ثعلبة إيران نحو ثوار العراق

مع تقدم ثوار العشائر العربية في تحرير العديد من المناطق الرازحة تحت نير قوات وميليشيات المالكي الطائفية، حيث حرروا لحد الآن قرابة 60% من مساحة العراق الإجمالية، وما سارعت فيه إيران بإسناد عسكري فوري وخفي في دعم قطعات المالكي التي تتكبد الهزائم المريرة والخسائر الجسيمة بالأرواح والمعدات منذ فجر الجمعة الموافق 6-6-2014 ولغاية كتابة هذه السطور، فإن الثعلبة الإيرانية الخبيثة بدأت تتحرك في مسلك لين بذريعة التجميع لا التفريق، وإرسال إشارات تنبيهية مبطنة لعلها بذلك تخفف من هدير الثورة وتقلل من شراسة الثوار المقاتلين العازمين على الزحف نحو بغداد.

ومن هنا تجد إن ما تحدث به المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي بتاريخ 28-6-2014 في إجتماع مع عائلات ضحايا تفجير عام 1981 الذي دمر مقر “الحزب الجمهوري الإسلامي” الحاكم في طهران، قائلاً: إن “ما يحدث في العراق ليس حرباً بين الشيعة والسّنة”. كما وإنتقد وسائل الإعلام الغربية التي تصورها على إنها حرب بين الشيعة والسّنة. وحسب رأيه إنها “معركة بين أنصار الإرهاب ومعارضيه، إنها معركة بين مشجعي أمريكا والغرب وبين مَنْ يؤيدون إستقلال أممهم.. إنها مواجهة بين الإنسانية والهمجية المتوحشة”. ووصل خامنئي إلى حد التحذير مما وصفه بأنه دعاية غربية “لمجموعة من الحمقى وبقايا عهد صدام حسين”.

إن لغة الثعلبة التي طرحها خامنئي تفضح نفسها بنفسها، وتكشف عن تناقضاتها الحالكة، إذ كيف نقتنع إن ما يحدث في العراق ليس حرباً طائفية، وإن المجاميع الطائفية المسلحة: “عصائب أهل الحق” و”كتائب ثأر الله” و “حزب الله العراقي” وغيرها من الميليشيات المدعومة والمسنودة من النظام الإيراني، حيث كانت وما زالت تقتل بأهل السُّنة وتشردهم وتستولي حتى على مساجدهم، وإن أحد الأجنحة لتنظيم القاعدة الخاضع لإيران يؤدي نفس الدور الطائفي بقتل الشيعة العرب في العراق، والهدف يكمن في تمزيق النسيج المجتمعي للعراقيين لكي يتمكن النظام الصفوي في إيران من إدامة سيطرته على العراق الضعيف والمنهك بالتطاحن الداخلي.

أما قول خامنئي بأنها “معركة بين أنصار الإرهاب ومعارضيه”، فعلى ما يبدو إن مفهوم الإرهاب عند خامنئي يكون بالمقلوب تماماً، حيث يخص به كل مَنْ يثور ضد طغيان وطائفية نوري المالكي الذي يمثل حكومة ظل إيرانية في بغداد. وإن سياسة “إرهاب الدولة” التي ينتهجها المالكي علناً في ممارسته للسلطة ضد الشعب، بل وحتى ضد معارضيه، فهي ليست بإرهاب عند المرشد الإيراني!

هذا ولا ندري كيف يتطرق خامنئي للقول: “إنها معركة بين مشجعي أمريكا والغرب وبين مَنْ يؤيدون إستقلال أممهم”. فإيران هي من “مشجعي أمريكا” في حروبها داخل العالم الإسلامي، وأحاديث مسؤوليها كثيرة في هذا الخصوص ومنها قول محمد أبطحي، مستشار الرئيس الإيراني محمد خاتمي، في ختام أعمال مؤتمر الخليج في أبو ظبي بتاريخ 15-1-2004، حيث أشار بصراحة قائلاً: “لولا إيران ما سقطت كابل وبغداد”!

وبذا فإن قول خامنئي: “إنها مواجهة بين الإنسانية والهمجية”، فيه تدليس فاضح وتحريف واضح عن المعنى الحقيقي بين مفردة “الإنسانية” التي يتشدق بها خامنئي ومفردة “الهمجية” التي تمارسها المجاميع المسلحة المرتبطة بالمشروع الطائفي الإيراني لا سيما في العراق وسوريا ولبنان.

اما تحذير خامنئي عن الدعاية الغربية “لمجموعة من الحمقى وبقايا صدام حسين”، ففيه إلتباس مقصود وخلط متعمد لأوراق متغايرة. فإلغرب لا يتساوى مع مجموعة من الحمقى، وإن وجود بقايا صدام حسين لا يعني الغرب بقدر ما يخص النظام الإيراني، فعلام هذا الحشو الفض والتلبيس الفج.

بالإختصار الشديد إن ما يطرحه خامنئي ينم عن قلق وإضطراب يحاول فيه أن يثعلب الموقف على إنه ليس صراعاً طائفياً، بل صراع تقليدي ما بين الخير والشر أو بين الإنسانية والهمجية، وعلى الغرب أن ينتبه من أولئك الهمج الإرهابيين. مما يعني ضمناً على الذين يقاتلون قوات المالكي وميليشايته أن ينظروا إلى أبعاد ما ينتظرهم من إيران خصوصاً ومن الغرب عموماً. بعبارة أخرى، على ثوار العشائر العربية أن يخففوا من حدة المواجهة المسلحة، وأن يركنوا إلى التهدأ لكي لا تُطلق عليهم صفة الإرهاب والهمجية.

إن لغة الثعلبة الإيرانية لا ولن تنطلي على ثوار العشائر وبقية الثائرين في المجالس العسكرية والمجاهدين في فصائل المقاومة، وإن إقتراب وأد المشروع الصفوي الإيراني في المنطقة العربية سيكون في العراق عاجلاً وليس آجلاً. فالثورة الشعبية المسلحة هي نتاج الضغط الطائفي والظلم التعسفي والإجرام الهمجي الذي مارسه ومازال يمارسه أذيال إيران الذين أوصلتهم للمسك بمقاليد السلطة وأركان الدولة في العراق، ولينفذوا المشروع الإيراني الصفوي بحذافيره. وما زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى بغداد في 3 آذار/مارس 2008 إلا لتثبيت كتلة التشيع الصفوي على حُكم العراق. ولكن مثلما إندحرت الحقبة الصفوية المظلمة من العراق سابقاً، فإنها بعونه الله أولاً والثوار ثانياً ستندحر حقبة الصفويين الحالية، ومهما أبدت إيران من ثعلبة خبيثة تجاه ثوار العراق.

إن ثعلبة النظام الإيراني نحو ثوار العراق نتوقع لها مع قادم الأيام أن تزداد في لوذعية خبثها ودهائها حتى وإن لم تنطلي على أحد. فما قاله خامنئي يعتبر أكثر مكراً مما قاله قبل أسبوع عندما وصف في كلمته إن ما يحدث في العراق وأماكن أخرى في الشرق الأوسط بأنه مؤامرة غربية، وأشار إلى إنه يُعارض التدخل في العراق من جانب الولايات المتحدة الأمريكية أو أي دولة أخرى.

إلا أن الثعلبة الإيرانية مستمرة النسلان والدوران، لذلك تجد إن الخارجية الإيرانية قد أبدت إمتعاضها من ضعف المساعدة الأمريكية لحكومة المالكي التي طلبت تدخلاً حقيقاً كاملاً ووافقت على منح العسكريين الأمريكيين حصانة مدى الحياة ومطلقة لأي عمل يقومون به في العراق وهو ما لم يحصل عليه الأمريكان قط في أي دولة بالعالم. فهل يستطيع المالكي التحرك لولا أوامر الثعلبة الإيرانية؟

ورغم هذا وذاك فإن ثعلبة النظام الإيراني لا ولن تتمكن من مخادعة ثوار العراق، وإنما ستخدع نفسها إن ظنت إنها قادرة على إنجاز ذلك. بل ستنصدم إيران بذكاء وقوة ثوار العشائر العربية كما إنصدمت هي والإدارة الأمريكية وبقية دول العالم بسرعة تمتد وإنتشار الثوار الذين إنهارت أمامهم المنظومة الأمنية والعسكرية المالكية.

د. عماد الدين الجبوري

كاتب وباحث عراقي

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق