رؤية 2030: ثورة صناعية جديدة

هناك دول تعاني من العجز والديون والإنتاجية المنخفضة، وفي أكبر اقتصاد في العالم في الولايات المتحدة تبحث عن نهج شامل لتحسين توزيع الدخل الذي يعد واحدا من الأكثر سوءا بين الاقتصادات المتقدمة، لكن تعاني السعودية عجزا في ميزانية الحكومة خلال عام 2016 قرابة 69 مليار دولار بإجمالي إيرادات تبلغ 136 مليار دولار، نفقات تصل لحوالي 205 مليار دولار وفق توقعات شركات أبحاث وبنوك سعودية وإقليمية، وهي جدوى للاستثمار والاستثمار كابيتال إضافة للبنك الأهلي التجاري وهو أكبر بنوك السعودية من حيث الأصول والمملوك بنسبة 65 في المائة من الحكومة إضافة إلى بنك الاستثمار الإقليمي شركة هيرميس، فيما أشارت تقارير أخرى إلى أن العجز المتوقع من شركات الأبحاث أقل مما قدرته السعودية بنسبة 21 في المائة التي قدرته عند 87 مليار دولار.

السعودية هي أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم تعاني من تراجع حاد في إيراداتها المالية الناتجة عن تراجع أسعار النفط عما كان عليه عام 2014، وكانت ميزانية السعودية لعام 2015 قد سجلت إيرادات بقيمة 162 مليار دولار مقابل نفقات ب260 مليار دولار بعجز قيمته 97.7 مليار دولار، ويعتبر البنك الأهلي أن سعر 69.2 دولار لبرميل النفط يمثل نقطة التعادل للسعودية انخفاضا من 79.2 دولار لبرميل النفط عام 2015 من أجل تفادي العجز، لكن الأسعار دون ذلك.

 وحسب تقديرات فإن السعودية صدرت خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2016 بنحو 2.36 مليار برميل قيمتها 96 مليار دولار بانخفاض 22 في المائة عن نفس الفترة من عام 2015، فيما قدر الاستهلاك المحلي بنحو 34 في المائة من إجمالي الإنتاج لنفس الفترة يقدر ب816 مليون برميل، أي بلغ متوسط الإنتاج اليومي بنحو 10.2 مليون برميل، فيما بلغت الصادرات بنحو 7.2 مليون برميل يوميا والباقي نحو 3 ملايين استهلاك محلي.

من الصعب أن تكون السعودية رهينة دخل وحيد، فيما أن السعودية تمتلك مقومات اقتصادية عديدة معطلة وغير منتجة أو تبقى منتجات أساسية وغير ذات قيمة مرتفعة،  رغم أن صناعة البتروكيماويات ارتفع إنتاجها 250 في المائة خلال عقد من الزمن، حيث تستهدف رفع طاقتها الإنتاجية في مجال البتروكيماويات بما نسبته 10 في المائة سنويا من الإنتاج العالمي لتصبح ثالث أكبر مصدر للبتروكيماويات على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالي السعودية من البتروكيماويات والمواد الكيماوية والبلوريمات بنحو 115 مليون طن في نهاية 2016، أي بزيادة تبلغ 250 في المائة عما كانت عليه في عام 2006 حسب احصاءات مؤسسة النقد ( ساما ) حيث بلغ قيمة الصادرات خلال عام 2014 نحو 38.2 مليار دولار، بعدما بلغ حجم الاستثمارات في المصانع البتروكيماويات السعودية نحو 150 مليار دولار.

 وتعتبر الصناعات البتروكيماويات محرك رئيسي للاقتصاد بل تعتبر عمق الاستثمار العالمي في صناعة البتروكيماويات، لكن توفير الطاقة بأسعار مدعومة نقطة ارتكاز أساسية في رفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي مما يعزز الميزان التجاري للمملكة بدلا من الاكتفاء بتصدير منتجات أساسية تم توفير لها الطاقة بأسعار مدعومة، وهو ما نجده في شركة سابك التي هي ثاني أكبر شركة تحقق أرباحا عالية نسبة إلى مثيلاتها من الشركات بسبب أنها تأخذ النفط بالأسعار العالمية، ولن تستمر في التصدير باعتبار منتجاتها مرحلة من مراحل التصنيع وليست مرحلة نهائية.

 هناك مجمع صدارة للصناعات البتروكيماوية الذي يحتوي على 26 مصنع عملاق يعتبر ثاني إنجاز تاريخي بعد شركة سابك وتحقق 17 مليار دولار سنويا هو حجم زيادة إيرادات الناتج المحلي المحقق من صدارة وحقق مجمع صدارة وفورات ب12 مليار دولار سنويا كانت تتكبدها خزينة الدولة بسبب الاستيراد.

صناعة الكيماويات على موعد مع نمو ضخم وفرص كبيرة تتحقق في ظل استراتيجيات جديدة تتماشى مع التغيرات في المنطقة والدور المحوري لقطاع الكيماويات في إضافة قيمة كبيرة على صعيد مشهد الطاقة العالمي العام للحفاظ على التنافسية والنمو، في مواصلة تطوير منتجات أكثر تميزا وأعلى قيمة.

وسيشهد عام 2017 ارتفاعا في صناعة الكيماويات حيث ستنتج 9 من بين 15 مصفاة من مصافي أرامكو السعودية الكيماوية وبنسب تحويل يمكن أن تصل إلى 20 في المائة من الخام المعالج الإجمالي، وتطوير منتجات أكثر تميزا وأعلى قيمة، والاستمرار في استحداث العلامات التجارية المميزة القوية ومواصلة الارتقاء

فيما تنخفض مساهمة القطاعات الاقتصادية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي وعلى رأسها قطاع التعدين الذي يعتبر أحد أهم مكونات القطاع الصناعي إذا أراد المجتمع أن يحقق ثورة صناعية، حيث تعد السعودية الدولة الأكبر في استيراد مكورات خام الحديد، حيث استوردت خلال عام 2015 أكثر من 4.77 مليون طن، فيما يبلغ احتياطي خام الحديد في السعودية مليار طن، خصوصا وأن الخبراء في مجال الجيولوجيا والتعدين أكدوا أن تنامي الطلب الصناعي والتقني على المعادن الاستراتيجية بمعدل 10 في المائة سنويا خلال العشرين عاما المقبلة.

يبدو أن انخفاض أسعار النفط وتأثر ميزانية الدولة من العجز بأن تنتقل من موقع ملتقى خطوط التجارة والحضارات إلى موطن الصناعات، ويمكن أن ينقل رأس الخير السعودية إلى ثورة الصناعات التعدينية وأن تتحول إلى الركيزة الثالثة للاقتصاد السعودي خصوصا بعدما أنفقت الدولة على البنية التحتية بنحو 34.7 مليار دولار، وترتبط بالمناجم بأطول قطار تعدين في العالم، بوسط وشمال السعودية يبلغ طوله 1500 كيلو متر بطول ثلاثة كيلو مترات وينقل في الرحلة الواحدة ستة عشر ألف طن، وأزاح 27.7 ألف شاحنة عن الطرقات.

حيث مجمع الفوسفات ومصنع الألمنيوم باكورة صناعة التعدين السعودية، ومصنع الألمنيوم مشروع مشترك بين شركة التعدين العربية السعودية بنسبة 74.9 في المائة وشركة الكوا الأميركية بنسبة 25.1 في المائة، حيث وجدت شركة الكهرباء أن استخدام كابلات الألمنيوم في نقل الكهرباء من محطات الإنتاج إلى المدن يوفر الطاقة، ويمنح الشركة ترشيدا للنفقات يقدر ب533 مليون دولار، حيث تمثل السوق المحلية لصناعة الألمنيوم سوقا واعدة، حيث تعتمد خطوط نقل الطاقة الكهربائية من كابلات وأبراج على منتج الألمنيوم بشكل أساسي، خاصة بعد التجار بالتي توصلت لها شركة الكهرباء السعودية.

انطلقت قاطرة الصناعات التعدينية العملاقة في المملكة وهي إحدى ركائز الاقتصاد الوطني إضافة إلى قطاع البترول والبتروكيماويات وأن يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بما يصل إلى 66 مليار دولار، بل الرؤية الثاقبة للسعودية على قطاع التعدين العملاق بل تخطته لتشمل قطاعات تنموية جديدة تسهم في تنويع الاقتصاد السعودي وتوطين الإمدادات وتوليد عشرات الألوف من الوظائف وفتح باب مجالات الاستثمار والابتكار، ومن هذه القطاعات الجديدة قطاع الصناعات والخدمات البحرية التي تتيح توطينا نوعيا لأعمال مهمة جدا للمملكة والمنطقة والعالم، تشمل بناء منصات إنتاج البترول البحرية وأجهزة الحفر والسفن إضافة إلى توفير خدمات الصيانة لهذا القطاع الحيوي.

السعودية والمنطقة وصلت إلى نقطة تطور يتعذر عندها مواصلة الاعتماد على محرك اقتصادي واحد، وتطوير القطاع الخاص غير المعتمد على النفط، بما في ذلك قطاع الكيماويات، أصبح ضرورة استراتيجية للسعودية ولبقية دول الخليج الأخرى، خصوصا وأن هناك استراتيجيات جديدة ستمكن قطاع الكيماويات من التحرك السريع ليتبوأ مكانته في صناعة الطاقة الكلية، وهناك فرص استثمارية في مشروعات البتروكيماويات الأساسية المتكاملة الضخمة نظرا للميزات التي تتمتع بها أنواع القيم التي رسمت ملامح التطور لقطاع الطاقة في منطقتنا والمشمول في استراتيجية التكرير والمعالجة والتسويق، حيث يعتبر قطاع الكيماويات من العوامل الاقتصادية الاجتماعية التي تحفز تحقيق أهداف التنمية التي تشتمل عليها رؤية المملكة 2030.

تتجه الدولة نحو التركيز على التكامل بين التكرير والكيماويات من أجل تحقيق توازن وتكامل أفضل لقطاعي التنقيب والإنتاج والتكرير والمعالجة والتسويق لتحقيق التكامل عبر إضافة القيمة من خلال المرافق والخدمات والبنية التحتية المشتركة لتحقيق مستوى أعلى من التكامل، حتى تنتقل إلى الجانب الثاني من الاستراتيجية في تحقيق النمو والتنافسية والمحافظة عليها التي تشتمل على السلع المتميزة والكيماويات المتخصصة خصوصا وأن هذا المجال بحاجة إلى التوسع بشكل كبير جدا.

الجانب الثاني من الاستراتيجية حيث تهدف الدولة من إنشاء شركة صدارة للكيماويات وهي مشروع مشترك بين أرامكو مع داو كيميكال ومشروع أرولانكسيو مشترك بين أرامكو مع شركة لانكسس الألمانية، بل هناك شراكات بين أرامكو وسابك لدراسة تحويل النفط إلى مواد كيماوية عالية القيمة، بالإضافة إلى استحواذ الشركة على تقنية كونفيرج بوليرا من شركة نوفومير.

وهناك جانب ثالث من الاستراتيجية المتمثلة في الابتكار والتقنية من أجل الارتقاء بالعمليات واستحداث منتجات وقطاعات جديدة، بالإضافة إلى أن هناك جانب رابع في التركيز على الكفاءات والمهارات التي تدير المرحلة المقبلة.

 أسست دول الخليج الاتحاد الخليجي للبتروكيماويات والكيماويات يمثل قطاع التكرير والمعالجة والتسويق للمواد الهيدروكربونية في الخليج العربي تأسس عام 2006 يضم ما يزيد على 250 شركة من الشركات الأعضاء من قطاع الكيماويات والقطاعات المشابهة التي تنتج 95 في المائة من الكيماويات في منطقة الخليج حيث تشكل هذه الصناعة ثاني أكبر قطاع تصنيع في منطقة الخليج تنتج سنويا منتجات تقدر بنحو 108 مليارات دولار.

ومن المتوقع أن يساهم القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي إلى 20 في المائة في عام 2020 وهو قطاع يحقق نمو مستدامة ورفع النسبة من 10 في المائة المحققة في عام 2013، حيث يعتبر التحول الوطني عام 2020 مقدمة واختبار لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 التي تستهدف إعادة هيكلة اقتصاد الدولة ورفع أداء مؤسساتها وتنويع مصادر الدخل ورفع إنتاجية المجتمع.

السعودية تستطيع أن تكون أكثر اعتمادا على خطوط أنابيب البيانات أكثر من اعتمادها على خطوط الأنابيب في المستقبل خصوصا وأنها تمتلك الموقع المتوسط بين قارات العالم من خلال تحويل نفسها إلى حاضنة تكنولوجيا إقليمية ومركز قدرات لمجموعات أمريكية مثل فيسبوك وجوجل باعتبار السعودية القوة المهيمنة في المنطقة وقادرة على تحويل الاقتصاد المعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع لزيادة إيرادات الحكومة غير النفطية من 43 مليار دولار إلى 266.66 مليار دولار بحلول عام 2030 ورفع مساهمة القطاع الخاص من 40 في المائة إلى 65 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق