رؤية السعودية 2030 تجعلها لاعباً رئيساً في الأسواق المالية الدولية

السعوديون كانوا يترقبون الرؤية المستقبلية لوطنهم، وسط تفاؤل كبير هذه المرة، وكانت مقابلة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في العربية حدث تاريخي قد يعتقد البعض أن ذلك مبالغة، لكن عندما تمتلك السعودية مقومات كبيرة وهي بهذا الحجم من الاقتصاد وبهذا الحجم من المشكلات، فيما دول مجاورة نمت على حساب السعودية، ونحن ننفق في السياحة سنويا خارج السعودية ما يفوق 70 مليار ريال وتخرج أموال إلى خارج السعودية كتحويلات من العمالة الوافدة تفوق 200 مليار ريال وهو حق من حقوق العمالة، ولكن فشلت العقلية الاقتصادية التقليدية في خلق بيئة اقتصادية مواتية لاستثمار هذه الأموال داخل الاقتصاد السعودية، وما أكثر المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد السعودي، بدأ من مشكلة البطالة الهيكلية في بلد يعج فيه بالعمالة الوافدة أكثر من عشرة ملايين وافد، وبلد يعاني من أزمة الإسكان ومشكلات أخرى لا حصر لها.

ابتدأ سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حديثة بأن السعودية لم تستثمر مكانة السعودية كعمق عربي إسلامي باعتبار أنها تحتوي على الحرمين الشريفين، وهي مركز بين ثلاث قارات،وتمتلك إرث إسلامي هائل وموقع جغرافي وتشرف على ثلاث مضائق يمر 30 في المائة من التجارة العالمية، خصوصا بعد الموافقة على بناء جسر الملك سلمان يمكن ان يخلق خدمات لوجستية وخلق حراك هائل وكبير حيث تمتلك السعودية من المقومات البشرية والنفطية والتعدينية الهائلة.

هناك عدد من المرتكزات التي تحدث عنها الأمير محمد بن سلمان وسط طموحات عالية تسابق أحلام كل متابع، ورهان على كسب تحدي التحول إلى اقتصاد متنوع لا يعتمد على النفط، وكل دول العالم تنتظر هذا الحديث، بل امتدت جذور هذه المقابلة إلى وسائل الإعلام الغربية لما يحمله اقتصاد السعودية من ثقل هائل على مستوى الاقتصاد العالمي.

أعطت رؤية الأمير محمد بن سلمان في مقابلته مع قناة العربية إطارا عاما للأهداف، والإصلاحات، والعمل الجاد، نحو تطور اقتصاد قادم يرتكز على العنصر البشري، ويستشرف المستقبل، ونقل الاقتصاد السعودي من الاستهلاك إلى الإنتاج عبر تنويع مصادر الدخل لعالم ما النفط.

المشروع أكبر من التفاصيل هو برنامج يتحدث عن الحيز الأكبر لجزيرة العرب ليس فقط على مستوى الهوية بل على مستوى الإنتاج، والتحول من الدولة الراعية إلى الدولة صناعة الإنسان المنتج.

عالم ما بعد النفط تنويع الاقتصاد هدف لتحقيق الإنتاجية والكفاءة، وهي رؤية وطنية ذات دلالات كبيرة وذات أبعاد استراتيجية سيجني الاقتصاد الوطني ثمارها في عام 2030 باقتصاد إنتاجي متنوع، لكن وفق مراقبة وتقديم تقارير كما ذكر في مقابلته الأمير محمد بن سلمان تقارير ربع سنوية.

إعادة الهيكلة ليس في المسمى بل في نقل مؤسسات الدولة من الممارسة التقليدية إلى نظرة أخرى أعمق ونظرة عالمية، ليست نظرة قصيرة النظر تتمحور فقط حول ترشيد وكفاءة الإنفاق، بل هي نظرة أوسع من ذلك بكثير تنتقل إلى رسم مستقبل بإدارة ذات سمة عهد جديد حيث تمتلك السعودية جبهات عدة وفاعلية مستمرة.

ستتجه الدولة بشكل جاد إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، بل ستتجه نحو التخصيص الذي يتصف بالحوكمة والشفافية العالية حتى يجعل الفساد أصعب بسبب الحوكمة والمراقبة كما ذكر الأمير في مقابلته.

وكما ذكر نحن لا نتعامل مثلا مع أرامكو كدستور لا يمكن المساس به وكأنه ثابت، وذكر في مقابلته بأن الملك عبد العزيز حرر البلد من الأطماع الاستعمارية وخصوصا من الاستعمار البريطاني، وحافظ على إدارة دولته الناشئة هو ورجاله من دون نفط، يقصد أننا قادرون على إنشاء دولة جديدة بإنتاج جديد بقوة أبناء البلد حيث تمتلك السعودية كفاءات وقدرات عالية جدا قادرين على قيادة هذا التحول من الإدمان على البترول وهو ما عطل التنمية.

الرؤية الجديدة قادرة على إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي ومؤسسات الدولة لابتلاع كافة الصعوبات وجميع المشكلات، وهناك خطط طموحة تهدف الرؤية إلى رفع نسبة مشاركة القطاع الخاص من 40 في المائة على 65 في المائة، ورفع نسبة تملك المساكن من 47 في المائة على 53 في المائة، ورفع نسبة الصناعات العسكرية من 2 في المائة على 50 في المائة بعد ربط الصفقات العسكرية بالصناعات المحلية، والتوجه نحو الصناعات المعدنية التي أهملت فترة طويلة أو استغلت استغلالا سئ خصوصا وأن السعودية تمتلك عدد كبير جدا من المعادن وذكر أن اليورانيوم تمتلك منه السعودية ما يقارب 6 في المائة من الاحتياطي العالمي، تلقائيا سوف تقضي هذه الرؤية الطموحة التي كشفت عن القوى الكامنة في الاقتصاد السعودي على البطالة من دون استراتيجية القضاء عليها التي وضعتها الدولة، بل سنحتاج إلى كفاءات أجنبية للمشاركة في النهضة الجديدة الواعدة التي غابت خلال الفترة الماضية.

كما تطرق الأمير إلى تغيير البيروقراطية بعدما غابت المساءلة،، بجانب هيكلة المؤسسات وكأنها قطاع خاص يخضع للمساءلة والشفافية، وتأسيس سوق سيادي بإدارة شفافة من أجل تأسيس سوق يخضع للمساءلة بجهاز ذي شفافية عالية، يستطيع أن يجاري الصناديق السيادية العالمية، ويصبح منبعا للاستثمارات المحلية، ويدار على أسس تجارية بعيدا عن العاطفة، حيث يمتلك الصندوق حاليا نحو 600 مليار دولار سيضاف إليه نحو 5 في المائة أو أقل من أرامكو يتم بيعه في الأسواق المحلية والعالمية ليتحول الصندوق إلى رافدا يمول الميزانية يتغلب على تذبذب أسعار النفط، أي أننا بصدد تنوع في الاستثمارات الجغرافية وتنوع في عملة الاستثمار أي أن يكون التنويع شاملا بعيدا عن استثمارات وزارة المالية التقليدية السابقة التي تعتقد أنها قادرة على تسييلها وقت الحاجة إليها، لكن النظرة اختلفت في الرؤية الجديدة التي يقودها الأمير محمد بن سلمان.

وعندما تحدث الأمير محمد بن سلمان عن أرامكو ذكر أنها تبلغ نحو 2 تريليون دولار ما يقارب 7 تريليون ريال، كما تحدث عن رؤية خارطة طريق جديدة ذكر فيها أن الرؤية لها علاقة بأرامكو، ولكن لا يمكن اختزال الرؤية في أرامكو، ولكن وفق الخارطة الجديدة بأن خصخصة 5 في المائة من أرامكو سيضعها تحت رقابة البنوك والمحللين الاقتصاديين، إذا هي أرادة جديدة أتت على يد الملك سلمان وولي العهد وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

فيما البعد الاجتماعي كان واضحا في حديثه خصوصا عندما ذكر بان الدعم يذهب إلى 70 في المائة إلى أغنياء، بينما الخطط الجديدة تركز الدعم على ال30 في المائة الباقية، وذكر أنها من أكبر التحديات التي تواجه الدولة، وسوف تنتهي هذه الخطة في نهاية هذا العام 2016.

هذه الرؤية ستجسر السعودية طريقها إلى المستقبل لحظة التاريخ المنتظرة بعد عقود من الركون للنفط وخزائنه تحت الأرض، لتبني نهج عملي أشد مراسا وأكثر ارتباطا بالأداء فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد، وكذلك التنمية الشاملة، وملفات اجتماعية أخرى، كان نتاج جهد شهد أكثر من ستين جلسة عبر مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية التي يرأسه الأمير الشاب الطموح وكان من ثمار هذه الجهود ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنحو 27 في المائة عام 2015 إلى 44 مليار دولار مقارنة ب35 مليار دولار خلال عام 2014 وسط توقعات بتنمية الإيرادات غير النفطية بشكل ثابت ومتزايد تصل بعد أربعة أعوام إلى 110 مليارات دولار.

وبإنشاء السعودية أكبر صندوق سيادي ما يزيد على سبعة تريليونات ريال أي أكثر من تريليوني دولار سيعتلي قائمة الصناديق السيادية في العالم ويتفوق على الصندوق السيادي النرويجي البالغ قيمته 800 مليار يورو أي أن حجم الصندوق السيادي السعودي سيبلغ نحو 21 في المائة من حجم صناديق سيادية عالمية يبلغ عددها 79 صندوقا تبلغ قيمتها الإجمالية 7.09 تريليون دولار.

الرؤية الجديدة إلى جانب الحراك الدبلوماسي والعسكري والتحالفات التي تقودها السعودية تتجاوز المفهوم التقليدي للتنمية إلى ما يمكن وصفه بمرحلة الـتأسيس الثاني للسعودية، ما يعني اكتمال الدورة الأولى من تاريخ السعودية وهي دورة التأسيس والاستقرار برعيل الآباء المؤسسين إلى الدورة الثانية وهي دورة الدمج بين الذي يتجاوز النظام الاقتصادي العالمي إلى الاندماج في منظومة الحداثية في جوهرها الاقتصادي القائم على التنوع وعدم الاعتماد على مورد اقتصادي واحد.

الرؤية السعودية وطن يتحول لكن لا يتبدل، حيث نحن أمام خطة للانتقال فيها مكانا بارزا تتجاوز مفهوم الخطة التقليدية، حتى أصبحت قناعة لدى كبار المستثمرين ببروز لاعب دولي جديد من العيار الثقيل في ساحة الاستثمارات، تعيد توزيع أوراق اللعبة الاستثمارية عالميا، لبناء اقتصاد بديل بعدما أدركت حجم التعويل على البترول، لأن السعودية يمكن أن تتجه نحو الاستثمار في السياحة وهو قطاع معطل رغم أن السعودية تمتلك أكبر آثار دينية حيث شبه الجزيرة ساحة للأنبياء والأمم التي عاشت فيها وعلى مدى التاريخ خرجت من شبه الجزيرة موجات بشرية وأمم أبيدت وفق القصص القرآني وهو ما أعنه الأمير محمد بن سلمان بان تفتح السياحة لكل العالم وفق التقاليد الإسلامية وسيتلهف العالم لتلك الخطوة التي ستنافس الدول التي تعتمد على السياحة، كما أن السعودية ستدخل في استثمارات الطاقة المتجددة والطاقة الشمسية لامتلاكها الساحات الشاسعة المشمسة يمكن أن تتحول إلى مصدر للطاقة خصوصا إلى أوربا التي لا تمتلك نفس المميزات.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق