تفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الخاصة بدعم الدوحة مصر نواة لاستعادة الهويات الوطنية

بعد بيان قمة الدوحة الذي أكد على دعم مصر، تتجه قطر لتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين الخاصة بدعم القاهرة، تمت من خلال لقاء مصري قطري، استقبل السيسي رئيس الديوان الملكي السعودي ومبعوثا خاصا للشيخ تميم.

خرج بيان من الدوحة يؤكد فيه حرص الدوحة على الدور القيادي للقاهرة عربيا وإسلاميا، وهنأ أمير الكويت خادم الحرمين الشريفين وأمير قطر والرئيس المصري، لأنه يعرف التحديات التي كانت تواجه تلك المبادرة، وقاد حراكا دبلوماسيا مضنيا لدعم ولتفعيل تلك المبادرة.

 المبادرة ليست مصالحة، هي أبعد من ذلك بكثير، وسيحكم التاريخ على نجاح تلك المبادرة في ظل تحديات تواجه الأمتين العربية والإسلامية، خصوصا وأن هناك في المنطقة عدد من المشاريع التي تستهدف الأمتين العربية والإسلامية، من المشروع الأمريكي إلى المشروع الإيراني المتحالف مع روسيا بجانب مشاريع الحركات الإسلامية ومشاريع الإرهاب الذي يضرب المنطقة وساهم في تفكيكها وتدميرها.

تدحرجت كرة الثورات العربية من تونس إلى مصر وسوريا وليبيا واليمن، بينما تمكنت بقية الدول الخليجية والمغربية والأردن من تحصين نفسها من خلال شراء السلم الاجتماعي، وتركت تلك الثورات فراغا استثمرته حركات الجماعات الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تمتلك قاعدة شعبية واسعة، بينما في سوريا وجد الإرهاب حاضنة جاهزة بعد تحول الساحة السورية إلى ساحة صراع دولي وإقليمي تحولت إلى تفريخ الإرهاب الذي يتوالد ويتمدد لضرب المنطقة.

 بعد سنة من حكم الإخوان في مصر أثبت فشله في الحكم، انقلب الشعب المصري على حكم الإخوان بدعم الجيش في ثورة 30 يونيو، لم يكن للسعودية أن تتخلى عن واجبها الإسلامي والعربي، فدعمت الشعب المصري والجيش وأيدت مطالبه بجانب دولة الإمارات لذلك كانت دولة الإمارات مستهدفة من قبل جماعة الإخوان المسلمين بشكل مباشر دون السعودية التي تمكنت من مواجهتهم ومحاصرتهم وفق استراتيجيات مدروسة.

بدأت تنخفض القاعدة الشعبية للإخوان خصوصا في مصر وفي بقية الدول العربية، وبدأت مرحلة المواجهة الحقيقية مع جماعة الإخوان المسلمين، وتحتم على الملك عبد الله اتخاذ قرار مصيري من أجل القضاء على مقر قيادة الإخوان المسلمين في قطر، وهو قرار كبير وصعب، ولكن الملك عبد الله قبل هذا التحدي من أجل قرارات إستراتيجية خصوصا وأن الأمن العربي أصبح مفككا وبدأت جماعة الإخوان المسلمين تهدد دول الخليج أيضا.

لم ينخدع خادم الحرمين الشريفين بدغدغة مشاعره الإسلامية والقومية، خصوصا وأن جماعة الإخوان المسلمين يدّعون أنهم يمثلون الإسلام، وكل من يعاديهم فهو يحارب الله والرسول، ويؤلبون عليه الرأي العام، ولم ينساق خادم الحرمين الشريفين إلى خديعة  مطالب الإخوان المسلمين بالشرعية التي يدركها أنها على حساب الدولة الوطنية.

يدرك الملك عبد الله أن التاريخ لن يتوقف، ويمكن أن يتغير، ولن نتباكى على التاريخ فالمسلمون أزاحوا أكبر قوتين في ذلك الزمان فارس والروم في عهد عمر بن الخطاب، ودخول العرب المسلمين الأندلس عام 711 وآخر خروج لهم منها من غرناطة عام 1492، ومعركة جالديران بين العثمانيين والصفويين عام 1514 وأيضا جرت معركة بين العثمانيين والمماليك في مرج دابق في حلب عام 1516، وبين العثمانيين ودولة المجر المدعومة من أقوى قوة أوربية في ذلك الوقت إسبانيا في معركة موهاكس عام 1526.

لذلك يدرك الملك عبد الله أن مصر القلعة العربية، ومركز القوة الجيواستراتيجية في المعادلة، وعبر التاريخ كان من الصعب أن يحسم أمر الحروب الصليبية دون مشاركة مصرية فعالة، وسعى الصليبيون إلى احتلال مصر في العديد من المرات، ولكن مصر لم تكن صيدا سهلا وبعد ضرب الصليبية العالمية مصر بالفقر لإيقاف تنميتها تحاول ضربها بحركة جماعة الإخوان المسلمين التي لا تجمع عليها كافة أطياف المجتمع، مثلها مثل الحوثيين الذين يسيطرون على اليمن ولكن لا يجمع عليهم الشعب اليمني.

لا ننسى أن صلاح الدين الأيوبي كيف فضل الوحدة على التقسيم عندما أعاد مصر لعباءة الخلافة العباسية في بغداد عام 1169 بعدما ضعفت جبهة المسلمين، وأول عمل قام به صلاح الدين الأيوبي تصفية المليشيات التي كانت قائمة في ذلك الوقت من أجل تثبيت أركان الدولة المركزية المصرية.

التوافق الخليجي المصري نواة لتجميع الدول العربية تحت مظلة الوحدة واستعادة الهويات الوطنية التي ضربتها المشاريع الأمريكية والإيرانية خصوصا في العراق ودعم دول الخليج العراق في محاربة داعش الذي يهدد أمن العراق وأمن المنطقة.

نجاح السبسي في الانتخابات الرئاسية في تونس أجهض آخر مشروع للإخوان في المنطقة العربية، وتعاني مصر من انهيار الدولة في ليبيا وكذلك تعاني السعودية من انهيار الدولة في اليمن.

هذه النواة العربية الجديدة هي التي تقود مرحلة جديدة لاستعادة الهوية الوطنية السورية، يدعم تلك النواة تصريح أردوغان بأنه لن يسمح بقيام دولة كردية إلى جوار تركيا في سوريا، وتلك النواة هي التي تدعم قيام الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية المقبلة، والانقسام الفلسطيني خصوصا بعد عودة العلاقات ما بين حماس وإيران لن يحقق مشروع الدولتين.

النواة العربية الجديدة يمكن أن تقنع الدور التركي في دعم المشروع العربي في وقف معاداته مصر الذي يصب في صالح المشاريع الخارجية التي تضرب المنطقة، ومحاولة إقناع إيران بوقف تدخلها في الدول العربية باعتبار أنها دولة جارة ومسلمة وهي بذلك لا تخدم مشروعها القومي بل تخدم المشاريع الخارجية.

آن الأوان أن تقتدي الدول العربية بالاتحاد الأوربي الذي تغلب على صراعاته التاريخية، وحول القارة العجوز وقارة الأضداد إلى قوة اتحادية توازي قوة أميركا والصين وروسيا الاقتصادية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق