خطاب الإرادة الدولية

سبعة أشهر هي الفاصل بين خطاب الأسد السابق، وخطابه الأخير يوم الأحد، كانت أشهد الأشهر عنفا، وأكثرها دموية في الداخل السوري. أشهر لم تنفك فيها جهود دولية لإيجاد تسوية سياسية ترضي كل الأطراف، عبر الإبقاء على الأسد في أية تسوية لمرحلة انتقالية.

لكن الجهد الدولي هذا، لم يلحظ أبدا، حجم الدمار والدماء التي سالت طيلة قرابة عامين، وكان عاجزا عن إيقاف أو ردع قوات الأسد عن ذلك، إن يكن في الأصل غير راغب في تقديم أي جهد لتخليص الشعب السوري من معاناته، وخاصة بعد توضح حجم صراع المصالح الدولية بين القوى الكبرى وبين القوى الإقليمية في سوريا.

ومن الملاحظ في هذا الخطاب، استمرار حالة الإنكار لدى الأسد، وإصراره على أن ما يجري في سورية، هو عمل إرهابي استُقدم إلى سوريا، عبر تمويل خارجي، لم يتطرق إلى أصحابه بالاسم كما اعتاد سابقا. وتأكيده على المضي في حالة العسكرة في مواجهة المجتمع السوري، طارحا مبادرة، هي بالأصح مطالب أركانه، عبر إنهاء الآخر لتمويل الإرهاب، وعقد جلسات حوار تحت سقف نظامه، تؤسس لمرحلة يرعاها، مع إعطاء الحق لذاته في استمرار العمليات العسكرية تحت ما يسمى “محاربة الإرهاب”.

إن إصراره على التأكيد على أنه يواجه إرهابا تكفيريا (القاعدة) مستوردا من الخارج، يبرر له أمام الغرب والشرق، كما يعتقد، حجم التوظيف العسكري لقمع الثورة. وخاصة أن خطابه في ذلك أتى توافقا مع التصنيف الأمريكي لجبهة النصرة بالإرهابية، والتحذير الأمريكي من خطر القاعدة المتنامي في سوريا.

خرج الأسد في خطاب لمناصريه، بعد جولات قام بها الأخضر الإيراهيمي، المبعوث العربي والأممي إلى سوريا، اعتبرها الإبراهيمي أنها تخدم الشعب السوري، لعل الأسد فهم ذلك من الإبراهيمي، ليخرج بمبادرته، التي قد تدفع قوى دولية، للمناورة حولها، تحت شعارات الحل السياسي، وحماية الأقليات، والانتقال الديمقراطي.

إن الإرادة الدولية، غير عاجزة عن مساعدة الشعب السوري في التخلص من نظام الأسد، والانتقال إلى بناء الدولة الديمقراطية، لكن هذه الإرادة غير راغبة في ذلك، لتقاطع مصالحها مع نظام الأسد، ومحاولتها المحافظة على تعزيز تلك المصالح قبل التخلص من الأسد.

فمن خلال مبادرة الأسد، فإنه يلغي تماما كل الجهود الدولية السابقة، الرامية لإيجاد تسوية سياسية للأزمة السورية، وما كان له ذلك، إلا بموافقة من القوى الداعمة له على الأقل (روسيا والصين وإيران)، واستحضار مزيد من الحل العسكري، عبر دفع البلاد نحو مزيد من الفوضى والإجرام.

ويمكن القراءة فيما خلف الخطاب، عن تغاضٍ دولي قادم، عن تسليح روسي وإيراني واسع جديد لقوات الأسد، تؤهله لمزيد من الجرائم والمجازر على الأرض، وخاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرته، أو على خط التماس الطائفي الممتد من إدلب شمالا إلى حمص في وسط البلاد.

وتأكيدا لذلك، فإن الدعم العسكري الروسي والإيراني متواصل بكل أشكاله منذ اليوم الأول للثورة السورية، فيما تعاني كتائب الجيش الحر من شح التمويل المالي والعسكري، ومحاولة ربطها بأهداف وجهات محددة، وإجبارهم على التراجع عدة مرات عن مناطق سيطروا عليها، نتيجة نفاذ ذخيرتهم.

فالقوى الدولية المتصارعة على المصالح في سوريا، تجد في دعم أطراف معينة في الصراع الدائر حاليا، فرصة لتعزيز موقفها التفاوضي فيما بينها، والضغط على المنافس لها، بغية تحصيل مكاسب أكبر، سواء أكانت مكاسب سياسية أو اقتصادية أو عسكرية.

وخاصة أن سوريا، تمثل اليوم تحدي القطبية الدولية بين روسيا والولايات والمتحدة، ففي حين تسعى روسيا من خلال الأزمة السورية إلى إعادة تموضعها السياسي دوليا، فإن الولايات المتحدة تتشبث من خلال ذات الأزمة بانفرادها بالقرار السياسي الدولي.

كما تعتبر سوريا، مطمعا لشركات إعادة الإعمار، وخاصة أن حجم الدمار في البنية التحتية، يقارب 200 مليار دولار حتى الآن، وهي مبالغ قد تنقذ اقتصاد عدة دول في حال حصولها على صفقات إعادة الإعمار. عدا عن حقوق استثمار النفط والغاز القادم، وعقود إعادة تسليح الدولة، بعد استنزاف مخزونها من السلاح.

كما يشكل مزيد من إنهاك سوريا، وتفكيك الدولة فيها، ضمانا أمنيا للكيان الإسرائيلي، بعدم محاصرتها بين قوتين ثوريتين عربيتين (سورية ومصر)، وخاصة في حال وصول الإسلاميين إلى سدة الحكم في سوريا، مما قد يفتح المجال أمام تنسيق معهود سابقا بين سوريا ومصر في قضايا السياسة الخارجية.

خطاب الأسد الأخير، هو دعوة للحفاظ على هذه المصالح الدولية، مقابل استمراريته في السلطة، وإفساح البيئة الدولية أمام قواته لترتكب مزيدا المجازر.

يبقى التعويل الأكبر، على قوات الجيش الحر، عبر ما تغنمه من سلاح، بعيدا عن كلفة التمويل الخارجي السياسية، عبر اعتماد تكتيكات أكثر فعالية، وتوحيد جهود كافة الفصائل، لفرض الحل السوري الخالص على الإرادات الدولية، وتجنيب سورية ارتهانا قد يطول لعقود، لقوى تحاول فرض إرادتها. وهو ما يتوجب على الائتلاف الوطني العمل على إنجازه سريعا، بعيدا عن تسول التدخل الخارجي، غير الراغب أصلا في التدخل حاليا.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن أورينت نيوز

الوسم : الأسدسورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق