ثورة العراق الوطنية ونزعة إيران الطائفية

دون شك إن تاريخ 10 حزيران/يونيو 2014 يعتبر منعطفاُ تاريخياً خطيراً سواء في حرب التحرير التي يخوضها الوطنيين العراقيين منذ دخول القوات الأمريكية الغازية إلى بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003 وإلى سيطرة الكتلة المصنوعة والمدعومة إيرانياً على مقالد الدولة في 2005، ثم دور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في زيارته إلى بغداد بتاريخ 3 آذار/مارس 2008. فالقوات المالكية تنهار وتتقهقر شيئاً فشيئاً في المحافظات الست الثائرة تحت ضربات وهجمات ثوار العشائر العربية والمجالس العسكرية وفصائل المقاومة بمختلف أطيافها.

ورغم إن هذه الإنتصارات التحررية بالقدر الذي تكشف فيه عن عزيمة وإرادة الثائرين ضد الظلم والطغيان الذي مارسه نوري المالكي في سياسة القتل والتنكيل والإذلال والتشريد المتعمد لشريحة كبيرة من الشعب العراقي على مدى السنوات الثمان الماضية، والتي أثبت فيها نزعته الطائفية المرتبطة بالمشروع الإيراني؛ إلا أنها تفضح في ذات الوقت البناء الركيك للمنظومة الأمنية والعسكرية التي أستهلكت ثلث ميزانيات العراق عبر إنفاق مئآت المليارات من الدولارات الأمريكية، والنتيجة قوات مدججة بأحدث الأسلحة لكنها لا تمتلك العقيدة الوطنية القتالية، بل عقلية طائفية وميليشية مدمجة ولائها لأسيادها لا إلى الشعب والوطن.

إن ما حققه ويحققه ثوار العراق في الأسبوعين الماضيين من تقدم ميداني مذهل وسريع في كافة الجهات الأربعة، حيث إمتدت سيطرتهم إلى 70% من مساحة العراق الإجمالية (440 ألف كم تقريباً)، مما يعني إن زحفهم المسلح نحو بغداد يزداد قُرباً وتقدماً. ويمكن تلخيص ذلك وفق ما يلي:

أولاً: القاطع الغربي: حيث يسيطر الثوار بشكل رئيسي على سهم مستقيم يمتد من مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق، وصولاً إلى قضاء “أبو غريب” التابع لمحافظة بغداد، والذي يبعد 25 كم عن مركز العاصمة؛ وجميع المناطق التي تقع على هذا الإمتداد الجغرافي من قُرى زوبع وخان ضاري والسعدان وغيرها يهيمن عليها الثوار في مواجهاتهم لقوات المالكي.

ثانياً: قاطع الجنوب الغربي: من مناطق المحمودية واللطيفية واليوسفية وصدر اليوسفية وغيرها، حيث يصول فيها ويجول الثوار، وتتلقى فيها قوات المالكي وميليشياته الضربات اليومية المتوالية، مما تجبرهم على الإنكماش جراء الخسائر المتلاحقة بالأرواح والمعدات.

ثالثاً: القاطع الشمالي: إنتشار ثوار العشائر في مناطق الطارمية والمشاهدة والتاجي، ورغم إستخدام المالكي للطيران الحربي والقصف المدفعي، إلا أن الثوار أستطاعوا إمتصاص تلك الضربات ولم يتراجعوا عن مناطقهم، وإن سياسة مسك الأرض مستمرة التواصل بغية تثبيت المحطات الميدانية بالوصول العسكري الزاحف نحو بغداد.

رابعاً: القاطع الشمالي الشرقي: ويتركز في عموم محافظة ديالي وعاصمتها بعقوبة، حيث تتوزع الآن على ثلاث أقسام ما بين الجانب الكردي الذي دخلت قواته “البيشمركه” إلى جلولاء ذات الأغلبية الكردية، وثوار العشائر وسيطرتهم على المقدادية والضلوعية وغيرها من المناطق ذات الكثافة السّنية، وقوات المالكي وميليشياته في المناطق الشيعية، والتي تعاني من شراسة الثوار وضرواتهم في المواجهات القتالية.

وبالإضافة إلى تجحفل الثوار حول بغداد، فإن إنهزام قوات المالكي في: راوة وعنه والرطبة والقائم ومحاصرة حديثة والسيطرة الكلية على معبر طربيل الحدودي بين العراق والأردن، يعني إن تحرير محافظة الأنبار بالكامل قاب قوسين أو أدنى. علاوة على تحرير تلعفر بشمال محافظة نينوى، وفرار مُذل إلى محمد القريشي مع 600 من ضباط ومراتب قواته نحو سنجار وتسليم أنفسهم إلى البيشمركه الكردية.

إن هذه الصورة الميدانية الموجزة عن التقدم الخاطف إلى ثوار العشائر العربية، وتحريرهم للعديد من المناطق، قد أقلقت النظام الإيراني وأحدثت فيه إرباكاً ملحوظاً إنعكس على رأس النظام نفسه، إذ قال الرئيس الإيراني حسن روحاني السبت الموافق 14-6-2014: إن بلاده مستعدة لتقديم المساعدة في إطار القانون الدولي للحكومة العراقية في قتالها ضد المسلحين. وفي 18-6-2014 قال: “إن الشعب الإيراني العظيم لن يأل جهداً في الدفاع عن العتبات المقدسة في العراق”. ورغم أن هذا المنطق الفج والتدخل السافر يعني منح الحق المجاني لأية دولة في العالم أن تتدخل على أساس عقائدي ديني، مما يضع العالم في إحتراب وفوضى عارمة لها بداية دون نهاية. ثم عاد روحاني ليناقض كلامه السابق ودعا إلى الإتحاد “بين السّنة والشيعة”. وكأن النظام الإيراني ليس هو رأس الفتنة الطائفية بين المسلمين.

إن الإضطراب الإيراني إتضح أكثر مع سرعة إكتساح ثوار العشائر العربية في تحرير مناطقهم من قوات المالكي الطائفية، فقد أشار النظام الإيراني بإنه مستعد أن يتعاون مع “الشيطان” من أجل محاربة الإرهاب، إلا أن هذا الشيطان (أمريكا) رفض خلط الملف النووي الإيراني بالملف العراقي، فما كان من النظام الإيراني إلا أن يتخبط أكثر ويعلن رفضه للتدخل الأمريكي في العراق. وعندما رفض الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يوجه ضربة عسكرية لجهة على حساب جهة أخرى داخل العراق، ودعا الفرقاء العراقيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم، سارع النظام الإيراني بالقول: “إن أمريكا غير جادة في محاربة الإرهاب”.

إن النظام الإيراني يحاول جهد إمكانه وأد الثورة في العراق، ولذلك أرسل عناصره من فيلق القدس لمحاربة الثوار، إذ أن نجاح ثورة العشائر العربية ضد سياسة المالكي الطائفية الموالية لإيران، يعني إن مستقبل المشروع الإيراني الطائفي في المنطقة العربية سيتعرض إلى ضربة شديدة قد تقضي عليه نهائياً، خصوصاً وإن قادة الثوار يعلنون مراراً وتكراراً إنهم في صراع سياسي ضد حكومة المالكي الظالمة، وليسوا في صراع طائفي أو عشائري أو إجتماعي بتاتاً.

إن صوت الثوار يعلوا بالوحدة الوطنية، لذا يطلقون سراح الأسرى العسكريين، ويعفون عن المستسلمين منهم، بينما صوت قوات المالكي الطائفية التابعة لإيران قبل فرارها من الأقضية والنواحي تقوم بقتل السجناء من أهل السّنة داخل زنازينهم، كما جرى في سجن تلعفر وسجن بعقوبة وغيره. ناهيك بالمجاميع الطائفية لعصائب الخزعلي وغيرها التي تقتل على أساس طائفي، ففي غضون أسبوع تم قتل ثمانية شباب في بغداد لأن أسمائهم “عُمر”!!

إن إيران في تسابق زمني لترميم أوضاع أذيالها الطائفيين المتربعين على عرش السلطة في المنطقة الخضراء، وإن بقاء قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في بغداد على مدى أسبوع لم يحقق شيئاً ميدانياً ملحوظاً، لذا قفل راجعاً إلى طهران لإعداد خطة علها تمنع زحف الثوار نحو بغداد. وما بين الوطنية العراقية والطائفية الإيرانية سينتهي المشروع الإيراني عاجلاً وليس آجلاً، فالعراق عبر التاريخ يبقى السد المنيع لأطماع إيران في البلدان العربية.

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق