جمهورية إيران الإسلامية، الجوع (الخبز…) انتصر على القنبلة النووية!!

من أراد أن يعرف مدى الألم الذي لحق بالفرس، عليه أن يطّلع على حيثيات الاتفاق النووي في مدينة لوزان السويسرية، وبنوده المذلة التي فرضت من قبل الغرب والمجتمع الدولي لردع الطموح الإيراني لصناعة القنبلة النووية والمشروع العسكري النووي المثير للجدل برمته، والذي يتحكم به قادة الحرس الثوري طيلة العقدين الماضيين.

وقبل الخوض في حيثيات هذا الاتفاق الذي عرف بـ “خطة العمل المشتركة الشاملة” لابدّ من الإشارة إلى أن هذه الخطة (Parameters for a Joint Comprehensive Plan of Action) هي اتفاق مؤقّت يهدف إلى الحدّ من النشاط النووي الإيراني، ونقلاً عن وكالة “أسوشيتدبرس”، فإن إيران تتعهّد بأن تلتزم بإظهار التفاصيل التي بموجبها يتم التأكّد من رفع الشبهات العسكرية وتأكيد سلمية برنامجها النووي، وذلك بحلول حزيران/يونيو المقبل، وعليه يتم تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على طهران وبالتدريج. إذاً، بالفعل انتصر الخبز على القنبلة النووية.

وفي هذا الإطار وبناءً على ما تناولته كبرى الصحف والوكالات الإخبارية الإيرانية التابعة للنظام والمعارضة منها، نرى ثمة فوارق -أو بالأحرى- إشكاليات واضحة في الوثيقة التي اعتمدت، وشكّلت الإطار المتفق عليه، والتي عُرِفت بـ “خطة العمل المشتركة الشاملة” بين الجانب الإيراني والدول الست، وبالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية. وقد سعى الجانب الإيراني من خلال هذه الاتفاقية (كونه الطرف الوحيد أمام المجتمع الدولي في هذه الاتفاقية والمتضرر الأكبر)، للتقليل من الضغوطات الداخلية من جانب، ومن جانب آخر أن يحافظ المفاوض الإيراني على سمعة وصورة النظام -الجمهورية الإسلامية- في العالمين العربي والإسلامي. حيث وضّح محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران في المؤتمر الصحفي للإعلان عن هذا الاتفاق (الخطة المؤقتة) بالقول: “إن لكل طرف من الأطراف تفسيره الخاص عن حيثيات هذا الاتفاق …”. وهذا بدون أدنى شك -أي التوضيح-، إن دلّ على شيء، فإنّما يدّل على المأزق الذي يعاني منه جواد ظريف ورفاقه في الفريق الإيراني المفاوض. كما أنّه أراد من خلال هذا التوضيح أن تتمكّن حكومته في طهران من الاستمرار بالخداع والكذب على الرأي العام الإيراني المغلوب على أمره.

 

ومن أهم هذه الإشكاليات، نذكر منها:

أولاً: يؤكّد الجانب الإيراني، أنّ هذا الاتفاق (خطة العمل المشتركة الشاملة) لا ينطوي تحت الجوانب القانونية، إنّما هو دليل مفاهيمي محض، يهدف إلى فهم هذه الخطة وصياغتها فقط. أمّا الجانب الأمريكي، ومن خلال الوثيقة التي نُشِرت من قبل الوزارة الخارجية، فإنّه يؤكد وبوضوح، أنّ هيكلية هذه الخطة مبنية على اتفاق دولي، وهذا يعني أنها -أي الخطة- تخضع للجوانب القانونية والحقوقية المعمول بها في ظلّ هكذا اتفاقيات دولية.

ثانياً: يؤكّد الجانب الإيراني، أنّ كافّة المفاعلات النووية والنشاطات ذات الصلة لن يتم إيقافها أو تعليقها، وستستمر النشاطات النووية في كافة المفاعلات ومنها: نطنز، فردو، أصفهان و أراك. بينما يؤكّد الجانب الأمريكي عكس ذلك تماماً، حيث يقول في هذا الصدد، إنّ إيران قد وافقت على خفض نشاطاتها النووية بنسبة الثلثين.

ثالثاً: يؤكد الجانب الأمريكي على أن إيران وافقت على تطبيق (Implement) البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهذا ما يُمكِّن الوكالة الدولية من الوصول إلى الكثير من المعلومات حول برنامج إيران النووي، بما يشمل كافة المنشآت المعلن عنها والسرية أيضاً، إذا وجدت. في حين يقول الجانب الإيراني، إنّ الموافقة على تطبيق البروتوكول الإضافي تمّت بناءً على الرغبة الإيرانية وفي إطار اختيارات الرئيس الإيراني ومجلس النواب (المجلس الشورى الإسلامي الإيراني).

رابعاً: ومن القضايا الأهم لإيران، العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، والتي أرغمت طهران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المجتمع الدولي، وفي هذا الصدد يؤكد الجانب الإيراني أنه وبعدما يتمّ تنفيذ “خطة العمل المشتركة الشاملة” سيتم إلغاء كافة العقوبات الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها العقوبات الاقتصادية والمالية المتعدّدة من قبل أوروبا وكذلك من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الفور. إلّا أنّ الجانب الأمريكي يؤكّد وبصراحة تامة، أنّه إذا التزمت إيران بتعهداتها سوف يتمّ تخفيف (Relief) العقوبات المفروضة عليها، كما أنّ هيكلية العقوبات الأمريكيّة ستبقى على حالها.

وفي ظل هذه القراءة السريعة لبعض البنود الهامة في حيثيات هذا الاتفاق الذي أبرمته الدول الـست الكبرى مع طهران، تتجلى وبوضوح جملة إشكاليات مهمة، يتوجب على العرب (دول الخليج العربي) العمل وبجدية على رفعها وضمان سير تنفيذ هذه الخطة المتفق عليه من قبل الأطراف وبدقة. ومن جانب آخر، فإنّه وإذا افترضنا جدلاً، أنّ الجانب الأمريكي صادق فيما يقول، فإنّ الغرب بالفعل قد جرّد طهران من طموحاتها النووي العسكرية المثيرة للجدل على الأقل لعقدين من الزمن. لذا، على العرب أن يضعوا حداً للطموح الإيراني التوسعي في العالم العربي، وما عاصفة الحزم إلّا خير دليل على قدرة العرب وتفوّقهم سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. إذ وجدت من خلالها الإرادة السياسية وتبلورت، والفضل هنا لدول الخليج العربي.

جمال عبيدي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق