جدار الماء (إيران «تترنح».. ونصر الله «يصرخ»!)

وصلت العلاقات السعودية – الإيرانية إلى مرحلة من التوتر والاختناق الحاد بشكل لم يكن معهوداً حتى في ظل دعم الرياض لوجستياً لنظام صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي، إبان الحرب العراقية – الإيرانية.

ومع وصول حسن روحاني إلى سُدة الرئاسة في إيران، كانت التوقعات تشير إلى انفراجة محتملة في العلاقات بين البلدين، تعزّزها تصريحات الرئاسة الإيرانية، وما قابلها من ترحيب سعودي حذر بالاتفاق «النووي» بين طهران والقوى الست الكبرى.

ويخطئ من يعتقد أن الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في لوزان السويسرية بين الدول الست الكبرى وإيران سيطلق يد الأخيرة، بل إنه «تركيع لها»، وتقييد لمشروعها النووي. فقد باعت مشروعها النووي في مقابل رفع العقوبات، بعد نحو 40 عاماً من المقاطعة، ووصف الغرب بالاستكبار، أي أن طموحها النووي بموجب اتفاق لوزان أحبط نهائياً. كما أن السعودية لن تصمت مستقبلاً إزاء أية ممارسات إيرانية لتوسيع نفوذها، وستواجهها كما «عصفت» بنفوذها في اليمن، لإضعاف حضورها، وقص أجنحة «أزلامها».

حال التأزم بين الرياض وطهران ظهرت في أكثر من بلد في الإقليم، وكان على إيران وقف تدخلاتها في الشؤون الخليجية والعربية، حتى يتم التفاهم، خصوصاً أن تواصلهما في منتصف التسعينات عاد بالاستقرار على المنطقة، وأعاد الدفء للعلاقات بينهما، وإن ظلت حذرة، ووُقّع بينهما اتفاق أمني.

لا تتمنى شعوب المنطقة استمرار حال التجاذب والتحارب بين دولتين كبيرتين مؤثرتين، في ظل الأوضاع الطائفية المشحونة بسبب السياسات الإيرانية، التي تصر على استفزاز العرب، وما كان على السعودية إلا المجابهة والمواجهة في نهاية المطاف، ومن اليمن «رمز العروبة» بعد أن وصلت إيران إلى الخاصرة الجنوبية للمملكة.

يمكن القول إن تصريحات الرئاسة الإيرانية تجاه الرياض منذ تولي روحاني أهدأ من سلفه المتشدد أحمدي نجاد، لكن ذلك غير كاف لرأب الصدع، في ظل استمراء القيادات الإيرانية التطاول والتهديد، واستمرار ممارساتها التأجيجية الطائفية في بلدان عربية عدة، في سورية واليمن، وقبل ذلك في العراق ولبنان والبحرين، ما يبدد صدقيتها، الأمر الذي حدا بالسعودية إلى تشكيل محور عربي – إسلامي – دولي، وتنفيذ عملية «عاصفة الحزم» ضد الحوثي حليف إيران في اليمن!

إيران تجيد التذاكي والمراوغة والخبث السياسي، وتقوم بدفع ميليشيات طائفية مسلحة، بحكم علاقاتها معها، للقيام نيابة عنها بمغامرات عسكرية إرهابية (حرب بالوكالة) في مقابل تنفيذ مشاريعها في المنطقة، باعتبارها دولة لديها مشروع طائفي توسعي تسعى إلى تنفيذه عبر تسويق الأقاويل وبيع الوهم بما لا يحقق نتائج، ولا يحل نزاعاً، ولا يرأب صدعاً.

سعت إيران إلى تطويق السعودية من خلال تحالفات عسكرية ومذهبية، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، من خلال علاقاتها مع السودان (سابقاً) في البحر الأحمر غرباً، وهو ما أنهته الرياض بعلاقة جديدة مع الخرطوم التي التزمت بإغلاق كل النشاطات الإيرانية على أراضيها، والمشاركة في «عاصفة الحزم»، وعبر الحوثيين في اليمن جنوباً، وهي المعركة التي تخوضها قوات التحالف بقيادة السعودية حالياً، وهي درس جديد لـ«نتف» غرور إيران السياسي. كما عملت على إثارة القلاقل في البحرين شرقاً، وهناك لحقت بها صفعة قوية. إضافة إلى نفوذها القوي في العراق شمالاً، الذي من المتوقع أن تعمل عليه الرياض لاحقاً إلى جانب الأردن ومصر ودول الخليج. ولا تزال إيران تحضر في لبنان عبر ميليشيا «حزب الله»، فضلاً عن تحالفها العسكري مع نظام الأسد في سورية، وهناك يخدمها «طابور خامس» و«عملاء» على حساب أوطانهم، بعد أن باعوا ضمائرهم في سوق «خناسة»!

كانت إيران تعتقد أن السعودية ودول الخليج سترضخ، وتُسلم بسياسة الأمر الواقع في اليمن، وستضع اليد على الخد بانتظار «غودو»، لكنها فوجئت بصفعة من حيث لا تحتسب، سُمع دويها عالياً في طهران، مثلما أصاب شررها الحوثيين، الذين لحقت بهم خسائر كبيرة، ولا تزال مستمرة في معركتها، ولن تتنازل عنها إلا بإرغام إيران وعملائها في المنطقة على التوقف والتراجع.

الأكيد أنه طالما ظلت طهران تتدخل وتحرّض وتُهيّج الدول العربية، فلن يغيب عن الرياض زعزعة استقرارها الداخلي، خصوصاً أن ملفاتها الداخلية «غير محصنة»، والبدء بملف الأحواز (غالبيتهم شيعة عرب أقحاح)، الذين أبدوا تفاعلاً مع الحملة العسكرية ضد «أزلامها» في اليمن، بعد أن فاض بهم الكيل من سياسات الملالي.

الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله خرج بعد «عاصفة الحزم» يمارس كعادته الشتم والافتراء وقلب الحقائق، ما يؤكد تخبط إيران وتخبط «السيد» الذي لم يجد غير الصراخ، بعد أن أفقدته «العاصفة» توازنه، وفتّت مشروع أربابه، وهو الملطخة يداه وحزبه بدماء أطفال ونساء سورية، ما فضح حقيقته وكراهيته لكل ما هو عربي، فلم يكن أمامه إلاّ محاولة تضليل الرأي العام، دفاعاً عن مشروع «الولي الفقيه» الذي يريد له أن يستعمر المنطقة بأكملها.

صواريخ «عاصفة الحزم» نجحت في إخراج العملاء من جحورهم، وأظهرت فزعهم، وأثبتت «حصانة» شعوب دول الخليج، وأن الولاء عندهم للوطن أولاً. كما أنها غيّرت حسابات المتربصين، ومعادلات المنطقة، والمقبل أكثر. ولن تنطلي على الشعوب العربية أكاذيب وشعارات أمثال نصر الله، بعد أن ارتفعت المعنويات، وغادرت سياسة التردد، وحلت محلها سياسة الحزم والعزم وترتيب الأولويات السياسية العربية، وأولى طلائعها تحالف عربي – إسلامي عسكري في اليمن، والموافقة على إنشاء قوة عربية مشتركة في قمة شرم الشيخ.

لا شك في أن إيران كانت تعمل للهيمنة على اليمن مثلما فعلت في سورية والعراق ولبنان، فيما السعودية تسعى ليمن آمن موحد مستقل القرار. وكان بإمكانها أن تستغل الظروف، وتعمل على إضعافه وتقسيمه إلى «شمالي» و«جنوبي» كما كان، لكنها أبت وقدمت مصلحته، لا كما تفكر إيران في تدميره والسيطرة عليه، والهيمنة على مضيق باب المندب، لتأخذ التجارة العالمية كلها رهينة بسيطرتها على مضيقي هرمز وباب المندب.

الأكيد أن إيران فوجئت بقوة الحشد الإقليمي الذي بنته ورعته وقادته السعودية، ودخول باكستان كلاعب إقليمي ودولي (نووي)، إضافة إلى السودان ومصر والمغرب والأردن ودول الخليج العربية، والدعم اللوجستي التركي، والأوروبي والأميركي، ما يعني نجاح الملك سلمان بعد شهرين فقط من توليه الحكم في ترتيب أولويات السياسة الخارجية لبلاده، وإظهار قوة المملكة عبر محور خليجي – إقليمي – دولي مناهض لطموحات طهران ورافض لممارساتها، وقادر على ردعها، وإسقاط حلفائها، وتشكيل قوة القرار العربي في المنطقة. وفي النهاية «لا بد من صنعاء وإن طال السفر».

جميل الذيابي

نقلاً عن الحياة اللندنية

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق