توجه سعودي أكثر استقلالية نتيجة تحكم متغيرات استراتيجية في القرار السعودي

الغموض الأمريكي ما زال قائما، بل إن الابتعاد الأميركي عن المنطقة ذو أساس استراتيجي، ويبدو أن القوى الآسيوية الصاعدة خصوصا الصين عازفة عن التفكير في الدخول كموازن للتطور الحاصل في علاقة الولايات المتحدة مع إيران.

حتى الآن لم تثبت سياسة تنويع الشراكات السعودية قدرتها على الإحلال محل التحالف السعودي – الأميركي أو تقديم ضمانات فعلية لأمن الخليج بديلا عن المظلة الأمنية، لكن خيار الضرورة في البحث عن توجهات استقلالية، وهو نفس النهج الذي سار عليه الملك عبد الله بن عبد العزيز بقيادة الدبلوماسي المحنك سعود الفيصل رحمهما الله ردا على سياسات واشنطن الغامضة بشأن الالتزامات الأمنية تجاه منطقة الخليج والتي لم تقنع زعماء دول الخليج حتى في قمة كامب ديفيد.

تنويع الشراكات الدولية لا تعني إحلالا أو استقطاعا من رصيد علاقات السعودية وبقية دول الخليج بالولايات المتحدة، لكن وجدت السعودية غايتها في روسيا، وتوقيت هذا التوجه في وقت يفرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا محاولة فرض العزلة الدولية عليها، وجدت السعودية أن روسيا تغازل السعودية، وكذلك السعودية هي بحاجة إلى أن تغازل روسيا أيضا واستبدالها كموازن للضغط على مواقف الولايات المتحدة، وفي نفس الوقت محاولة حلحلة مواقف روسيا في سوريا واليمن وإيران.

وكما لدى دول الخليج هواجس حول العلاقة المستقبلية بين أمريكا وإيران، فإن لدى روسيا نفس الهواجس من تطوير العلاقات الإيرانية الغربية، لذلك من المقنع أن تجد روسيا هناك حوافز مع السعودية كبديل مستقبلي محتمل لإيران، خصوصا إذا أعيد تموضع إيران في الاستراتيجية الأمريكية، فهل هي استدارة سعودية نحو روسيا، أو روسيا نحو الخليج، وهل تقبل أمريكا أن يتحقق ذلك على أرض الواقع في المستقبل على المدى القريب والمتوسط؟

إذاً، توجُّه السعودية تجاه روسيا وفرنسا بشكل خاص هو توجه تكتيكي متوازن ذو أساس استراتيجي من أجل ضمان عدم أخذ الغرب مواقف مشتركة ضد السعودية، وهي خطوة ذكية من السعودية في تعدد الشراكات ليست فقط مع روسيا التي يضع الغرب عليها عقوبات.

واجهت السعودية تحديات وتهديدات استراتيجية، وضعتها في قلب المواجهة الإقليمية مع الإرهاب وجماعات الإسلام السياسي، فهي بحاجة إلى دائرة تحرك استراتيجية لن تختلف عن عهد الملك عبد الله.

هناك العديد من المحللين من راهن على نأي الملك سلمان عن النهج الذي اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز خصوصا تجاه مصر، ولكنهم جميعا خسروا رهانهم خصوصا بعدما لاحظوا استمرار نهج الملك سلمان الذي اتخذه الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي اعتبر دولة مصر مرتكزا أمنيا لدول الخليج في عصر لم يعد هناك تطابق في المواقف السياسية، بل هناك تنسيق حول مواجهة التحديات المشتركة.

إدارة الملك سلمان تسلك مسلك الملك عبد الله في التقارب مع روسيا، وتعزيز أواصر التلاحم العربي مع دولة مصر، وهما مكملان لبعضهما، إذاً السعودية تقود عاصفة الحزم ومصر تقود القوة العربية المشتركة لدعم عاصفة الحزم، من أجل خروج إرادة عربية جديدة لإدارة أزمات المنطقة العربية، خصوصا بعدما كشف موقف الملك سلمان المماثل لموقف الملك عبد الله بعد 30 يوليو 2013 بموقف آخر يساند مصر بعد سلسلة الهجمات الإرهابية في سيناء في أواخر يونيو 2015.

التفكير السعودي واقعي يأخذ في الاعتبار واقع الممارسة الدولية في القرن الواحد والعشرين، خصوصا بعد مجئ أوباما، لأن المتغيرات الاستراتيجية هي التي تتحكم في القرار السعودي، وهي ترى أنها مقدمة على أي توجهات أو قناعات أيديولوجية حاولت أن تضغط على الملك سلمان بعد تسلمه الحكم في يناير 2015، وهي ضغوط تهدد مستقبل الدولة الوطنية.

لذلك نجد الرئيس التركي غل 2007-2014 انتقد السياسات الخارجية للحكومة التركية أثناء مشاركته في إفطار يوم السبت 11/7/2015 حضره أروغان، دعا فيه إلى مقاربة أكثر واقعية لسياسة تركيا العربية والشرق أوسطية، وطالب بأن تكون دولة تركيا مصدر إلهام، وأن تتطور علاقاتها مع كافة الدول، ومن بينها تلك التي تكن لها العداء مثل مصر، وأن تستفيد من الأجواء الجديدة في تركيا بعد انتخابات السابع من يونيو التي خسر خلالها حزب العدالة والتنمية الغالبية المطلقة في البرلمان للمرة الأولى منذ وصوله إلى سدة الحكم في العام 2002.

كما نجد مصر واليمن يوقعان في القاهرة اتفاقية لمكافحة الإرهاب، وتجفيف منابعه، ويؤكد السيسي على دعم مصر للشرعية، ويشدد على أهمية الحل السياسي للأزمة اليمنية على أساس المبادرة الخليجية، وهو ما يؤكد على استمرار مصر في التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن لاستعادة الشرعية بعد تشكيك العديد من المحللين في المواقف المصرية تجاه عاصفة الحزم.

بدأت تعود الإرادة العربية في العراق بعد استهجان عراقيين رفع صور خميني وخامنئي بشوارع بغداد والبصرة بمناسبة يوم القدس، واستهزاء سعد الحريري رئيس تيار المستقبل بخطاب حسن نصر الله مؤكدا أن طريق القدس لا تمر من الزبداني والقلمون، وقال لسنا في مواجهة طائفية تجر إلى مزيد من المزايدات والتصعيد والتطرف لأنها وصفة لضرب السلم الأهلي.

لم يعد هناك محور مقاومة بغطاء مذهبي كما كان من قبل سواء حزب الله أو الحوثي وجميع المليشيات الطائفية في العراق أو أي مليشيات تابعة لجماعات الإسلام السياسي، سواء كانت شيعية أو سنية، بل أصبح محور المقاومة والممانعة محوراً إرهابياً طائفياً لا يختلف تماما عن داعش والقاعدة، والإرهاب واحد لا يمكن تصنيفه، مثلما تتواصل الدول الغربية مع منظمات توصف بأنها متطرفة معتدلة تقيم على أراضيها.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق