام 2009 حاول إسقاط هذا المصطلح، ولم يعلم أوباما أن بوش فجر قنبلة الإرهاب باحتلاله العراق وتسليمه لإيران لاستعادة الصراع التاريخي بين المذهبين الكبيرين، وعلى الفور تشكلت مليشيات طائفية مدعومة من إيران، وتحولت المظلومية من الشيعة إلى السنة تضخمت تلك المظلومية بانسحاب أوباما من العراق.

انهيار الدولة في سوريا بعد الثورة، وتدويل الأزمة، حتى أصبحت سوريا خارج القانون، وتحولت إلى مناطق تدريب، ومناطق جذب للجهاديين من أنحاء العالم، حتى ظهرت جماعات سنية لقتال الجماعات الطائفية المدعومة من إيران التي تدافع عن الأسد.

  تحولت سوريا إلى مفرخة للإرهاب العالمي، وساحة فوضى عملت على إيجاد فضاء لازدهار المجموعات الجهادية، من خلال دراسة أجرتها مؤسسة راند وجود 49 مجموعة جهادية سلفية حول العالم في عام 2013 مقارنة ب28 من هذه الجماعات في عام 2007، وتم تسجيل 950 هجوما من تنفيذ هذه الجماعات عام 2013 مقابل 100 قبل ست سنوات وأظهرت الدراسة أن عدد الأمريكيين الذين قتلوا كان قليلا جد مما يشجع أمريكا على الاستمرار في تنفيذ أجندتها في الشرق الأوسط لصالح إسرائيل فقط من أجل قبول إسرائيل بتوقيع الاتفاق النووي.

أبرز هذه الجماعات هي داعش التي ظهرت في هذا الفضاء على أنقاض الدولة، وتاريخيا تشكلت هذه الجماعة باسم الخوارج زمن الصراع بين علي رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه عندما تحققت نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم في نشوء مثل تلك الجماعات المتطرفة كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: “بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما، أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم فقال: ذو الخويصرة أعدل فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قال: خبت وخسرت إن لم أكن أعدل، فقال عمر يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه فقال: دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرؤون القران لا يجاور تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية” الحديث.

قاتلهم الإمام علي بن أبي طالب، وعلى مر التاريخ تظهر هذه الجماعة كلما ضعفت الدولة تقوى شوكتهم، وظهورهم في هذا الزمن أيضا كان على أنقاض الدولة ليس غريبا طمعا في السلطة.

 لكن عندما يضرب إرهابهم ثلاث قارات أتى بعد تشديد الرقابة عليهم في السعودية أكبر دولة مستهدفة من الإرهاب الطائفي من الجنوب الحوثيين في اليمن، والداعشي من الشمال بعد فشل داعش في استهداف حدود السعودية، انتقلت إلى استهداف مساجد الشيعة لبث الفوضى كما هي في العراق، ثم انتقلت الآن إلى الكويت وتونس وفرنسا بشكل متزامن.

داعش يقوم بعمليات استباقية كعادته، لأنه يتبنى التكفير لكل من يعارض منهجه، خصوصا بعدما بدأ يعاني حصارا إقليميا، ولم يجد أرضا خصبة في أفغانستان كملاذ أمن ينجو بنفسه نتيجة الضربات التي يتلقاها في سوريا والعراق بعدما صرحت طالبان أن لا حاجة لوجود داعش على أرض الأفغان بعدما أرسلت لهم رسالة تحذيرية.

بدأت تتلقى داعش ضربات في سوريا بعد دعم السعودية المعارضة بأسلحة نوعية، جعلها تسيطر على اللواء 93 يمهد للمعارضة بالتوجه نحو الرقة عاصمة داعش، وهو الطريق الدولي باتجاه العراق، خصوصا وأن الأيام القادمة سيتم دعم الحشد العشائري السني في العراق لدحر داعش، تلافيا لما حصل في تكريت من قبل الحشد الشعبي المدعوم من إيران حيث أحرقت منازل السنة، خدم داعش من خلال تأجيج الكراهيات المذهبية، وكذلك تلقت داعش ضربات في شمال العراق وشمال سوريا في عين العرب وتل أبيض من الأكراد المدعومين بضربات جوية من قبل الولايات المتحدة.

يتساءل كثير من المتابعين والسياسيين، هل نجح بوش الابن بعد أحداث 11 سبتمبر على فرض أن القاعدة هي التي قامت بها، من تشكيل قضية مشتركة مع كل الدول التي تعرضت للإرهاب، من أجل مشاركتها مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب العالمية، لكن هناك تحميل لبوش مسؤولية بعث هذا الإرهاب من قمقمه بعد غزو العراق، زادت حدته بسحب أوباما الجنود الأمريكيين قبل أوانهم من العراق، وقبل استعادة العراق أمنه واستقراره الذي تسببت فيه الولايات المتحدة وإيران.

زاد العنف بعد زيادة هشاشة دول عديدة أعقاب الثورات التي حدثت في العالم العربي، لن يكون الحل في الأفكار من دون استعادة تلك الدول أمنها واستقرارها، وعلى الدول العربية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه استعادة الأمن في تلك الدول، مثلما قادت السعودية تحالفا في اليمن، عليها أن تعد تحالفا آخر في سوريا، وتعد مصر تحالفا في ليبيا، لأن الحلف الأطلسي بقيادة واشنطن منشغل بمضاعفة حجم قوة التدخل السريع وسط بيئة أمنية جديدة  من أجل نشر معدات عسكرية ثقيلة في أوربا الشرقية لمواجهة روسيا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق