داعش: المشروع الإقليمي الدولي … ورقة تتحكم فيها واشنطن

لا يوجد اليوم في العالم العربي من يصدق بأن أمريكا يمكنها تحويل العالم العربي إلى جنة من الديمقراطية، وأكبر مثال على ذلك متلازمة العراق تتحكم في سياسة واشنطن بسبب جدال داخل الولايات المتحدة منهم من يرى بسبب أخطاء أمريكا في العراق، بينما البعض الآخر يعتبر العراق جزء من استراتيجية الولايات المتحدة ما بعد الحرب الباردة.

يحق لدول الخليج ألا تثق في مواقف الولايات المتحدة، بسبب أن مستشار الأمن القومي الأمريكي زيغنيو برزيزينكسي في زمن الرئيس كارتر أكد مواقف الولايات المتحدة للشاه في مواجهة الثورة الإيرانية، حتى ولو كان بالتدخل العسكري، لكن في نفس الوقت قرر بعض رفيعي المستوى في وزارة الخارجية الأمريكية بأنه يجب أن يرحل الشاة بغض النظر عمن يحل مكانه.

بالطبع لم يفِ كارتر بوعوده، وتسلم خميني السلطة في 12 فبراير 1979، ما يعني أن الولايات المتحدة كانت تواجه الاتحاد السوفيتي بالمشاريع الأيديولوجية، لوقف تمدد السوفيت، ما جعل السوفيت يرد على تلك الخطوة، باحتلال أفغانستان في 25 ديسمبر 1979، وبدأت الولايات المتحدة بمواجهة السوفيت بالمقاومة الإسلامية المسلحة (الجهاد الإسلامي سمي فيما بعد بالقاعدة وأصبحت ورقة تتخاطفها الدول) بنقل مجاهدين من السعودية والباكستان وبدعم لوجستي من دول أخرى أوربية وكذلك الصين، حتى خرجت القوات السوفيتية من أفغانستان عام 1988، وكان آخر خروج لها بشكل رسمي عام 1989.

بعد نهاية الحرب الباردة عام 1991، احتل صدام حسين الكويت بإيحاء من أمريكا، استثمرت الولايات المتحدة نظام حكم الفرد في العراق مثل بقية المنطقة العربية حتى أخرجه التحالف الدولي في زمن بوش الأب عام 1991 بطلب السعودية وبقية دول الخليج.

أعلن عن بداية نظام دولي جديد، وسميت بحرب الخليج الثانية، وتم الحفاظ على نظام صدام حسين مجرداً من أي قوة حتى يستمر كطعم مستقبلي، وبالفعل استكمل بوش الابن ما بدأه أبوه بعد أحداث 11 سبتمبر، واحتل أفغانستان والعراق عام 2003.

 ولعب بوش الابن على الأطماع التاريخية لإيران، وبدأ الصراع بين المكونين الكبيرين في المنطقة السنة والشيعة، لتدمير المنطقة وليس لتقسيمها كما يعتقد البعض.

بعض الساسة الأمريكيين يعتبرون أن هناك أمرين متشابهين مهمين مع فيتنام، ويعتبرون احتلال العراق غلطة تؤثر في سياسة الولايات المتحدة لجيل كامل، على عكس فيتنام التي لم تشكل تهديدا مباشرا على الولايات المتحدة، بينما العراق يمثل تحديا حيا على مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

ويعتبرون أن العراق بالنسبة للولايات المتحدة أصبح بمنزلة اختبار حقيقي لوجهة نظر أي مرشح، خصوصا بعدما أصبح عدد الجثث السياسية من العراق هي الأعلى بين الجمهوريين، مثلما حولت الحرب الفيتنامية الحزب الديمقراطي من السياسة الدولية القوية لهاري ترومان إلى قلعة افتراضية من دعاة السلام، ومن ضمنهم أوباما الذي يظهر بمظهر الحمائم بالنسبة لبوش الابن، لكنه يشهد تشويها تلحق بالمنطقة قد يفوق تشويهات بوش الابن التي ألحقها بالمنطقة.

أصبح العراق اليوم مصدر قلق أمني بالنسبة للولايات المتحدة، ويعتبر العديد من العسكريين الأمريكيين أن أوباما ارتكب خطأ تاريخيا عندما سحب القوات الأمريكية من العراق عام 2011، وقام من دون قصد بالمساعدة في تعزيز النفوذ الإيراني، والتسبب في جعل سنة العراق بين المطرقة والسندان، ولم يكن أمامهم خيار سوى الالتحاق بداعش، لحمايتهم من الحشد الشعبي المدعوم إيرانيا زمن حكومة المالكي، ولا يزال المالكي يقود قوات الحشد الشعبي، وإن كان هادي العامري الرئيس الظاهر وهو رئيس منظمة بدر الشيعية التي كانت تقتل على الهوية ومارست فرزا طائفيا.

 بعدما شكلت الولايات المتحدة الصحوات من أبناء عشائر الأنبار وحاربوا القاعدة عام 2006، وحموا القوات الأمريكية من استهداف قواتهم من القاعدة، لكن لم تستمر الولايات المتحدة في حمايتهم بعد خروجها من العراق، ورفض المالكي أن يستمروا قوة في مواجهة الحشد الشعبي، وتم تجريدهم من الأسلحة، كما رفض أن يضمهم إلى الجيش العراقي حتى يبقى الجيش بولاءات ضيقة تتبع المالكي مثل الجيش اليمني الذي كان يتبع في ولائه لعلي عبد الله صالح وظفه لخدمة أغراضه الخاصة ضد الشعب اليمني في الأزمة الحالية التي يعاني منها اليمن برعاية إيرانية.

كثير من السياسيين في الولايات المتحدة يرون أن داعش والإرهاب أقل خطورة من الصين، وهي أكبر دولة منافسة لها في الشرق الأوسط، ولكن الصين تتمدد بطرق ناعمة وحكيمة، مثلما تعتقد السعودية أن التمدد الإيراني عبر وكلائها في المنطقة لمحاصرة دول الخليج يمثل خطرا أكبر من داعش، ولذلك وحدها أمريكا التي تستطيع إزالة متلازمة العراق الخاصة بها، ولكن لماذا تصر على بقاء داعش واستخدامها كورقة ضد الجميع لصالحها وهي بعيدة عن المنطقة؟

الولايات المتحدة لم تعد قادرة على الوفاء بوعودها الضخمة التي قطعتها على نفسها لمنطقة الشرق الأوسط، وليست لديها مغامرات خارجية كبرى، بسبب أن الناخبين الأمريكيين غير مهتمين بالشرق الأوسط، لذلك يحاول الساسة الأمريكيون أن يركزوا على خطر داعش، ولكن فاجأتهم عاصفة الحزم، التي أربكت الخطط الأمريكية، ولكنها حاولت احتواء الصحوة والضغوط الخليجية التي أعقبت عاصفة الحزم في قمة كامب ديفيد.

كيف تلعب الولايات المتحدة بورقة داعش على طرفين إقليميين هما إيران والسعودية؟ رغم أن هناك تحالفا متشكلا من 65 دوله تقوده الولايات المتحدة في محاربة داعش وهي غير قادرة على دحره في العراق وسوريا فقط من أجل الحصول على تنازلات من الطرفين لصالحها.

منطقة الأنبار وخصوصا النخب التي تشرف على الطريق الذي يصل العمق العراقي بالعمق السوري ومحاذاتها للسعودية، وهي تخلق حزاما حمائيا لكربلاء، فانسحاب الجيش العراقي بليل من الرمادي، والتخلي الكامل عن قوات الصحوة التي لا تمتلك من العتاد الكامل لمواجهة داعش الذي يمكن أن ينتقم منها نتيجة محاربة القاعدة عام 2006.

سقوط الرمادي بيد داعش هو بمثابة اسقاط لمشروع أوباما بتسليح السنة والإشراك الفعلي والفعال للعشائر السنية كبديل عن الحشد الشعبي، بعدما أثبت الحشد الشيعي ارتكابه جرائم طائفية في تكريت، فيما يبدو أن أوباما يوجه ضربة موجعة لطهران تمثلت بخسارتها للامتداد البري مع سوريا لمد النظام السوري بالقوات والدعم اللوجستي، بعدما بدأت مرحلة جديدة من الأزمة السورية لصالح المعارضة.

لكن بعد انسحاب الجيش فجأة من الرمادي، رغم أن وزير الدفاع سني، لكن ولاءات الجيش هي للمالكي، الذي لا يزال حاضرا وبقوة في المشهد العراقي برعاية ودعم إيراني، بينما العبادي واجهة لا يمتلك من الأمر شيئا، ولا تريد إيران أن يحقق العبادي أي انتصار في الأنبار دون موافقتها أو دون مشاركتها.

 لم يكن هناك بد من دخول الحشد الشيعي بعد اضطرار العشائر السنية بالموافقة بدلا من تركهم لهمجية داعش، إنها لعبة أمريكية من أجل تمرير الموافقة النووية، وكأن الأمر طبيعيا، ومن دون إرادة الولايات المتحدة، ما يثبت التحالف الخفي بين الولايات المتحدة وإيران، قد يكون مرحليا، حتى يتم توقيع الاتفاقية النووية، وقد يكون استراتيجيا طويل الأمد، وبذلك تكون إيران قد حققت أهمية استراتيجية في تبديد القوة السنية، وتصفيتها، وإضعافها، وهيمنة الحشد الشيعي الموالي لها في العراق لتبديد أهداف عاصفة الحزم.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق