دور الأكراد في المشروع الإسرائيلي

يشكل الأكراد أبرز المجموعات العرقية في العالم العربي، في تداخل جيوسياسي وديموغرافي معه ومع دول الجوار (إيران وتركيا)، حتى باتوا إحدى المعضلات الكبرى القائمة في الشرق الأوسط، منذ نشوء الدول القومية فيه منتصف القرن العشرين. حيث لعب الأكراد أدواراً سياسية وعسكرية في الصراعات القائمة في العراق وسورية وتركيا، سواء لناحية تحولهم إلى أداة بيد قوى عربية وإقليمية، أو لناحية أدلجة كيانهم العرقي، وتحويل مطالبهم بالحقوق الإنسانية إلى مطالب سياسية تتصارع مع مصالح جوارهم العربي.

وقد شكلت ثورات الربيع العربي حافزاً هوياتياً لدى المجموعات الأقلوية الدينية والعرقية، ومنهم الأكراد في إعادة صياغة وتفعيل مطالبهم السياسية والدفع بها نحو مزيد من الإعلاء، بغية الاستحصال على كيان مستقل في عملية تسريع تفتيت الكيانات العربية القائمة (سورية والعراق)، كنتيجة مباشرة لفقدان تلك الثورات مشروعاً سياسياً جمعياً قادراً على تلبية المطالب السياسية والاجتماعية لكافة شرائح السكان من جهة، وتحولها إلى مشاريع حروب داخلية من جهة أخرى، وهو ما أذكى المطامع التاريخية للمجموعات الكردية.

إذ تصبح الهوية العرقية مهمة على نحو حاسم لحظة إدراك وقوعها تحت التهديد. وبما أن العرقية جانب للعلاقة، فقد يقال إذن إن أهمية الحدود تكون مشروطة بالضغط الواقع عليها. من الجانب الآخر، فإن تعبيرات الهوية العرقية قد تعتبر كذلك، ليس كاستجابات سيكولوجية للتهديدات من الخارج أو محاولات لخلق نظام في الكون الاجتماعي، وإنما كأدوات رمزية في النضالات السياسية، تكون الهوية الاجتماعية للهويات العرقية على أشدها عندما يلبي شرطان في الوقت ذاته في إيديولوجيات عرقية مشروعة (1).

الوجود الكردي في المنطقة العربية:

تنوعت الكتابات عن تاريخ وأصول الأكراد في المنطقة العربية، غير أن كثيراً منها يعيدهم إلى مجموعات العرق الآري، التي وفدت على المنطقة العربية من أواسط آسيا في التاريخ الوسيط، لتستقر في المناطق الجبلية في غربي إيران وشمالي العراق، وفي مراحل لاحقة في جنوبي تركيا وشرق سورية.

إن كلمة كردستان أطلقها آخر ملوك السلجوقيين –سنجار– على إحدى مقاطعات مملكته في القرن الثاني عشر، ويقال إن أول من ذكر كلمة كردستان بين المؤرخين هو القزويني الذي عاش في القرن الرابع عشر (2).

وغدت هذه المجموعات جزءاً من النسيج الاجتماعي للدولة العربية الإسلامية، وساهم أفراد منها في تسطير التاريخ العربي، حتى أن صلاح الدين الأيوبي، نسب إلى الأكراد، رغم وجود دراسات تنفي ذلك. ومع وصول النزعة القومية إلى المنطقة العربية مع بداية القرن العشرين، بدأوا بالمطالبة بدولة لهم في مناطق استقرارهم، والتي كانت خاضعة للحكم العثماني.

وتمتد المطالب الكردية بإقامة دولة لهم على مساحات واسعة تشمل غرب إيران وشمال العراق وجنوب تركيا وشرق وشمال سورية لتكون حدودها في سورية بمحاذاة مدن (حلب، منبج، الحسكة) وتمتد في العراق إلى مدن (الموصل، وشمال شرقي بغداد)، جاعلين من مدينة كركوك العراقية مشروع عاصمة لهم.

وهو ما دفع قوات البشمركة الكردية إلى فرض سيطرتها على مدينة كركوك، إثر اندلاع الاحتجاجات المسلحة على نظام المالكي، في خرق للاتفاقيات الموقعة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان بترسيم حدود سلطة الأكراد، وقد لعب النفط جانباً محورياً إضافة إلى الدعاوى التاريخية في توسيع الحدود الكردية في العراق، بامتداد قوات البشمركة داخل محافظات ديالى وكركوك والموصل(3).

وقد تقاسم العمل السياسي الكردي مجموعة من الأحزاب، من أكبرها حزب العمل الكردستاني PKK بزعامة عبد الله أوجلان المعتقل اليوم في تركيا، وأكبر انتشار لهذا الحزب كان في سورية، إضافة لحزبي الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني في العراق، وفي تركيا حزب الشعب. وقد أسهمت جميعها في توتير العلاقات العربية–الإقليمية لسنوات طيلة، من خلال استغلالهم لمواطن التوتر بين تلك الدولة ليكونوا محط دعم من بعض الحكومات الإقليمية.

ويعتبر الأكراد، أكبر الأقليات العرقية العراقية، ومعظمهم من السنة، لكن منهم أقلية شيعية فارسية أشهرها الفيليّة واليزيديين والعليائية، وأقليات ضئيلة أخرى في مناطق شمال شرقي البلاد متوزعين بين مندلي وجبل حمرين في الجنوب–الوسط الشرقي إلى سنجار في أقصى الشمال الغربي، وتحديداً في محافظات السليمانية وأربيل والتأميم والموصل وديالى.

لا يشكل أكراد العراق في الواقع بين عموم أكراد الشرق الأوسط أكثرية، حيث الأغلبية في تركيا التي يقدر أن تعداد أكرادها يزيد بمقدار الضعفين عن تعداد أكراد العراق، بمن فيهم من تعرّب منهم، أما باقي الأكراد فيقيمون في إيران – محافظات سنداج وكرمنشاه وأذربيجان الغربية ولورستان– ونسبة هؤلاء توازي تعداد أكراد العراق وسورية ودول القوقاز السوفيتية السابقة. ومن أهم حواضر أكراد العراق مدن السليمانية وأربيل وكركوك التي يتقاسمونها مع التركمان وبعض العرب وأقليات أخرى، ودهوك وزاخو والعمادية وعقرة وراوندوز وشقلاوة وتشوارتة وحلبجة.

الدور الكردي في احتلال العراق:

أعطت الولايات المتحدة حيزاً في سياستها تجاه العراق للأكراد في الشمال العراقي أو ما يسمى بـ “كردستان العراق”، وأوجدت ما سمي منطقة الحظر الجوي لتخلق منطقة الحكم الذاتي الكردي منذ تسعينيات القرن الماضي، لكسب الأكراد إلى جانب الولايات المتحدة، غير أن ذلك لم يكن وليد حرب الخليج الثانية “عاصفة الصحراء”، إنما يعود التعاون الكردي مع القوى الخارجية إلى ستينات القرن المنصرم.

وهي علاقة لم يخجل المستشار الأول لبارازاني محمود عثمان من الحديث عنها، إذ يقول في حوار أجرته معه مجلة الوسط (العدديين 289 و 290 الصادرين في 13/10 و 20/10/1997): “بدأت العلاقات معهم –أي مع الكيان الإسرائيلي– منذ مطلع العقد الستيني، عن طريق كمران بدر خان وآخرين مثل شريف وانلي وصحفيين أجانب”. ولم تكن إسرائيل لترعى الجماعات الكردية –البشمركة– عسكرياً. من غير أن يقدم لهم الأكراد خدمات ومعلومات تفيدهم في احتلال العراق. ولهذا، لم يمتنعوا عن تقديم كل المعلومات التي من شانها أن تقوي إسرائيل وتزعزع القدرة العسكرية العراقية، وهو ما أكده محمود عثمان في حواره المذكور ” كان الإسرائيليون يطلبون منا معلومات عن الجيش العراقي، في الوقت نفسه يزودونا بمعلومات عن تحركاته، حتى أن المستشفى الميداني الذي أقامه الإسرائيليون في كردستان، كان من أهدافه جمع المعلومات الاستخبارية عن العراق لمصلحة إسرائيل (4)“. وهو ما أصّل لعلاقات متينية سرية تمّ توظيفها بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، في الاستحصال على مصالح إسرائيلية داخل العراق.

ونشط الموساد الإسرائيلي منذ احتلال العراق بشراء العقارات والأراضي العراقية بواسطة بعض الأكراد وبأسعار مرتفعة على غرار ما كان يجري في فلسطين المحتلة، وهو ما أكدته صحيفة البيان الإماراتية في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر 2003 ، إذ نقلت خبراً مفاده أنه تم تأسيس بنك لتشجيع الأكراد على شراء أراضٍ بمنطقة شمال العراق باسم”بنك القرض الكردي”، وأكد مسؤول تركماني رفيع المستوى أن رأس المال اليهودي يقف وراء هذا البنك الذي اتخذ من مدينة السليمانية مقراًله، وقال أحمد مراتلي ممثل مكتب الجبهة التركمانية في أنقرة في تصريحات صحفية: “إن بنك القرض الكردي تأسس بدعم من جلال الطالباني ومسعود البارازاني في السليمانية في فترة كانت تركيا منشغلة فيها بالتباحث مع العشائر العربية حول إرسال قوات للعراق (5)“.

تأثير الأكراد على العلاقات العربية–الإقليمية:

لقد نتج عن بقاء المسألة الكردية عالقة وتبلورها أن أصبحت في ظل تراكم طبيعة الخلافات الإقليمية بين دول المنطقة وسيلة من وسائل الاستخدام السياسي المتبادل للضغط على الإرادة السياسية للدول المعنية بها، ويمكن تلمس هذا الأمر في الاستخدام الإيراني المستمر للمسألة الكردية في علاقات إيران المضطربة مع العراق منذ زمن الشاه محمد رضا بهلوي، وإلى المرحلة التي سبقت الاحتلال الأميركي للعراق، بهدف الضغط على العراق وإجباره على القبول بالشروط الإيرانية المتعلقة بتعديل الحدود السيادية في شط العرب وعلى النحو الذي يتيح لإيران إمكانية السيطرة على الملاحة النهرية فيه.

كما يمكن تلمس هذا الأمر في الاستخدام السياسي لتركيا في علاقاتها مع العراق منذ مطلع التسعينات من القرن المنصرم، حيث برزت ملامح سياسية تركية ترمي إلى تبوء دور إقليمي متميز يلائم طبيعة المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة التي حصلت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والحرب الأميركية الأولى ضد العراق 1991، إذ باتت المسألة الكردية تشكل إحدى الآليات المهمة التي أخذت تركيا تعول عليها للضغط على السياسية العراقية ومن ثم العربية للقبول بدور تركي فاعل في الترتيبات الإقليمية الجديدة التي أخذت دوائر التخطيط الأميركي بإعدادها للمنطقة العربية بعد انهيار قوة العراق العسكرية وتراجع فاعليته السياسية إثر غزوه للكويت 1990 (6).

كما كانت تركيا قد استغلت القضية الكردية في علاقاتها المتوترة مع سورية طيلة العقود الأخيرة من القرن العشرين، في محاولة منها للحصول على تنازلات سياسية سورية تتعلق بمياه الفرات والعاصي وقضية لواء إسكندرون، إلى أن وصل الأمر إلى ذروته في عامي 1998 1999، حيث حشد تركيا جيوشها على الحدود السورية، متهمة إياها بدعم الحركة الكردية الانفصالية في جنوب تركيا، مما دفع نظام الأسد الأب بدوره إلى التخلي عن الورقة الكردية في علاقاتها مع تركيا وإخراج زعيم حزب العمل الكردستاني عبد الله أوجلان من سورية، وهو ما دفع الأكراد إلى اتهام سورية بالتواطؤ مع ترميا لاعتقاله.

وفيما تشكل “الدولة الكردية” المرتقبة، خطراً على الأمن القومي التركي، لناحية امتداها الديموغرافي إلى العمق التركي، لتشمل مساحات واسعة من شرق تركيا، إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة التركية الحالية من مساومات سياسية مع الزعامات الكردية العراقية، تسهم في تسهيل دولنة الكيان الكردي من جهة، وتيسر عمليات تصدير نفطه عبر موانئها، بغية اكتساب الأصوات الكردية في تركيا إلى جانب حزب العدالة والتنمية في جملة الانتخابات التي مر ويمر بها، وخاصة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

الدور الكردي في الثورة السورية:

رغم انخراط الأكراد في الفعل السياسي التظاهري المناهض لنظام الأسد بعيد اندلاع الثورة السورية بعدة أسابيع، إلا أن نشاطهم لم يكن توافقياً مع المكون الثوري السوري، بل مستقلاً عنه، ومنقسماً على ذاته في ثلاثة اتجاهات رئيسة، إذ انحاز أنصار حزب العمال الكردستاني إلى نظام الأسد مباشرة، وشكلوا أداة قمعية “شبيحة كردية” في مواجهة الثائرين العرب والأكراد معاً في عدة مناطق شرق وشمال سورية. فيما اختارت نخب كردية العمل السياسي المستقل الرامي إلى الانفصال أو الاستحصال على نظام حكم ذاتي على غرار نظرائهم الأكراد في العراق وبالتنسيق معهم، وهو ما شكل عبئاً تنظيمياً على الأجهزة السياسية للمعارضة السورية، وأدت إلى تشتيت كثير من الجهود في عملية استرضاء لهم لإبقائهم ضمن الإطار السياسي للمعارضة ككل. فيما احتفظت مجموعة صغيرة تم استبعادها لاحقاً بأطر تواصلية مع الحركات الثورية في المناطق الأخرى، دون أن يكون لها كبير أثر في المسار الثوري على نظام الأسد.

ولم تشهد المناطق الكردية، سواء شرق سورية، أو في عفرين شمال حلب، عمليات عسكرية كبرى لنظام الأسد، بل كانت محدودة الزمان والمكان، ليتخلى الأسد للتنظيمات الأكراد لاحقاً عن كثير مؤسسات الدولة، في عملية تقاسم المنافع والسلطة معها. وهو ما كررته داعش في سورية، بحيث ظلت محافظة على خطوط التقسيم الجيوسياسي مع الأكراد في محافظة الحسكة، إلا أن اختلت موازين القوى لتشهد الأيام الماضية عملية تصادم بين الأكراد وداعش في سورية والعراق، وهو ما يبدو أنه محاولة لضبط التوسعية الكردية، وتفعيل منطق المساومات بين الأسد والمالكي معاً من جهة، والقوى الإقليمية والدولية من جهة أخرى.

الدور الكردي في المشروع الإسرائيلي:

من أهم مقومات المشروع الإسرائيلي في العالم العربي، هو عملية إنشاء كيانات ذات هويات دينية وعرقية رديفة على غرار كيانه، وعلى ارتباط مصلحي واستراتيجي به، من خلال تفتيت الكيانات الدولتية القائمة، والسعي إلى الانخراط في علاقات تحالفية معها، تمكنها لاحقاً من الإحاطة بالمكونات العربية الأخرى. وهو ما تسعى إسرائيل إلى إعلاء قيمته منذ اندلاع الثورات العربية، عبر تثقيل العامل العسكري فيها، والضغط على الولايات المتحدة لتأجيل أي تدخل فعال، ينهي حالة الاحتراب المتسعة.

ويعتبر الكيان الكردي، أبرز حلفاء إسرائيل في المنطقة العربية، منذ عدة عقود، سواء على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، أو حتى على صعد الدعاوى التاريخية، حيث لا تتقاطع دولة “كردستان الكبرى”، مع الحلم اليهودي في إنشاء “إسرائيل الكبرى”، بل تلتقي حدودهما على نهر الفرات شمال العراق وشرق سورية.

وقد استحصل الأكراد على دعم لوجستي إسرائيلي متواصل، تعزز منذ إنشاء إقليم كردستان، وهو ما دفع قيادة الإقليم إلى تصدير منتجاتها النفطية إلى إسرائيل، وإقامة علاقات بينية سرية معها، بدأت في حصد نتائجها من خلال دعم إسرائيلي مفتوح لدولنة الإقليم الكردي وتوسيعه.

إذ أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مطلع شهر آب/أغسطس 2014، عن دعمه لقيام دولة كردية متبنياً بذلك موقفاً بدا مخالفاً لما تحبذه الولايات المتحدة بإبقاء العراق موحداً. وقال نتنياهو في معهد (آي.إن.إس.إس) البحثي التابع لجامعة تل أبيب إن هناك انهياراً في العراق وغيره من مناطق الشرق الأوسط التي ترزح تحت صراعات بين السنة والشيعة. وأضاف “علينا أن ندعم التطلعات الكردية من أجل الاستقلال .. إن الأكراد شعب مناضل أثبت التزامه السياسي واعتداله السياسي ويستحق الاستقلال السياسي”. وصرح وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، بأن “قيام دولة كردية شمالي العراق بات حقيقة”. وطالب الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، شمعون بيريز الرئيس الأميركي باراك أوباما، بالاعتراف بدولة كردية مستقلة، لأن الأكراد اليوم يبيعون النفط بشكل مستقل، وهو ما قد يعرضهم لعقوبات قانونية دولية.

وبحسب المقال، الذي كتبه الباحث الإسرائيلي من مركز أبحاث الأمن القومي، عيران عوديد، بالتعاون مع الباحث من مركز “ديان” للدراسات عوفرا بينجو، ونشرت في فبراير/شباط 2013 في صحيفة “هآرتس”، فإن الكاتبين يدعوان الحكومة الإسرائيلية إلى دراسة “الإيجابيات” الكامنة في الخروج من “صندوق” العلاقات مع تركيا ومحاولة الاستفادة من التأسيس لعلاقات مع القوة الكردية الصاعدة. وبحسب المقالة المذكورة، فإنه من شأن كيان كردي مستقر وقوي في العراق أن يكون كنزاً استراتيجياً لإسرائيل، وخصوصاً في حال ارتبط هذا الكيان، بحبل سرة مع الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا، وخلق حضوراً إثنياً مهماً يتمتع بتواصل جغرافي. ويكشف الكاتبان الإسرائيليان أن قادة الإقليم الكردي في العراق صرحوا في أكثر من مناسبة بأنه لا مانع من إقامة علاقات كاملة مع إسرائيل، لكن هناك تخوفاً كبيراً من ردود فعل الدول العربية من إقامة علاقات كهذه مع إسرائيل(7).

وينقل المحلل السياسي تسفي بار إيل عن مصادر مقربة من بيريز أنه أفصح لأوباما عن توقعاته بأن “العراق لن يبقى دولة موحدة إلا إذا تم تدخل عسكري مكثف” هو لا يوصي به. وتابع “أقام الأكراد عملياً دولة مستقلة وديمقراطية بدعم تركي”. وأوضح بار إيل أن ليبرمان قال لجون كيري في لقاء جمعهما في باريس “إن العالم يشهد تفكك العراق، وإن تشكيل دولة كردية مستقلة بات حقيقة واقعة، وهي تستحق الدعم كما هو الحال مع الأردن”. ويتفق المحلل آرييه شافيط مع بار إيل بتأكيده أن “هذه اللقاءات تندرج ضمن مساع إسرائيلية دولية لمساعدة الأكراد في بناء دولة مستقلة يعترف بها العالم”. وأوضح أن ذلك مرتبط باستعداد الأكراد لبناء علاقات مع إسرائيل على قاعدة المصالح المشتركة منذ أن سعوا للاستقلال، ومنذ رغبت إسرائيل في إضعاف العراق كما هو الحال مع جنوب السودان، ولأن “ذلك يضعف العراق وسورية استراتيجياً ويعوض نسبياً فتور العلاقات مع تركيا”. وينوه شافيط أن إسرائيل تستغل اليوم مخاوف دول الغرب من “غول التطرف” الذي يقض مضاجعها، مؤكداً أن “شبكة علاقات سرية ربطت إسرائيل بالأكراد منذ سنوات طويلة”. فيما رحب رئيس المجلس الوطني الكردستاني في سورية شيركو عباس بدعم إسرائيل للدولة الكردية، وقال إن “الأكراد لم يناصبوا يوماً العداء لها، وإنهم المحرك للديمقراطية في الشرق الأوسط”. وقال عباس لموقع “ميدا” الإسرائيلي “إن تاريخاً ومآسي مشتركة تجمع الطرفين”، معتبراً أن “دعم إسرائيل للأكراد سيساهم في بناء حدود آمنة لها”. ويساهم عباس في تفسير الدعم الإسرائيلي السري والعلني المتزايد للأكراد بتحذيره إسرائيل من التردد في دعم الأكراد أو الانتظار، داعياً إياها إلى اغتنام الفرصة “لتحويل سورية والعراق إلى كونفدراليات من خلال مد يد العون للأكراد” (8).

خاتمة:

يبقى للدولة الكردية المنتظرة، أدوار أبعد من حدود التحالف العلني الاستراتيجي مع إسرائيل، في الانتقال إلى المساهمة بعملية تفتيت المنطقة بأسرها، بالاستناد إلى العنصر العسكري، وهو واضح من خلال التصريحات الكردية المطالبة بذلك. مستغلة تفكك المنظومة السياسية والعسكرية في كل من سورية والعراق، وانهيار مقومات الدولة فيها، حتى باتت غير قادرة على ضمان وحدتها.

على أن الكيان الكردي في حال دولنته وفقاً للدعاوى العرقية، لن يكون آخر الكيانات المستحدثة في الشرق الأوسط، بل فاتحة تقسيم دولي (عرقي وديني)، ينتظر المنطقة منذ سنوات عديدة، تمهد له المجازر القائمة في عدة مناطق منه، ويرتبط بعضها بعلاقات سرية مع إسرائيل على غرار الأكراد، ويسعى بدوره إلى الاستحصال على كيانه المستقل.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

المراجع:

(1) توماس هايلاندا إريكسن، العرقية والقومية: وجهات نظر أنثروبولوجية، ترجمة: لاهاي عبد الحسين (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، سلسلة عالم المعرفة 393، أكتوبر 2012)، ص 121.

(2) كاظم حيدر، الأكراد: من هم وإلى أين؟ (بيروت: منشورات الفكر الحر، 1959) ص 14.

(3) للمزيد حول دور النفط في الحراك الكردي، انظر: عبد القادر نعناع، “أدلجة النفط: دور النفط في الصراعات المشرقية”، مركز المزماة للدراسات والبحوث، 13/7/2014: http://www.almezmaah.com/ar/news-view-6099.html

(4) محمود الحوراني،“الأسرار الخفية في العلاقات الكردية–الصهيونية”، المحرر العربي، العدد 423 (بيروت: المطابع الوطنية الصحفية، 21/11/2003)، ص22-23.

(5) المرجع السابق.

(6) دهام محمد العزاوي، “المسألة الكردية في العلاقات العراقية–التركية وأثرها في الأمن القومي العربي”، شؤون عربية، العدد 120 (القاهرة: الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، شتاء 2004) ص 200-201.

(7) “إسرائيل: دولة الأكراد في العراق حليف متعدد الأذرع”، ميدل إيست أونلاين، 29/6/2007، في: http://www.middle-east-online.com/?id=179564

(8) وديع عووادة، “العلاقات الكردية-الإسرائيلية من السر إلى العلن”، الجزيرة نت، 1/7/2014.

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق