داعش وبقية الجماعات المتطرفة والمتشددة: تجريد الدين الإسلامي من سلامه وتسامحه

أكيد أن داعش وبقية الجماعات المتطرفة والمتشددة لا يمثلون الدين الإسلامي، ولكن لماذا أصبحت داعش بهذا الحجم والانتشار الواسع أكثر من القاعدة؟ هل هم صنيعة استخبارات أمريكية كما يقال، إذا قلنا نعم، فإن الصواب يكون قد جانبنا، وإذا قلنا إن المناطق الهشة التي تركتها الاضطرابات العربية خلقت لهم بيئة جاهزة قد تكون الإجابة صحيحة، ولكنها ليست كل الإجابة.

قد يقول قائل إن داعش برزت للوجود بعد السياسات الطائفية التي تمارسها طهران في المنطقة خصوصا في العراق عن طريق وكلائها في العراق وعلى رأسهم رئيس الوزراء العراقي السابق نور المالكي، مما شجع السنة على الانخراط في داعش مكرهة أو محبطة قد يكون ذلك صحيحا أيضا، وقد تكون إيران تركت داعش تسيطر على الموصل والأنبار لتنفيذ مخطط تقوية الحشد الشعبي وهي الفتوى التي استثمرتها وسيستها إيران التي صدرت من السيستاني لمحاربة داعش.

لكن هناك عدد كبير من الأسئلة منها لماذا لم تشارك القوات الجوية الإيرانية في ضرب داعش في العراق وسوريا، يمكن للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بوقف الضربات الجوية في العراق حتى انتهت الاتفاقية النووية ما عدا ضربات منتقاة لحماية الأقليات والأكراد بشكل خاص، وبدأ التحالف بضرب داعش بعد توقيع الاتفاقية النووية.

 ليس لدى إيران مانع من أن تستعين القوات العراقية بقوات تركية، لكن تركيا لا تود أن تخدم إيران، ولا تود أن تخدم الأكراد في سوريا خدمة للمشروع الانفصالي الذي ينون الإقدام عليه، بينما إيران حريصة على إبعاد النفوذ السعودي عن العراق، حتى يبقى العراق تحت الهيمنة الإيرانية.

رغم أن هناك أصواتا عراقية تطالب بعودة العلاقات السعودية العراقية، لأن السعودية لديها تجربة قوية في ضرب القاعدة في السعودية، ولكن في نفس الوقت لا تريد السعودية أن تخدم مشروع الحشد الشعبي وكلاء إيران في العراق، بل تريد أن تساهم إلى جانب الجيش العراقي، وتطالب بتسليح السنة التي يهدد مناطقهم داعش، للدفاع عن مناطقهم، حتى لا يستبيحها الحشد الشعبي كما استباح تكريت من قبل بعد تحريرها من داعش وممارسة تطهير عرقي أو انتقامات طائفية.

إذا اعترفنا بأن داعش ورقة سياسية يستخدمها الجميع ضد الجميع، وهو ما يفسر أسباب بقاء داعش وتمدده، يبقى السؤال كيف نجح داعش في استقطاب أعداد غفيرة من جميع أنحاء العالم؟ وكيف نجح في تنفيذ استراتيجيته الانتحارية التي تحقق له التقدم والتمدد والانتشار؟ قد تكون الإجابة سريعة وهو يستخدم الانتحاريين الصغار في السن وحتى النساء قد يكون حتى بالإجبار والطرق كثيرة في استخدام هذا النوع الخطير لاقتحام نقاط الاشتباك وإيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى يدخل الرعب في أنفس أعدائه حتى يبدو أن شوكته قوية ويعيش حالة من الوهم بينما في الحقيقة تستخدمه الدول الإقليمية والدولية ورقة تقاتل به من دون أي تنسيق يذكر.

فمثلا إيران تجند مليشيات الزينبين والفاطميين الشيعة في سوريا لتقوية دفاعات نظام الأسد آتين من مناطق في آسيا الوسطى من باكستان وأفغانستان بسبب فقرهم الشديد والبطالة التي يعانون منها بعد أن وجدوا رواتب تؤمن لهم معيشتهم، بخلاف داعش التي تستقطب أطباء ومهندسين من جميع أنحاء العالم، وهو ما يحير الكثيرين في تقصي أسباب هذا الالتحاق بداعش، أكيد بسبب خطاب التمكين، وإحياء فريضة الجهاد الغائبة، أي استثمر داعش في الجهل بالدين، لكن في المقابل كيف يلتحق مثل هؤلاء بداعش وهم يرون الذبح والقتل الذي يمارسه داعش؟ رغم أن كثيرا منهم بعدما التحق بداعش وعرف الحقيقة الغائبة عنه قبل التحاقه وعرف أنه تم التغرير به حاول الفرار ولكنه وجد حتفه.

لا يمكن أن نشك في أن خطاب التشدد الذي ابتعد عن التسامح كان أحد الأسباب الرئيسة في دعم التطرف، رغم أن مثل هذا الخطاب لا يؤيد ممارسات داعش الذي فرغ الدين الإسلامي من روحه التي ركيزته السلام والتسامح.

وجدت داعش مناطق هشة حولتها إلى حواضن يتم فيها تفريخ الإرهاب كالمصيدة التي يتم نصبها كفخ للفريسة، استخدم ورقة سياسية يتم تحريكه وفق إرادات إقليمية ودولية، لكن التأويل الفاسد الذي يتبناه الداعشيون وهم الفريسة التي يستخدمها الجميع ذكر لنا القرآن الكريم صفاتهم في قوله تعالى (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العالم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب)، (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)، لأن الآيات المتشابهات تحتاج إلى تأمل ونظر وحمل لها على ما كان واضحا بينا، ولا يتمكن من تأويل الآيات إلا العلماء الراسخون في العلم، وليس أعضاء داعش.

والتطرف متجذر في الأمم خصوصا إذا ما وجد الفرصة المواتية، ولم يجد ردعا ومحاسبة، فمنذ عصر الرسول أتى رجل من بني تميم يقال له ذو الخويصرة فوقف على الرسول صلى الله عليه وسلم في حنين حينما كان يوزع الرسول صلى الله عليه وسلم قسما (فقال يا رسول الله اعدل فغضب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون)، فقال عمر بن الخطاب ألا نقتله، ( فقال صلى الله عليه وسلم دعوه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح فلا يوجد شيء، ثم في الفوق فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدم).

وحكمة الله سبحانه وتعالى في البشر تحقيق سنة التدافع ضد الزيغ والفساد حتى ولو كان الزيغ والفساد يرتكب باسم الأديان، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القرى وينهى عن الفحشاء والمنكر) فالأديان لا تأمر بالفساد (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)، ولولا هذه الحكمة التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعباده، كان الله قادر على أن يجعل الناس كلهم أمة واحدة على دين واحد دون أن يكون فيهم زيغ أو فساد، ولكنها تخالف حكمة الاستخلاف في الأرض (ولو شاء الله لآمن من في الأرض كلهم جميعا)، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).

ويدعو ديننا الإسلامي إلى التعايش مع جميع الأمم كما في قوله تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)، وكل الأنبياء والرسل دعوا إلى الإسلام (إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي، والأنبياء أولاد علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد)، ولكن الإسلام لا يفرض بالإكراه على أحد (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي)، بينما مسؤولية المسلمين هي إبلاغ الرسالة لإقامة الحجة على الناس (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)، (ما عليك إلا البلاغ)، (لست عليهم بمسيطر).

ووضع الله سبحانه وتعالى وسائل هذا البلاغ في قوله (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)، (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم)، (ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).

ولغة القران الكريم لغة اللين التي يجب أن يقتدي بها المسلمون عند التبليغ، وبدأت الآية بأهل الكتاب، وليس بالكفار، وأن يكون البلاغ بالحكمة وبالموعظة الحسنة، وإذا لم يستجيبوا، فعلى المسلمين أن يشهدوهم على أنهم مسلمون دون إكراههم، وفي نهاية الجدال والحوار وجب احترام رأيهم حتى ولو كان الكفر (قل من يرزقكم من السموات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين)، أي نهي الإسلام أن يكون البلاغ فيه شئ من تجريح الآخر في دينه أو النيل منه (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم)، هذا منتهى سماحة الإسلام مع الآخر، فمن باب أولى أن يكون التسامح مع المذهب الآخر داخل حظيرة الإسلام وفق قول الله (لكم دينكم ولي دين) أي لكم مذهبكم ولي مذهبي، ولي مقال من التقريب إلى الحوار بين المذاهب، كي لا يفرض أحد رأيه على المذهب الآخر.

يخلط الداعشيون كثيرا في آيات القتال (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين)، والقتال يكون فقط لمن يقاتلنا أيا كانت ديانته حتى لو كان من المسلمين المعتدين (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، وأمر الله المسلمين لمن يقاتلوهم التوقف عن القتال إن جنحوا للسلم (وإن جنحوا للسلم فأجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم)، بينما يخلط الداعشيون بآية القتال في شبه الجزيرة (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وهي آية خاصة بالجزيرة العربية، كما في الحديث في صحيح البخاري (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، وحديث عائشة (لا يجتمعان دينان بجزيرة العرب) لذلك أصر الصديق على مقاتلة المرتدين في جزيرة العرب تصديقا وتنفيذا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان الدين الإسلامي دين سلم وتسامح، ولكنه ليس دين استسلام، فأمر المسلمين بإعداد العدة (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) وعبارة ترهبون ليس معناها الإرهاب، كما يعتقد البعض، بل هي قوة ردع تمنع الاعتداء، ومعنى القوة في الآية الاهتمام بجميع أنواع النشاطات الاقتصادية والتنموية التي تدفع إلى بناء القوة العسكرية.

ولم يترك الرسول صلى الله عليه وسلم حماية البناء المجتمعي، إذ عزز من السلم فيه ورفضه العنف أيا كان، فعندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر الغفاري (يا أبا ذر إذا كانت عليك أمراء يستأثرون بالفئ؟ فقال أبو ذر والذي بعثك بالحق أضرب بسيفي حتى ألحق به فقال أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ أصبر حتى تلقاني).

هذا هو ديننا الإسلامي دين الرحمة والسلم والتسامح والتعايش، الذي جرده الداعشيون والمتطرفون من كل تلك المعاني السامية، ويريدون أن يحققوا نبوءات يمينين متطرفين غربيين، بأن الدين الإسلامي دين إرهابي يدعو إلى الإرهاب يجب محاربته.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق