تواطؤ غامض أم تغول مكشوف؟

هناك تطورات جديدة وملفتة على صعيد التدخل الإيراني المساند لحركة الحوثيين ومشروعها الفوضوي في اليمن. في البداية كانت إيران تتستر في تدخلها وتغول دورها عبر استخدامها الحوثيين كقفازات تمارس عبرهم نفوذها، وتستغل تخبطهم وعدم وجود مشروع سياسي لديهم يخدم المجتمع اليمني، بل كطرف يريد مصادرة المشهد السياسي عبر قوة السلاح والإكراه وإعادة رسم خارطة الانتقال السياسي وفقاً لأهوائه المتقلبة التي تميل لتوتير الواقع يوماً بعد آخر.

لقد تسللت إيران ببطء وبالتدريج لخلق واقع جديد في اليمن، وهي تأمل أن يتيح لها ذلك إمكانية إملاء سياستها وتوجهاتها التي تركز على تحقيق حضور في المنطقة ولو على حساب استقرار مجتمعاتها. وما يحدث في اليمن مثال حي على عبثية التدخلات الإيرانية وفوضويتها الناتجة عن أنانية مفرطة وسعي محموم لتصدير شعارات تآكلت في بيئتها الأصلية، فبات أصحابها يبحثون عن مصادر حياة في بؤر خارجية مهما كان الثمن، ومهما اشتعلت الخلافات الطائفية التي تجيد إيران صناعتها باختلاق الثنائيات المذهبية والطائفية المدمرة.

بدأ حضور إيران في المشهد اليمني عبر تقديم الدعم اللوجستي والإعلامي للحوثيين في أول الأمر، وجميع المتابعين يعرفون أن الضاحية الجنوبية لبيروت التي يسيطر عليها «حزب الله» اللبناني الموالي لإيران، تحولت أيضاً منذ فترة إلى مكان للتنسيق وللعمل الإعلامي والاستخباراتي الموجه من قبل إيران، لنفخ بالونة الحوثيين ودعمهم وتوجيه تحركاتهم ورفع سقف الفوضى التي انتعشوا في ظلها.

قدمت طهران كذلك خدمات إعلامية مغرية ومشبوهة لبعض الفصائل التي تنادي بانفصال جنوب اليمن. ولا تتوقف توغلات إيران في اليمن عند حدود الدعم الإعلامي وإطلاق قنوات فضائية وصحف ومواقع إخبارية إلكترونية لأكثر من طرف معارض، بل تجاوز الأمر ذلك إلى أن فاحت روائح التدخلات الاستخبارية المباشرة واللقاءات التي تمولها طهران وتعقد في بيروت لتوجيه وإملاء سياسات معينة تخدم تواجد ونفوذ إيران في المنطقة.

وكان الإيرانيون قد غامروا قبل فترة بإرسال شحنات أسلحة تمكنت السلطات اليمنية من ضبط بعضها وما خفي كان أعظم. أما الآن فيبدو أن التدخل الإيراني انتقل إلى طور مباشر ومكشوف، إذ تناقلت وسائل الإعلام أنباء عن تحركات عسكرية إيرانية، كشفت عنها طهران بنفسها وبدون مواربة، عبر قيادة القوات البحرية التابعة للجيش الإيراني، والتي أعلنت عن إرسال قطع بحرية (بارجة حربية ومدمرة) إلى خليج عدن بحجة حماية المصالح الإيرانية في المياه الدولية، طبقاً لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية! ومما جاء في خبر الوكالة أن «المجموعة الثانیة والثلاثین التابعة لسلاح البحر للجیش الإیراني، غادرت بعد مراسم خاصة میناء بندر عباس متجهة إلى خلیج عدن، وذلك لتأمین خطوط الملاحة البحریة للسفن الإیرانیة. وبحسب الخبر ذاته تشتمل المجموعة علی «مدمرة جماران کسفینة قیادة وبارجة بوشهر کسفینة إسناد»، وقد «انطلقت من منطقة بندر عباس وستعبر في إطار مهمتها الموکلة إلیها مضیق هرمز ومیناء جاسك وبحر عمان وشواطئ مكران وشمال المحیط الهندي وخلیج عدن ومضیق باب المندب».

المبرر الذي ساقته إيران لهذا التحرك المريب هو، بحسب التوصيف الإعلامي الإيراني، من أجل حماية مصالح إيران في المیاه الدولیة! وبهذه الجملة المطاطة تحاول طهران التبرير لتوغل عسكري مباشر بالقرب من الشواطئ اليمنية، بالتزامن مع توارد أخبار متواترة عن تهديدات أمنية ضد ممر مضيق باب المندب على أيدي الحوثيين الذين ينفذون أجندة إيران ويخدمونها دون وضع أي اعتبار لخطورة ارتهان اليمن للسياسة الإيرانية. ومن التناقضات العجيبة أن الحوثيين يبدون رغبتهم في بقاء اليمن موحداً، بينما يتعاملون بأريحية مع طهران التي تدعم مجموعات منحازة لتقسيم اليمن وتفتيته.

ولم يعد التدخل الإيراني والدعم الذي تتلقاه جماعة الحوثيين من طهران سراً، الأمر الذي ساعد هذه الجماعة الناشئة في السيطرة على كثير من المحافظات اليمنية. لكن السؤال هو: هل سيأتي اليوم الذي تعي فيه هذه الجماعة أن إيران تستغلها إلى الحد الذي جعلها تتمكن من إرسال قطعها البحرية إلى شواطئ اليمن؟

ويبقى هناك قدر من الغموض بشأن موقف القوى الدولية من هذا التحرك الإيراني في البحر الأحمر، والزمن كفيل بكشف أي تواطؤ دولي لمنح طهران موطئ قدم في المنطقة.

د. سالم حميد

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

 

 

 

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق