تفاؤل العرب لا يقي من مخاطر إيران

في كل عملية انتخابية جديدة في إيران واختيار رئيس جديد لها، يبتهج العرب قبل الإيرانيين ويفرحون، ويتأملون الخير من جارة لا تتحلى بأخلاق حسنة ولا بـقيم إسلامية، حيث أصبحت منذ نشأتها عبئا ثقيلا على العرب يصعب التخلص منه. ومازال العرب وعلى رأسهم القيادات يتأملون الخير في كل تغيير شكلي يحدث في إيران ويتفاءلون بالمستقبل، عملا بـ” تفاءلوا خيرا تجدوه”.

ويتجلى هذا التفاؤل بأشكال متعددة أبرزها حل الملف النووي الإيراني من خلال التفاوض والسلم قبل أن تملك إيران القنبلة النووية. هذا التفاؤل السياسي تجاه إيران وملفها النووي قد يؤدي إلى نتائج كارثية على منطقة الخليج العربي وأمنها، إذا لم يسند بقراءة واقعية للتاريخ والحاضر الإيراني وإذا لم يسند بخطوات عملية على أرض الواقع، لأنه سيصبح مجرد سراب سياسي لا يمكن تحقيقه. يظن بعض أصحاب القرار في الدول العربية أن بالإمكان تطويع إيران وإقناعها للقبول بالقرارات الدولية من خلال استخدام عصا الترهيب والتلويح بالعقوبات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وعبر جزرة الحوافز الاقتصادية والدعم الفني والضمانات الأمنية من قبل دول المنطقة.

قد يبدو لأول وهلة أن أسلوب استخدام العصا والجزرة بهذه الطريقة سيكون مجديا تجاه إيران لمنعها من تصنيع القنبلة النووية والحصول على أسلحة الدمار الشامل، ويجنب المنطقة من العواقب الوخيمة والأضرار الجسيمة ويحول دون إراقة الدماء. لكن بقدر ما يبدو هذا الأسلوب كـلوحة فنية جميلة فأنه غير واقعي وغير قابل للتطبيق. فلو كان أسلوب العصا مجديا وأسلوب الجزرة ناجعا لأعطيا ثمارهما منذ فترة طويلة. وما فشل الحوافز والعقوبات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي -رقم 1696 و1737 و1747 و1803 و1929 -الصادرة تحت البند السابع بثني إيران عن الاستمرار في تحدي إرادة المجتمع الدولي، إلا دليل دامغ ومقنع عن عدم جدوى التعامل بهذا الأسلوب (تقديم الحوافز وفرض العقوبات) مع إيران حول ملفها النووي المقلق للجميع.

المشكلة لا تكمن بأسلوب العالم أثناء التعاطي مع النظام الإيراني وكيفية إدارة أزمة الملف النووي، وإنما تكمن في بنية النظام الإيراني والمؤسسات المسؤولة عن اتخاذ القرارات المصيرية في طهران. حيث تأسس هذا النظام على شعارات ثورية ولا يؤمن بالإصلاح والأخذ والعطاء في عالم السياسة وإنما جل تركيزه على هدم الموجود والبناء من جديد حسب منطقه ومصالحه، لصياغة واقع جديد يتماشى مع أهدافه وطموحاته. متوهم من يعتقد بإمكانية حل أزمة الملف النووي الإيراني من خلال الإغراءات والحوافز أو من خلال العقوبات والتهديدات، ومتوهم من يعتقد بإمكانية احتواء إيران والتوصل معها إلى نتائج مرضية لجميع الأطراف أو حلول وسطية تحقن دماء الأبرياء وتحافظ على التوازن في المنطقة. هذا المنطق لا تتحلى به إيران ولا قادتها ولا تؤمن به أبدا.

الخطر الإيراني لا يتمثل فقط بملفها النووي الغامض حتى يمكن معالجته بطريقة دبلوماسية وسياسية وإنما طموحها لامتلاك السلاح النووي يُعد فقط وسيلة استراتيجية ومضمونة لتحقيق أهدافها وغاياتها في المنطقة والعالم. إيران تريد فرض هيمنتها على المنطقة وتريد إعادة امبراطوريتها الساسانية وهذا يتجلى جهارا نهارا بتدخلاتها في دول المنطقة وزعزعة استقرارها. حيث أصبح حجم التدخل وفرض الهيمنة بقوة السلاح وقوة الإجرام ملفات وليس ملفا واحدا، وكلها عالقة مع إيران ولا تقل خطرا عن الملف النووي بل تزيد عليه بدرجات عديدة وترتبط به مباشرة. لا ضرورة لسرد تدخلاتها في دول الجوار والمنطقة فالأحداث وحجم الانتهاكات والجرائم والدمار في سوريا والعراق والبحرين واليمن كفيلة بوضع النقاط على الحروف، وكشف المُتستر عليه.

يكمن الحل الوحيد لهذه الأزمة وغيرها من الأزمات التي باتت إيران مصدرا لها والمنطقة بأسرها ضحية، يكمن في تغيير النظام الإيراني والقضاء على جميع توابعه. حتى وإنبداللأخرين إن تغيير النظام الإيراني مُكلف وقد يزعزع أمن واستقرار المنطقة، لكنه يبقى الأنجع والأكثر فاعلية على المدى الاستراتيجي. حيث لا أمل في تغيير توجهات نظام لا يفهم إلا لغة القوة، ولا يمكن الرهان على خيارات تم تجريبها وفشلت ولا يمكن الرهان على أسلوب المماطلة والنفس الطويل في التفاوض مع نظام يُعد الوقت لصالحه وفي ضرر الأطراف الأخرى.

ماذا يمكن أن يحدث للدول العربية في حال سعت لإسقاط النظام الإيراني أكثر مما حدث لحد الآن؟ بعد أن بات العراق وسوريا واليمن مسرحا للحرب بالوكالة عن إيران ضد المواطن العربي. وبعد أن أصبح حال البحرين ودول الخليج العربي بمجملها كـنار تحت الرماد تنتظر الإشارة من قم وطهران لتشتعل. إي سوء يمكن أن يلحق بـالدول العربية أكثر مما هي عليه الآن. فليخوضها العرب مجتمعين أفضل من خوضها منفردين متفرقين، لأن إيران لا تنظر لهم مثل كيانات منفصلة عن بعضها ولا تتعامل معهم من هذا المبدأ حتى وإن أوحت لأصحاب القرار في الدول العربية بذلك. وهذا ما يمكن لمسه من خلال خطابها الذي دائما ما تمنح لنفسها قيادة العالم الإسلامي والطائفة الشيعية، ومرة ثانية يمكن لمسه من خلال الواقع والأحداث الدموية حيث تستهدف إيران جميع المناطق العربية الإسلامية حتى وإن اختلف الاستهداف بالنوع والكم.

لذلك خوض الحرب مباشرة وسوية ونقلها داخل الجغرافيا السياسية الإيرانية أفضل من خوضها منفردين ومتفرقين وبالوكالات وخارج حدود إيران، فالحرب بالوكالة وخارج الحدود الإيرانية لا تضر بإيران ولا تؤذيها بقدر ما تضر العرب وتؤذيهم. كما إن هذه الحرب خارج الحدود الإيرانية تسمح لها أن تناور وتراوغ على حساب دماء العرب والمسلمين أكثر مما لو كانت على أراضيها.

ولكن كل هذه الحقائق والوقائع لا تعني شيئا في عالم السياسية مادام صاحب القرار في الدول العربية المؤثرة لم يحسم أمره بعد من إيران وحربها ضد العرب والمسلمين ولم يتخذ قراره بـالدفاع عن النفس بوجه المشروع الساساني المرتدي حلة طائفية مقيتة.

إبراهيم الفاخر

الوسم : إيرانالعرب

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق