جنيف 2: لا نتائج دون توافق دولي

لم تثمر مجريات المفاوضات الحاصلة في مؤتمر جنيف 2، حتى لحظته، عن اجتراح حل سياسي ينهي حالة الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري، كنتيجة مباشرة لانعدام الإرادة السياسية لدى نظام الأسد وأركانه في إخراج البلاد من دوامة الفوضى، والتخلي عن الحكم لصالح هيئة انتقالية توافقية.

وتكمن المشكلة الأساس، في أنّ مفاوضي النظام، لم يتوجهوا إلى جنيف بحثاً عن حلول حقيقية، عدا عن عدم امتلاكهم لأية صلاحيات فعلية لإتمام اتفاق مع وفد الائتلاف السوري. بل جلّ ما ظهر من سلوك وفد النظام، لا يتعدى محاولات الترويج لمبدأ التفاوض من أجل التفاوض، على النمط الإسرائيلي، عبر تقييد المفاوضات الجارية بعموميات لا تتعلق بإنتاج حلول.

فإصرار وفد النظام على فكرة “محاربة الإرهاب”، هي محاولة مكشوفة لاستدراج وفد الائتلاف إلى إقرار ببراءة نظام الأسد من موضوع الإرهاب الحاصل في سورية، وبالتالي إحداث شروخ في الجسم الثوري، عبر إنشاء اتفاق مع النظام لمحاربة جهات ثورية يراها النظام مسبباً “للإرهاب”.

في المقابل، يبرع نظام الأسد، في المناورة السياسية، وتقديم تنازلات جزئية لا ترقى لمفهوم التنازلات، (كموضوع إدخال بعض المواد الغذائية إلى سكان حمص المحاصرين، أو السماح لبعضهم بالخروج منها)، مقابل اكتسابه مزيداً من الوقت علّه يحسم قضايا ذات أهمية استراتيجية.

ما كسبه النظام حتى الآن، هو اعتراف دولي به كمفاوض رئيس حول مستقبل سورية، وما كسبه الائتلاف بالمقابل لا يتعدى ذلك، فيما الخسائر الحقيقية تقع على كاهل الشعب السوري، الذي قدم مئات الشهداء طيلة فترة المفاوضات، نتيجة استمرار نظام الأسد في عدوانه، وخاصة عبر براميل الموت التي يلقيها يومياً على معظم المدن السورية، وبالأخص المدنية المنكوبة بها “حلب”، ولم يستطع في المقابل وفد الائتلاف فرض حالة هدنة طيلة فترة المفاوضات، وهو ما كان يتوجب الحصول عليه كمقدمة لإجراء جلسات التفاوض.

لن تثمر مفاوضات كهذه عن حلول حقيقية، في غياب إرادة دولية للخروج من عنق الزجاجة، وإجبار النظام الأسدي على ما اتفق عليه في جنيف 1، سواء عبر إسناد من أصحاب القرار الدولي، أو إعادة طرح موضوع استخدام القوة العسكرية ضد النظام في حال عدم التزامه.

وحيث أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومن خلفه حلفاؤه الغربيون، قد أثبتوا إبان الهجوم الكيماوي الإرهابي للأسد على سكان غوطة دمشق الشرقية، عدم قدرتهم على حسم موضوع العمل العسكري “المحدود” تجاه النظام. فإنهم في المقابل، لن يكونوا قادرين على فرض أجندات سياسية بذات المنهج، خاصة مع رفض روسي متعنت في ذلك، ودعم عسكري مفتوح لنظام الأسد.

يمكن النظر إذن إلى جنيف 2، كمؤتمر يُؤجل سيناريوهات قد تُعدّ حالياً في الدوائر الغربية والشرقية، تستهدف تقسيم سورية بحجة عدم إمكانية التوصل إلى حلول (على النمط اليوغسلافي)، أو عبر التخلي عن أحد الطرفين (النظام/الشعب) في عملية توزيع مصالح بين القوى الدولية.

سيخرج النظام، وباعتقاده أنه انتصر في جولة المفاوضات الجارية، وأنها كانت ضوءً أخضر آخر لاستمرار حربه على الشعب السوري، ليصعّد من هجماته وخاصة مع إسناد إيران العسكري له، وسيطرة ميليشيا حزب الله على عملياته العسكرية.

فيما تعاني الثورة من ضغط عسكري، سواء لناحية الاقتتال مع جماعات تحاول فرض أجنداتها على حساب الثورة، وخاصة مع وجود قوات داعش، عدا عن ضغط محدودية السلاح كماً ونوعاً، واتساع حجم الدمار والقتل، وغياب هيئة سياسية عن العمل الميداني داخل سورية، قادرة على ضبط ما اصطلح على تسميته “بالمناطق المحررة”.

إذن لا نتائج دون توافق دولي، ولا توافق دولياً يلوح في الأفق، ولا قدرة على التهديد بعمل عسكري جدّي ضد طاغية دمشق، ولا قدرة لكلا الطرفين على حسم الأمر عسكرياً وفق الموازين الحالية، فيما تستمر معاناة ملايين السوريين تحت نيران الحرب والمهاجر.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : سورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق