جهود تسبق قمة كامب ديفيد

وجهت عاصفة الحزم ضربة موجعة لإيران ولروسيا معا، بينما تدرك السعودية أن الولايات المتحدة هي في حالة تردد بين الجانبين، بسبب عدد من المصالح وعدد من الاستراتيجيات، ومن أهمها توقيع الاتفاقية النهائية للنووي الإيراني.

رغم التصريحات العلنية للدبلوماسية الأمريكية بتحميل إيران والحوثيين ونظام بشار الأسد مسؤولية أزمات المنطقة، لكن هناك تدخلات أمريكية تحت حجج الوضع الإنساني في اليمن، رغم أنها لم تستخدم نفس الحجج في سوريا من قبل، فقط من أجل وقف عاصفة الحزم في اليمن، بحجة أن أمريكا تخشى من تهديد إيران بقيام حرب بحرية شاملة، قد يكون هذا التحجج ظاهريا لكن فعليا خدمة من أجل الحليف الإيراني.

في الحقيقة ترى الولايات المتحدة أن إيران تمتلك ثقلا إقليميا، ومكانة جيوستراتيجية، وقد حسمت أمرها في دمج إيران في الاستراتيجية الكبرى، مع نأي أمريكا بنفسها عن الصراعات الإقليمية، رغم أنها هي التي صنعتها، ما يسمى بالفراغ الاستراتيجي المدروس، وستترك القوى الإقليمية تتصارع فيما بينها، ولكن ضمن حدود تضعها لها، دون أن ينتصر طرف على طرف آخر، لكن تبقى أمريكا مسؤولة عن حماية الممرات المائية كشريان للتجارة العالمية.

 وفق هذه الاستراتيجية الجديدة لا تريد أمريكا انتصارا كاملا لعاصفة الحزم، وفي نفس الوقت لا تريد استسلاما كاملا من الحوثيين وعلي عبد الله صالح حتى لا تشعر إيران بأنها مهزومة، لذلك نجد أن الولايات المتحدة تمرر سياساتها عبر الأمم المتحدة، فدي مستورا صرح بأنه سيدعو إيران إلى جنيف 3، والآن كذلك المبعوث إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد طالب بأن يكون حرا في الذهاب إلى طهران.

بعد رفض أوباما توقيع اتفاقية أمنية مع دول الخليج لحمايتها من أي عدوان خارجي عندما زار واشنطن محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، خصوصا بعد رفع موسكو الحظر عن صفقة الصواريخ لإيران، لما له تأثير على التوازنات العسكرية في المنطقة، من أجل أن تجعل موسكو طهران لاعبا مركزيا في الشرق الأوسط، وحتى لا تترك واشنطن بمفردها في المنطقة، وبروز قوة الكتلة الخليجية حليف الولايات المتحدة في المنطقة على حساب قوة إيران، وهي ما تمثل بمثابة دخول موسكو حرب باردة جديدة حتى تتوقف واشنطن عن التدخل في الحديقة الخلفية لروسيا في أوكرانيا وفي شرق أوربا، وتود أن تقول موسكو لواشنطن ها نحن نتدخل في حديقتكم الخلفية الشرق الأوسط عن طريق الحليف الإيراني، وهو ما يمثل إرباكا للمشهد في البيت الأبيض الذي بصدد توقيع اتفاقية مع طهران حول النووي الإيراني.

رغم ذلك اكتفى أوباما بتقديم مزيد من التطمينات لمحمد بن زايد المبعوث الخليجي، وإرسال سفن حربية لحماية دول الخليج، ولكنه لم يقنع دول الخليج ما جعل الملك سلمان يتجه مباشرة إلى خيارات أخرى رغم ان تلك الخيارات لا تمثل استدارة خليجية ولكنها تمثل ضغطا على واشنطن.

يدرك الملك سلمان التوازنات الجيوستراتيجية، وأن أمريكا لا تريد لطهران أن تنضم لدول بريكس ومنظمة شنغهاي، ما يخلق حلفا آسيويا سيكون خنجرا في خاصرة أمريكا، كما يدرك الملك سلمان أن الولايات المتحدة ستحتضن إيران حتى تقطع على موسكو أحلامها، ويدرك كذلك بأن إيران دولة ثورية تصر على بقاء توسعها الإقليمي بعد استئناف علاقتها مع الولايات المتحدة بعد توقيع الاتفاقية النهائية مع الغرب حول النووي الإيراني، تكون فيها دول الخليج الخاسر الأكبر، فعقد الملك سلمان قمة خليجية تشاورية ال15 بحضور الرئيس الفرنسي وهي لأول مرة يحضر فيها رئيس أجنبي، ولكنها كانت رسالة ضغط على واشنطن.

خرجت القمة الخليجية الفرنسية بتصريح هولاند عندما قال أن التهديدات التي تواجه الخليج تواجه فرنسا، وقال علينا التنبه لتصرفات إيران، وقال كذلك تجاوزنا تعاون الدفاع إلى تعاونات أخرى، وما مشاركتي في الاجتماع الخليجي إلا علامة على الثقة التي تحظى بها فرنسا، وأكد بأن زيارته للسعودية اكتسبت طابعا استثنائيا يشمل جميع الجوانب، بينما أكد الملك سلمان في القمة التشاورية بقوله الأطماع الخارجية تتركز في توسيع النفوذ، وزرع الفتنة الطائفية، ولم يذكر الملك سلمان إيران بالاسم.

كما أرادت أمريكا بعد إغضاب حليفها أردوغان عندما أكد أوباما لبارزاني الذي زار أمريكا، وطالب بموافقة أمريكا على استقلال كردستان، بينما أصر أوباما على أن العراق فيدرالي ديمقراطي موحد، رغم أن برزاني وصف اللقاء بأنه ناجح جدا، وأكد بأن الاستقلال آت، وقبل هذا اللقاء أطاح الكونغرس الأمريكي بمبدأ التوافق في البرلمان العراقي عندما صوت التحالف الوطني ضد قرار الكونغرس بتسليح السنة والأكراد والذي أدى إلى انسحاب الأكراد والعرب السنة.

القمة الخليجية التشاورية بحضور الرئيس الفرنسي قد تكون أفشلت اللعبة الأمريكية في اللعب على حبال اليمن وسوريا لإرضاء إيران، والآن كيري في الرياض والقيادة المركزية الأمريكية تؤكد بقولها نحن ندعم شركاؤنا في الخليج، وهناك الإعداد لتعاون عسكري أميركي – خليجي غير مسبوق لإقراره في قمة كامب ديفيد فهل نجح الضغط الخليجي وانتزع توازنات إقليمية أمنية في ظل التغيرات الجديدة؟.

بعد تلك الضغوط لجأ أوباما إلى استخدام خطط جديدة يسعى فيها لاسترضاء دول الخليج بدرع صاروخية لحماية المنطقة من إيران، من أجل تهدئة مخاوف دول الخليج من أي اتفاق نووي مع طهران، خصوصا وأن الاتفاق هو تقييد وليس وقف البرنامج، الذي يسمح لطهران السعي لامتلاك القنبلة النووية، وما تخشاه دول الخليج أن يغلف أوباما أي تعهدات أمنية جديدة بالغموض، بينما تريد دول الخليج ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق