جريمة أورلاند والذئاب المنفردة

في أكبر مذبحة جماعية في تاريخ الولايات المتحدة بعدما أعلن مكتب التحقيق الفيدرالي إف بي آي في 12/6/2016 أن عمر صديقي متين أميركي أفغاني، هو الذي ارتكب مذبحة نادي بالس الليلي في أورلاندو في ولاية فلوريدا وقتل 50 شخصا وجرح 53 آخرين، التحقيق يبحث ما إذا كان عمر ينتمي إلى مجموعة أو منظمة أو تصرف منفرد وفق المصطلح الجديد الذئاب المنفردة، الذي يقلق السلطات الأمنية.

تناقضت التصريحات بين تصريح الشرطة بأنه اتصل بخدمة الطوارئ بالمدينة أثناء اشتباك مع الشرطة وهو يحتجز الرهائن في النادي الليلي من داخل الملهي، وقال أنه عضو في داعش، والتحقيقات أثبتت أنه بايع داعش في الفيس بوك قبل إقدامه على المذبحة، ما جعل داعش يدعي مسؤوليته عن المذبحة كي يثبت بأن لديه ذراع طويلة.

بينما هناك تصريحات أخرى تدعي أن عمر سبق وأن صرح بأنه عضو في حزب الله من قبل، لكن التحقيقات أثبتت بأنه شخص عنيف حسب اعترافات زوجته وكذلك بحسب اعتراف المؤسسة الأمنية التي كان يعمل بها ، وأنه كان دائما يتحدث عن الرغبة العنيفة، وكان يعادي النساء وكذلك الزنوج وسبق أن تم التحقيق معه عام 2013، وثبت أن لديه صلات مع شخص ينتمي لجبهة النصرة فجر نفسه في سوريا، وبذلك يكون شخص جاهز للتطرف، وبالفعل أصبح متطرفا من خلال الانترنت.

عمر متين هو ابن صديق متين وهو معلق سياسي يهاجم المخابرات الباكستانية وطالبان يبث تصريحاته على قناة تلفزيونية أفغانية مقرها الولايات المتحدة، وهو ينفي أن يكون ابنه قد أقدم على هذا العمل الإجرامي بأن له صلة بالدين، ولكنه يذكر أن ابنه عندما شاهد رجلين يقبلان بعضهما البعض أمام زوجته وأولاده في ميامي شعر بغضب كبير، رغم ذلك هذا لا يبرر قيام عمر بمذبحة جماعية.

الجريمة جريمة لا يمكن تبريرها، ولكن لماذا هذه الضجة الإعلامية ضد المسلمين حينما يقوم فرد بمثل تلك الجرائم من الجالية المسلمة، حتى إن جريمة أورلاندو دخلت في مزايدات انتخابية بين ترامب وهيلاري، انتقد ترامب أوباما عندما أشار أوباما إلى أن تلك الجريمة هي نتيجة عمل إرهابي وكراهية انتقده ترامب بأنه لم ينتقد التطرف الإسلامي، ورفضت كلينتون الشيطنة والغوغائية وإعلان الحرب على ديانة بكاملها.

منذ بداية عام 2016 قتل أكثر من 5800 شخص بالرصاص وسجل أكثر من 23 ألف حادث مماثل بحسب موقع الكتروني كان – فالنيس، لذلك عندما يتهم ترامب المسلمين بعدم التعاون مع السلطات للكشف عن المشبوهين مثل منفذ أورلاندو عمر متين، ولكن نسبة الجرائم التي يقوم بها مسلمين نسبة ضئيلة إذا ما قورنت بإجمالي الجرائم التي ارتكبت في الولايات المتحدة.

 وهي فرصة لليمنيين مثل ترامب الملياردير الشعبوي الذي كرر عبر قناة إيه بي سي دعوته إلى إغلاق أبواب الولايات المتحدة أمام الوافدين من سوريا ومناطق العالم التي تحمل هذه الفاشية المشينة والمروعة غاضا الطرف عن ولادة عمر متين في الولايات المتحدة، وبدلا من أن يطالب بحل المسألة السورية، قال لو أن مرتادو مرقص بالس مسلحين لتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم، بدلا من محاسبة الحكومة التي حققت معه مرتين ووضعته على قائمة المشتبه بهم نتيجة سلوكه العنيف، وكيف يحصل على تصريح لشراء السلاح، بينما يفترض منع بيع السلاح لمثل تلك الشخصيات العنيفة أو المشتبه بها.

 أي أصبح المسلمون الطبخة الأكبر منذ عمليات 11 سبتمبر 2001 نتيجة العبث بالقيم الروحية، وما يدور في الشرق الأوسط من قتال على الهوية وتحويل الأديان إلى مطية، بل إن العالم يغذي هذه المطحنة، ويعتقد أنه يحمي العالم من الإرهاب، وسيتخلص منه في الشرق الأوسط، فنجد أن عبريني أحد منفذي تفجيرات بروكسل خضع للرقابة من الشرطة البلجيكية، ولكن عندما توجه إلى تركيا ظنا أنه يسافر إلى سوريا، لكنه عاد إلى بلجيكا فلاحظ عبريني المراقبة الأمنية، فسلم نفسه طواعية ثم ترك، وتم اعتقاله في بلدية آندرلجت ببروكسل في الثامن من إبريل عقب مشاركته في هجمات المطار.

فيما استأنفت هيلاري كيلنتون وكذلك الرئيس باراك أوباما الجدل حول سهولة الحصول على أسلحة نارية فردية في الولايات المتحدة التي يدافع عنها لوبي بيع السلاح، وهي تطالب بإعادة تطبيق المهلة بحظر بيع الأسلحة الهجومية التي وافق الكونغرس في عام 1994 حظرا لمدة عشر سنوات على صنع وبيع الأسلحة شبه الاتوماتيكية، لكن ثغراته الكثيرة أجازت للمنتجين التحايل عليه ولم يجدده النواب مع حلول أجله، رغم أن كلينتون أقرت بالخطر التي تمثله الذئاب المنفردة، أي الأفراد الذين يقررون تنفيذ اعتداءاتهم بمفردهم.

الذئاب المنفردة استراتيجية جديدة تستخدمها الجماعات الجهادية، وهي الكابوس الجديد، والتحدي الأكبر للأجهزة الأمنية، بسبب أن الذئاب المنفردة هم أشخاص قادرين على شن هجمات مسلحة في أماكن لا تستطيع المنظمات والجماعات دخولها، وهي قنابل موقوتة جاهزة للانفجار في أي وقت.

لكن دوافع الذئاب المنفردة متنوعة قد تكون عقائدية أو اجتماعية أو نفسية وحتى مرضية، وهناك أمثلة كثيرة من الطبيب النفسي الأميركي نضال حسن الذي أطلق النار في قاعدة فورهود العسكرية وقتل 13 عسكريا عام 2009، ورفض الاعتراف بأنه مذنب، وهناك المهاجر الإيراني مان هارون الذي احتجز عشرات الرهائن في مقهى بسدني، وكان يعاني اضطرابا وسبق أن عمل بالسحر، واليميني المتطرف أندريه بريفيك في النرويج الذي قتل العشرات عام 2011 احتجاجا على سياسة بلاده في مسألة هجرة الأجانب.

دائما ما يفرز المجتمع بعض الحالات الخطيرة تشبه الحالات المرضية التي يفرزها المجتمع تؤثر في المجتمعات الهشة، تبقى هذه الظاهرة ببعد إرهابي أخطر من التنظيمات الجهادية التي ترعاها جهات إقليمية ودولية لتنفيذ أجندات سياسية، بينما البعد الإرهابي للذئاب المنفردة ظاهرة تكاد تكون خفية وليست بالضرورة على صلة بالتنظيمات، قد تكون متعاطفة معها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق