روسيا تضغط على الغرب في سوريا من أجل تحقيق مكاسب جيوسياسية

لم تجد روسيا فرصة مثل سوريا، في الضغط على الغرب، مقابل تخلي الغرب عن الضغط على روسيا في أوكرانيا، ورفع العقوبات التي فرضها على روسيا، بعد ضم روسيا لجزيرة القرم، رغم ذلك ترفض فرنسا ربط الملفين بعضهما ببعض، حيث ترى فرنسا أن ملف أوكرانيا ملف أوربي، بينما ملف سوريا ملف دولي.

لذلك لا يتوقع دبلوماسيون أن تتنازل روسيا عن مواقفها، حيال دعوة روسيا تشكيل تحالف جديد لمحاربة داعش، يضم الأسد وقوات النظام، بينما تعتبر فرنسا الترويج للاعتماد على الأسد، من أجل محاربة الإرهاب، خطأ أخلاقي وسياسي مزدوج.

واعتبرت فرنسا أن الدعوة الروسية ستفضي إلى طريق مسدود، بسبب جانب أخلاقي، ومسؤولية الأسد ونظامه عن 80 في المائة من القتلى واللاجئين، وترى فرنسا أن الفوضى واليأس اللذين يسببهما الأسد، هما أكثر الأمور قوة، التي تتغذى منها داعش.

لكن نتيجة غياب الرد الغربي، وخصوصا الأميركي، إزاء التصعيد الروسي في سوريا، حيث يبدو أن الغرب عاجز عن تصور استراتيجية سياسية عسكرية فاعلة بوجه موسكو، بينما في المقابل ينصب الحذر من تلافي أي حادث بين قوى جوية لثلاث دول نووية ودائمة العضوية في مجلس الأمن، الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا، في الأجواء السورية، وهو ما لا يريده أي طرف، وهو ما أعلنه أوباما لبوتين بأن الولايات المتحدة لا تريد حرب بالوكالة في سوريا.

الليونة التي أظهرها الغرب تجاه بقاء الأسد في بداية مرحلة انتقالية على طاولة المفاوضات، جعلت روسيا تلتقط إشارات متناقضة من المواقف الأوربية، ما فرض على أوربا أن توحد مواقفها تجاه روسيا بخصوص الأسد، وأنها ترفض أن يستمر الأسد في حكومة انتقالية، وفشلت فرنسا وميركل بعدما اجتمعا مع بوتين في باريس من تقريب المواقف، ولا زالت الهوة عميقة.

الدبلوماسية الأوربية لا تتوقع تنازلات من روسيا في الملف السوري في الوقت الحاضر، خصوصا وأن فرنسا وألمانيا يرفضان ربط الملف السوري بالملف الأوكراني، ويرفضان حصول روسيا على مقايضة، وتحديدا حول رفع العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على روسيا، منذ أحداث أوكرانيا وضم روسيا شبه جزيرة القرم.

أنزلت روسيا قوات بحرية في سوريا، وإرسال 50 طائرة حربية ومروحية، ووضع سقف مرتفع لمواجهة الانتشار الأمريكي في الشرق الأوسط وفي البحر المتوسط.

ونتيجة التلكؤ الأمريكي في سوريا حصدت ما جنته، وحتى مواقف أوباما مع التصعيد الروسي كانت مواقف سلبية، اكتفى أوباما فيها بتحذير بوتين بأنه وقع في المستنقع السوري، وأكد له بأن الولايات المتحدة لا تريد مواجهة، ولكن التصعيد الروسي خصوصا في ضرب المعارضة السورية، يفرض على المعارضة أن تمتلك صورايخ أرض – جو.

تتسارع الأحداث في الميدان السوري منذ اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011، وستستثمر قوات برية إيرانية بجانب قوات من حزب الله وقوات من النظام السوري الغارات الروسية في عمليات ميدانية تنطلق من شمال غرب سوريا، خصوصا في منطقة جسر الشغور – حماة- حمص شمال دمشق، التي حققت المعارضة فيها تقدما ساحقا في الآونة الأخيرة، من أجل تشكيل سد ناري متحرك.

لذلك استهدفت الغارات الروسية مستودعات صواريخ تاو الخاصة بالجيش الحر ومقرات قيادة الفصائل، والغريب أن الأكراد طرحوا أنفسهم إحدى الأذرع الميدانية للروس، من أجل الاستعداد لشن عمليات كبيرة في منطقة الساحل والمنطقة الوسطى، كما في حلب، بهدف إبعاد مقاتلي المعارضة عن مناطق سيطرة النظام.

بينما كردستان العراق والتيار الصدري أبلغا العبادي بأنهما ليسا ملزمين بالحلف الرباعي، الذي دخلت فيه العراق مع روسيا وإيران وسوريا، مما أغضب أمريكا من العراق، لأن الولايات المتحدة ترى أن التحالف الرباعي يخلط أوراق الحرب ضد داعش.

هل تكرر روسيا وإيران ذات الخطأ في سوريا، الذي ارتكبته بريطانيا وفرنسا ضد مصر في عام 1956؟، بعد فشل إيران في الحفاظ على المصالح الجيوسياسية في المنطقة، فتدخلت روسيا مباشرة بقواتها لأول مرة منذ عقود، وهل استعجل بوتين خلط الأوراق للحفاظ على آخر موطئ قدم له في المياه الدافئة؟

روسيا لا تمتلك مقومات العودة إلى توازن القوى، ولكنها تستثمر ظروف يمر بها الغرب، في استعادة قواه الاقتصادية، التي فقدها في عدة أزمات متلاحقة، يجدها بوتين فرصة لمساومة الغرب على مكاسب جيوسياسية، في فرض روسيا على الخريطة العالمية، بعد نحو ثلاثة عقود من التهميش والإقصاء في النظام الدولي الذي تشكل بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.

دفعت واشنطن ضريبة نصائح تل أبيب بعدم تسليح المعارضة السورية، وظلت الأزمة السورية مجمدة، يقاتل فيها الجميعُ الجميعَ، من اجل أن تستمر إسرائيل متفوقة، وجدتها روسيا فرصة سانحة جعلها تنقض عليها دون أي رحمة، لتحقيق مكاسب سياسية، مع تعزيز أوراقها التفاوضية، ووجدت في الأزمة السورية العودة بقوة إلى المنطقة التي طردت منها، وكانت ساحة صراع بين القوتين العظميين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة في حقبة الحرب الباردة.

يبدو أن إسرائيل بدأت تجد بغيتها هذه المرة في روسيا، وفي عدوتها إيران في دعم بشار الأسد ضد المعارضة التي تسيطر عليها جماعات إسلامية، ولكن الضغطين السعودي والتركي يمنعان واشنطن قبول مثل هكذا سيناريو.

يبدو أن واشنطن وأوربا ليس أمامهما سوى جر روسيا بالفعل إلى المستنقع السوري، مثلما تورط الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وتبدأ مرحلة جديدة من حرب استنزاف في سوريا، لمواجهة روسيا الاستفزازات الغربية، وغطرسة حلف الناتو، بانتظار رئيس أمريكي جديد، لأن العرب حينها ينتظرون حل الأزمة السورية من قبل الرئيس الأمريكي الجديد، ما يخفف الضغط عن إسرائيل التي تواجهها من كل رئيس يصل إلى السلطة، يطالب فيها إسرائيل بحل الأزمة الفلسطينية، ووقف الاستيطان.

هناك فرصة أمام الولايات المتحدة والدول العربية في اتخاذ قرار في الاجتماع الدولي حول سوريا، بأن تكون الدول العربية مستعدة لإرسال قوات سلام إلى سوريا لفرض الحل السياسي، مثلما نجح التحالف العربي في اليمن بقيادة السعودية، خصوصا وأن الدول العربية بصدد إنشاء قوات عربية مشتركة، بقرار أممي يصدر على غرار القرار 2216 الخاص باليمن ولم تعترض عليه روسيا، يمكن أن يقنع روسيا بالموافقة على قرار بخصوص سوريا بعد ضمان مصالحها في سوريا.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث             

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق