حزب الله اللبناني ذراع إيران في سورية: دوافع الحضور ودواعي الانسحاب

ترتبط سورية وإيران بعلاقة استراتيجية ومعقدة، فسورية كانت معبراً آمناً للنظام الإيراني في توصيل الأسلحة والدعم إلى وكلائه في المنطقة من أمثال حزب الله في لبنان، وتقدم القيادة الإيرانية الحالية وعلى أعلى المستويات أنواعاً عديدة من الدعم للنظام السوري، وتعد إيران بالإضافة إلى روسيا، أهم مصدر للأسلحة التي يستعملها الجيش السوري في قمع الثورة الشعبية في سورية، كما أرسلت إيران عدداً من قادتها العسكريين لتدريب القوات السورية، والأهم من ذلك كلّه هو دعم حزب الله اللبناني وتقويته لتجنب سقوط نظام حليفها السوري بشار الأسد.

حضور حزب الله في سورية ومبرراته:

تميزت العلاقة بين حزب الله وسورية بخصوصية واضحة منذ عُقِد اتفاق الطائف، وزاد من خصوصية تلك العلاقة أنّ سورية لم تتوقف عن دعم الحزب، ولا ينفي حزب الله تلقيه الدعم والمساعدات من سورية، أمّا العلاقة مع إيران فيتداخل فيها البعد السياسي مع الديني والاستراتيجي، وبعد قيام الثورة السورية في عام 2011، اتخذ حزب الله اللبناني قراره بالمشاركة إلى جانب النظام السوري، وقد تطور تدخل الحزب في محاولة قمع ثورة الشعب السوري من الدور الاستشاري إلى التورط الفعلي المباشر بإدخال قناصين ومقاتلين على الأرض، رغم استمرار قيادة الحزب في إنكار المشاركة المباشرة في قمع الثورة، بحجة عدم حاجة النظام السوري لمساعدته، مع وجود شهادات كثيرة تثبت وجود قناصين تابعين للحزب يشاركون في حصار مدينة حمص القديمة، إلا أنّ الأمين العام للحزب حسن نصر الله عاد وأعترف في 25 مايو 2012 بمشاركة مقاتلي الحزب في المعارك الدائرة في القصير آنذاك، وهي المعارك التي أدت إلى سقوط المدينة في أيدي القوات الحكومية في شهر يونيو ووقوع مجزرة ضد المدنيين هناك (1).

 يسوق المدافعين عن وجود حزب الله في سورية عدداً من المبررات والذرائع الواهية، تتعلق بحماية الحدود اللبنانية من الجماعات المسلحة الإرهابية هناك، إضافة إلى حماية لبنان واللبنانيين، وطالما شرح الحزب أنّه لولا هذا التدخل لكنا شهدنا السيارات المفخخة تجتاح القرى والمدن اللبنانية، وكان الشعب اللبناني يُذبح كالنعاج، ولكانت الخسائر أكثر بكثير، ولكان لبنان مسرحاً لنشاط الإرهاب التكفيري، إضافة لمبررات تنبع من أنّ سورية تتعرض لعدوان ومؤامرة يستهدفان محور المقاومة (2)، لكنها ذرائع واهية وتبدو الأسباب الكامنة للتدخل دوافع دينية وطائفية واستراتيجية بالدرجة الأولى.

أهم مناطق وعمليات وأنشطة الحزب:

وجهت اتهامات عديدة لحزب الله بالمشاركة في قمع المحتجين السلميين في سورية منذ بداية الثورة في منتصف شهر مارس 2011، إلا أنّ هذه الاتهامات لم تسندها الوثائق والأدلة، كما أنّ الحزب استمر بتجاهلها حتى أغسطس من العام ذاته، من خلال نشر خبر عن تشييع قتيل من الحزب بمنطقة زحلة شرقي لبنان.

اتخذ مقاتلو الحزب من المزارات ومكاتب المرجعيات والأحياء الشيعية في دمشق ومحيطها مراكز تجمع لهم، وينطلقون منها لشن هجماتهم على المدنيين والجيش الحر، خاصة في منطقة الحجر الأسود بالتعاون مع قوات النظام والشبيحة تحت ذريعة الدفاع عن المزارات الدينية الشيعية المقدسة.

وتعد منطقة الزبداني وما يجاورها، من أهم المناطق الاستراتيجية ليس للنظام السوري فحسب، وإنّما للنظام الإيراني وحزب الله أيضاً، إذ تعتبر المنطقة بسبب موقعها الجغرافي، الممر الحيوي والشريان الأساسي للإمدادات التي كان يتم إرسالها من إيران عبر سورية إلى حزب الله، مما دفع الحزب إلى تكثيف معاركه محاولاً السيطرة عليها ولكنه في النهاية اكتفى بمحاصرتها من الطرف اللبناني، كما تم تسجيل حضور لمقاتلي الحزب في منطقة بصرى الحرير بمحافظة درعا مؤخراً (3).

شارك حزب الله في عدد من المعارك إلى جانب النظام السوري، وأشهر تلك المعارك هي معركة القصير، وتم توثيق العديد من حالات الإعدام الميداني في مدينتي القصير والنبك، قام بها عناصر تابعون لحزب الله، وتوثيق جريمة حصار مدن وبلدات جنوب العاصمة وأبرزها بيت سحم وببيلا (4).

وأبرز حزب الله قدرات مهمة في الحرب إلى جانب النظام، فقواته في سورية تتكون في الأساس من قوات المشاة الخفيفة التي يمكن الاعتماد عليها في تنفيذ المهام الهجومية والدفاعية في مناطق مهمة للنظام، وقد تولى الحزب أنواعاً من المهام العسكرية في سورية منها، التدريبي والاستشاري والقتال المباشر، وفقاً لما شُوهد في مدينة القصير (5).

وبالإضافة إلى عدد قواته ساهم الحزب في تدريب نحو 50 ألفاً من القوات السورية غير النظامية، وجعل أدائها حاسماً لبقاء النظام وتمكينه من حسم عدد من المعارك في جبهات مختلفة، فقد استعاد الحزب قدرة النظام على القيام بعمليات هجومية كبيرة، وكان له دورٌ أساسي في نجاح النظام في محافظة حمص وريف حلب ودمشق وضواحيها.

تناقض التقديرات في حجم وجود حزب الله في سورية:

تعهد حزب الله بتخصيص قواتٍ كبيرة في سورية، لكن تحديد العدد الفعلي لتلك القوات المشتركة في الصراع يعد أمراً في غاية الصعوبة، وقد ورد في الأنباء أنّ أعلى عدد تقديري لقوات الحزب التي تم التعهد بها للقتال في سورية قد بلغ نحو 10,000 مقاتل، لكن من المرجح أنّ هذا الرقم يعكس العدد الإجمالي الذي تناوب على الذهاب إلى سورية وليس العدد الموجود في وقتٍ واحد، وفي أوج معركة القصير في مايو 2013، قدم وزير الخارجية الفرنسي تقديراً أكثر معقولية تراوح بين 3000 و4000 مقاتل، وفي سبتمبر 2013، نقلت وكالة رويترز عن “مسؤولي الأمن الإقليمي” أنّهم أعطوا تقديراً يتراوح بين 2000 و4000 مقاتل، وتشمل أنواع القوات التي أرسلت إلى سورية “قوات النخبة والقوات الخاصة” و”القوات الاحتياطية”.

وكان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس قدّر مؤخراً عدد مقاتلي حزب الله المشاركين في المعارك إلى جانب النظام السوري بين 3 و5 آلاف مقاتل، وأشار إلى أنّ النظام السوري يتلقى تعزيزات متواصلة من قبل إيران وحزب الله وروسيا بهدف ترجيح كفته في الصراع مع قوات المعارضة (6).

وفي ضوء نطاق أنشطة حزب الله في سورية التي ذكرتها الأنباء، بما في ذلك أنواع المهام ومناطق العمليات، فإنّ التقدير البالغ 4000 مقاتل يبدو معقولاً.

تكاليف وقتلى الحزب في سورية:

تكبد حزب الله أيضاً خسائر جراء تدخله في سورية، كما ساهمت مشاركة الحزب في الصراع في زيادة التوتر السني-الشيعي في لبنان، وقد بات مشهد تشييع جثامين عناصر الحزب أمراً اعتيادياً في لبنان، حيث تتناقله وسائل الإعلام والصحف، وتعلن عنه من أجل الحضور والمشاركة في التشييع والدفن، ويقول مراقبون إنّ الحزب يتكتم عن أعداد قتلاه، ويؤكد هؤلاء أنّ خسائر الحزب البشرية أصبحت هائلة بالمقاييس العسكرية، سواء بالعدد أو نوعية الأشخاص، وتشير أرقام أجمعت عليها مصادر عديدة إلى أنّ الحزب الذي يملك نحو 10 آلاف مقاتل في سورية قد خسر نحو 500 قتيل في حين جُرح حوالي 1500 مقاتل آخرين، ويعني ذلك فقدان حوالي 20 % من قواته القتالية في سورية (7)، وهذه النسبة المرتفعة قادرة على هزَ معنويات أي ميليشيا أو جيش نظامي، ومع ذلك يبقى تحديد العدد الفعلي لقوات حزب الله المشاركة في القتال في سورية، وكذلك قتلاه، يعد أمراً في غاية الصعوبة ويخضع للتقديرات والتوقعات بالدرجة الأولى.

وقد ذكر حسن نصر الله في أحد مقابلاته أنّ قتلى الحزب في سورية لم يتجاوز 250 قتيل، وقد ذكرت وسائل إعلام أخرى أنّ هناك ما يقارب 1000 قتيل للحزب في سورية ومئات المصابين والجرحى (8).

استمر الحزب بالتكتم على تورطه رغم استمرار تشييع جنازات القتلى لغاية أكتوبر عام 2012 عندما سقط أبرز قياديي الحزب في سورية محمد حسين الحاج ناصيف الملقب بأبو العباس، وقتها اضطر الحزب إلى الإعلان عن وفاته وشارك قادته في تشييعه، ومع انطلاق معركة استعادة مدينة القصير بمحافظة حمص من يد المعارضة السورية في مايو عام 2013، تغيرت مقاربة الحزب العلنية للأزمة السورية، وقتها ألقى حسن نصر الله خطاباً مثل إعلان حرب على الثورة السورية، تعهد في سياقه بدحر ما أسماه التمرد والإبقاء على نظام بشار الأسد (9).

تكبد حزب الله خسائر كبيرة في حملة القصير العسكرية، وبدا أنّه يعاني من ارتفاع في الخسائر البشرية في القتال في منطقة دمشق (جنوب وشرق دمشق، والقلمون) في نوفمبر 2013، وبشكلٍ عام، ربما تكبد الحزب بعض المئات من القتلى في العمليات في سورية.

أسباب ودواعي الانسحاب من سورية:

يتمنى النائب اللبناني جوزيف المعلوف أن تكون فرضية الانسحاب القريب صحيحة، ويقول إنّ الجميع بات يطالب بذلك، لأنّ مبررات الحزب لدخول سورية لم تكن واضحة وليست واقعية، وكان دخول الحزب لسورية لأسباب إقليمية لا تمت للمقاومة بصلة، أمّا النائب اللبناني السابق مصطفى علوش فيؤكد أنّ سياسة حزب الله تُقرر من قبل إيران، فربما تحصل تسويات، أو قد لا يحتمل الحزب خسائر إضافية، أو قد يسترجع النظام السوري قوته ويكون قادراً على السيطرة على الوضع بدون الحاجة لوجود الحزب ـوهذا مستبعد إلى حدّ ما، والاحتمال الآخر هو تسوية مع إيران على حساب نظام بشار الأسد وحزب الله، والأمر الأخير والمرجح هو ارتفاع التكاليف البشرية والمادية للحزب، وهو احتمال أكبر في هذه الحالة.

ويشير علوش إلى أنّ حزب الله لا يمكن أن ينسحب من سورية من دون أمر من القيادة الإيرانية، التي بإمكانها أيضاً أن تراعي وضع الحزب وعدم تحمله الوضع القائم، كما أنّ إيران نفسها قد لا يمكنها تحمل التبعات المالية والاقتصادية والسياسية في هذا الخصوص (10).

فيما اتهم النائب أنطوان زهرا حزب الله بتحويل الأزمة السورية إلى صراع مذهبي طائفي، بتدخله إلى جانب النظام، الذي كان قد سقط منذ أول الثورة لولا تدخل الحزب، وفي المقابل جلب تدخله تهديد “التكفيريين” للبنان والمنطقة (11).

وفي 24 أغسطس عام 2014 ظهر عدد من الجنود اللبنانيين المحتجزين منذ مطلع أغسطس الحالي لدى تنظيم “جبهة النصرة” في عرسال، في تسجيل مصور طالبوا فيه بانسحاب مقاتلي حزب الله من سورية حتى تطلق تلك الجهة سراحهم، كما دعا الجنود أهاليهم إلى تنفيذ اعتصامات وقطع الطرقات في بلداتهم من أجل الضغط على الحزب لسحب عناصره من سورية (12).

كل ذلك قد يؤدي إلى تقليص حزب الله اللبناني أعداد مقاتليه في سورية تحت ضغوط الحكومة اللبنانية أو ضغط الرأي العام اللبناني، حيث أكدت مصادر دبلوماسية استخباراتية بالفعل تقليص أعداد مقاتلي الحزب في سورية في الفترة الأخيرة (13).

وقد يتحقق الانسحاب أيضاً من خلال إبرام صفقات أو تسويات إقليمية ودولية تشجع حزب الله على الانسحاب من سورية بالتوازي مع تجفيف منابع المتشددين الإسلاميين القادمين إلى سورية، وهناك احتمال أن تكون إيران في الطريق إلى عقد صفقة على حساب الحزب، أو قد تكون اقتنعت بقرب هزيمة النظام، أو من خلال التقاء الدول المؤثرة مع إيران على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقد يمهد ذلك إلى انسحاب حزب الله من سورية.

خاتمة:

يحظى دور حزب الله بتأثيرات عسكرية وسياسية عظيمة في سورية، فتدخل الحزب له دورٌ فعال في الحفاظ على النظام، كما أنّ الحزب أثبت نفسه كحليفٍ فعال وموثوقٌ به، وهو على استعداد إلى حد ما لقبول المخاطر السياسية والخسائر البشرية في التدخل الطويل الأجل والمفتوح أساساً.

إنّ النظام الإيراني وحزب الله سيبذلان كل ما في وسعمها للحؤول دون سقوط نظام الأسد أو على الأقل تأجيل سقوطه، وتسعى إيران إلى تكوين ميليشيات مسلحة في سورية تحمي مصالح إيران في مرحلة ما بعد الأسد، كما هو الحال مع حزب الله في لبنان.

إنّ اتخاذ حزب الله قراراً بالانسحاب من سورية لا بد أن يتم بموافقة إيران، حليفته الرئيسية التي ستتضرر استراتيجياً لو سقط نظام الأسد، إذ سيؤثر هذا سلبياً على نفوذ الحليف الايراني في العالم العربي، وهذا يفسر رغبة النظام الإيراني باستمرار دعم حليفه اللبناني من خلال تدخله العسكري المباشر في الأزمة السورية.

عبد الكريم عنكير

كاتب وباحث سوري

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

مراجع:

(1) “الميليشيات الشيعية في سورية، مسارات”، عدد ديسمبر 2013، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ص5.

(2) لمزيد من هذه المبررات، انظر“لو لم يتدخل حزب الله في سورية.. العراق نموذجاً: الشرق الأوسط- لبنان”، 16/6/2014، على موقع قناة العالم.

http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=872188&cid=21&fromval=1&frid=21&seccatid=19&s1=1

(3) أحمد يعقوب، “تورط حزب الله في سورية .. الوقائع والآفاق”، الجزيرة نت، 17/3/2014.

http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/3/17

(4) جيفري وايت، “حزب الله يخوض حرباً في سورية: القوات والعمليات والآثار والتداعيات”، معهد واشنطن، يناير 2014.

http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/hizb-allah-at-war-in-syria-forces-operations-effects-and-implications

(5) المرجع السابق نفسه.

(6) وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء، 14 يونيو 2014.

http://www.alhadathnews.net/archives/tag

(7) “قوات حزب الله تهلك بعيداً عن الأنظار في سورية”، ميدل إيست أونلاين، 30/5/2014.

http://middle-east-online.com/?id=177615

(8) للمزيد، انظر: بدر الدين قربي، “الظاهر والمخفي في عدد قتلى حزب الله في سورية”، موقع كلنا شركاء، 16 ديسمبر 2013.

http://www.all4syria.info/Archive/118622

(9) أحمد يعقوب، مرجع سابق.

(10) ريما زهار، “احتمال انسحاب حزب الله من سورية قريباً”، إيلاف، 27 أغسطس 2014.

http://www.elaphjournal.com/Web/News/2014/8/935398.html?entry=Lebanon

(11) أنطوان زهرا، “تدخل حزب الله في سورية أنتج صراعاً مذهبيا ًكبيراً”، موقع إيلاف، 16 أغسطس 2014.

http://www.elaph.com/Web/News/2014/8/932404.html

(12) “لبنان: جنود محتجزون يدعون حزب الله للانسحاب من سورية”، 21/8/2014، العربية نت:http://www.alarabiya.net/ar/arab-and-world/2014/08/2l.

(13) “التايمز: حزب الله يقلص عدد مقاتليه في سورية”، بي بي سي عربي، 4 أكتوبر 2013.

http://www.bbc.co.uk/arabic/inthepress/2013/10/131003_in_the_press_on_friday.shtml

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق