حلم الميليشيات الانقلابية في اليمن الذي لم يكتمل

كل من يتابع الشأن اليمني سيحكم على المليشيات الحوثية وعلي عبد الله صالح الذي حكم اليمن فترة 33 عاما غير قادرين على إدارة الأزمة اليمنية التي صنعوها بأيديهم لالتقاء مصالح مزدوجة ليست متطابقة، حتى بعدما شكلت السعودية تحالفا عربيا وإقليميا، ونجحت في استصدار قرار أممي رقم 2216 يؤيد عملياتها في اليمن.

رغم ذلك كانت أيادي الحكومة الشرعية ممدودة للمتمردين للسلام، ولكنهم لم يستغلوا تلك الفرصة، بل هم كانوا يريدون أن يفرضوا سطوتهم وشروطهم، وأن تتعامل معهم الحكومة بناء على الأمر الواقع، باعتبار أنهم أسياد المرحلة والواقع، وأصابهم الغرور والتضليل بمقولات بأن اليمن مقبرة المصريين، ومن قبل مقبرة الغزاة، كما أنهم لم يكتفوا بالسيطرة على صنعاء، بل تعدت سيطرتهم إلى عدن التي لم تترك أمام السعودية وبقية دول الخليج خياراً أمام هذا العدو الجديد في جنوب بلادهم.

يعول الحوثيون وعلي عبد الله صالح، على كثافة المقاتلين، خصوصا من صغار السن تحت السن القانوني، وضخهم في جبهات القتال، التي لن تؤدي إلى تغير استراتيجي على الأرض، وعولت كذلك على نشر الألغام العشوائي الذي يعيق تقدم قوات التحالف، بجانب أمل دبلوماسي دولي يعولون عليه بأن صنعاء خطا أحمرا على قوات التحالف، قد يكون فخا نصبته لهم إيران، من أجل منع تسليم الحوثيين وعلي عبد الله صالح لقوات التحالف، لإشغال قوات التحالف في اليمن عن جبهة سوريا.

بعد سيطرة قوات التحالف على سد مأرب التاريخي الذي لم يتوقعه المتمردون، بأن يسقط بهذه السهولة، ما يعني أن هناك سيطرة قوات التحالف على طرق الإمدادات،  ولم تعد هناك خطورة على جبهة صرواح، خصوصا وأن صرواح توجد فيها حاضنة كبيرة للمقاومة، ما أدى إلى استنفار حوثي في صنعاء، وهلع بعد سيطرة التحالف على سد مأرب.

تتعامل دول التحالف مع المتمردين بأسلوب الصدمة والتشتيت والاستنزاف، ومحاولة عزل صنعاء، وتفريغها من الأسلحة، خصوصا وأن تشتت جبهات الانقلابيين يحتاجون إلى الإمداد من السلاح المخزن في ضواحي صنعاء تحت الأرض هربا من ضربات التحالف، لكن عندما يتم إخراجه لإمداد جبهات قتالهم، يواجهون بضربات مكثفة للإمدادات، ولمواقع تخزين السلاح.

حاول المتمردون بعد سيطرة التحالف على سد مأرب، إرباك قوات التحالف،، والعودة إلى لودر في أبين ولحج والالتفاف على المقاومة في الوازعية غرب تعز، وممارسة حرب انتقامية من شعب تعز، ومحاصرة تعز والطريق إلى عدن.

حققت قوات التحالف بعد سد مأرب بعملية نوعية للقوات المشتركة بتحرير باب المندب وجزيرة ميون في البحر الأحمر، إذ يعتبر باب المندب الاستراتيجي، من أهم الممرات البحرية في العالم، أصبحت الملاحة الدولية فيه آمنة.

تحرير باب المندب من قبضة الحوثيين أحدث لهم ارتباكا كبيرا في صفوف الجماعة الشيعية نظرا لما تمثله الهزيمة من خسارة فادحة سياسيا واقتصاديا، ما يمثل انكسار الخيارات الاستراتيجية للجماعة وخسارتها في صراعها الداخلي، ما جعلهم يتوهمون باختراق جيزان ونجران وعسير، وهو تسويق لقدرتها على مهاجمة الأراضي السعودية بعدما عجزت عن مجاراة نسق القتال مع قوات التحالف بقيادة السعودية.

هناك أربعة جبهات تسير فيها عمليات القتال، فبعد تحرير باب المندب تتجه العمليات القتالية نحو المخا، حيث أن المخا وباب المندب تمثل الجبهة الغربية، وتم تحييد الساحل منذ بدء التحالف ضرباته الجوية في اليمن، والبدء بحصار بحري، وتأمينه من وصول أي سلاح مهرب إلى المتمردين.

ولكنهم متواجدون في الساحل، ما جعل إيران تستخدم مواطنيها دروعا بشرية في تهريب السلاح، فتم إيقاف سفينة هوجان حوت إيرانية، من قبل قوات التحالف، كانت في طريقها إلى اليمن في 30/9/2015 في بحر العرب، وعلى بعد 150 ميلا جنوب شرقي صلالة العمانية، وعلى متنها شحنة أسلحة، تماثل الأسلحة التي ضبطت في جيهان1 وجيهان 2 عام 2013، احتوتا على شحنة كبيرة من الأسلحة

وهناك جبهة شرقية من جهة مأرب والجوف باتجاه صنعاء، وطائرات التحالف تستهدف جسر عقد عصفرة، حتى تعزل صنعاء عن ميناء الحديدة، وهناك تعزيزات عسكرية تصل إلى الجبهة الجنوبية في تعز من عدن للمشاركة في تحريرها من المليشيات.

استراتيجية التحالف ليست بالزحف الأرضي، بل بعمليات جوية مكثفة لتدمير المتمردين بجانب الحصار، وقطع خطوط الإمداد والتمويل، وتقطيع أوصال المليشيات الحوثية وقوات المخلوع صالح في عدد من المحافظات، حتى أصبح المتمردون الآن في موقع دفاعي، خصوصا بعد قطع طرق التمويل، وخنق صنعاء المحاطة بسبع محافظات، في عمران وذمار والمحويت وحجة، ما يجعل حلم المليشيات لم يكتمل، بل بدأوا يكتشفون الوهم الذي يعيشونه ويمنون به أنفسهم يوما بعد يوم.

 

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق