تشكيل تحالف إقليمي في مواجهة التحديات يرتكز على مثلث سعودي-مصري-تركي

مر على الاحتلال الأمريكي لأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر 15 عاما، وعلى الغزو الأمريكي لبغداد 13 عاما، عمت الفوضى كل جوانب الحياة في بغداد، بعدما تحول العراق صراع بين إيران وأمريكا، وكليهما يستخدمان الطوائف ضد الآخر، الذي ترك فوضى وفراغا كان للإرهاب الفرصة في ملئ هذا الفراغ، خصوصا بعدما لجأ الحاكم الأمريكي بول بريمر إلى حل مؤسسات الدولة والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وهو ما حدث في ليبيا أيضا بعد إسقاط القذافي باعتراف أوباما بسبب عدم جاهزية مشروع بديل يحل محل الفراغ الذي تركه القذافي، وهو نفس السبب الذي يجعل العديد من الدول تختلف حول انهيار مؤسسات الدولة في سوريا، والبعض يتخذها حجة لبقاء الأسد، فيما السعودية أوجدت البديل عن طريق حكومة انتقالية.

هذا يعني ضياع بلدان من العراق وسوريا وليبيا واليمن وغياب رئيس في لبنان بسبب هيمنة مليشية حزب الله ومصادرة القرار السياسي في لبنان، وهو ما ترفض السعودية  تطبيق نفس النموذج في اليمن، رغم التضحيات التي بذلتها السعودية في سبيل منع تطبيق هذا النموذج.

فمثلا تحولت أحلام العراقيين في الحصول على ديمقراطية بديلا للاستبداد الذي عاشه العراق زمن صدام حسين، لكن تحولت تلك الأحلام إلى فوضى عارمة، وتم تسيس القضاء وفق الكتل السياسية المتنفذة، وتحول العراق إلى معتقلات تزدحم بالعراقيين في بلد شرعت فيه القوانين في زمن حمورابي قبل أكثر من ستة آلاف سنة، وبعدما كان العراقيون يتحدثون عن الانجازات زمن صدام حسين، الآن يتحدثون عن سرقة أحلامهم وغياب القوانين وتدمير كل المنجزات التي بنيت في عهد صدام حسين، الفوضى أجبرت كافة الكفاءات على الهجرة إلى خارج العراق.

بدأ الملك سلمان بزيارة إلى مصر التي أسفرت عن عدد قياسي من الاتفاقيات بنحو 36 اتفاقية ومذكرة تفاهم وقعت بين البلدين بقيمة حوالي 23 مليار دولار، بالإضافة إلى اتفاق بتزويد مصر بالبترول لخمس سنوات مقابل 23 مليار دولار، مما يرفع قيمة الاتفاقيات ومذكرات التفاهم إلى نحو 45.65 مليار دولار، ومن أبرز الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الاقتصادية التي تم توقيعها بين مصر والسعودية خلال الزيارة، اتفاق إنشاء صندوق استثمار مشترك بقيمة 16 مليار دولار، وإنشاء منطقة اقتصادية حرة ومشروعات إسكان وكهرباء وطرق زراعية في سيناء من أجل تنميتها، كما تتجه شركة أرامكو السعودية إلى تعزيز إمدادات النفط إلى أوربا عبر أنابيب سوميد المصري حيث يمتد بطول 320 كيلومرتا من البحر الأحمر إلى ميناء سيدي كرير بالإسكندرية، وتمتلك الهيئة المصرية العامة للبترول نصف شركة سوميدي التي تملك وتشغل ميناء سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط، بينما يمتلك النصف الآخر مجموعة من أربع دول عربية خليجية هي السعودية والكويت والإمارات وقطر.

ونجح الملك سلمان في تمرير توقيع اتفاقية بناء الجسر السعودي المصري بعد ثلاثة عقود من التردد الذي طرح عام 1989 لكن تم إعاقة المشروع تعقيدات سياسية واستراتيجية وتدخلات أطراف دولية لم تكن الدول العربية في ذلك الوقت مواجهتها، لكن اليوم بعد تشكيل مثل تلك التحالفات أصبحت قادرة على استرداد القرار السيادي والسياسي، بل أخفقت كثير من مشاريع التكامل العربي والإقليمي، لكن تلك الزيارة تمثل قدرة السعودية ومصر على تبني مشاريع استراتيجية طويلة الأمد ومتعددة الأطراف وهي نواة لمشاريع عربية تلكأت وتباطأت مثل مشروع الربط الكهربائي العربي.

ما يعني أن السعودية أعادت لمصر دورها الريادي والاستثماري بعدما عانت مصر بعد الانتفاضات الشعبية عام 2011 وما تبعها من اضطرابات سياسية أدت إلى عزوف المستثمرين والسياح ما حرم مصر من تدفقات العملات الأجنبية التي تحتاجها مصر.

ثم أتت زيارة الملك سلمان إلى تركيا فرصة كبيرة لهذا البلد الذي يعاني علاقات مرتبكة مع دول الجوار العربي، خصوصا بعد السياسات التي اتبعتها تركيا في دعم الإسلام السياسي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين والتي أثرت بشكل كبير على أمن اكبر دولة عربية وهي مصر، ولا يمكن أن تقبل السعودية أن تستمر تركيا في مثل هذا الدور الذي يهدد أمن الدول العربية.

السعودية بحاجة إلى الدورين المصري والتركي كمثلث أضلاعه في تلك الدول بقيادة السعودية وتشكيل هذا التحالف الثلاثي ليس ماردا سنيا ضد الشيعة كما يروج له العديد من الكتاب ولا قومية سنية بديلة عن القومية العربية والإسلامية لمواجهة الشيعة الفارسية، هذا التكتل وهذا التحالف بقيادة السعودية لمواجهة كافة التحديات واستعادة الدولة الوطنية بجميع مكوناتها المذهبية والقومية والدينية، وترى السعودية حزب الله والمليشيات الشيعية وداعش والقاعدة وكل جماعة مسلحة خارجة عن الدولة الوطنية هي جماعة إرهابية، وهي ترفض التصنيفات التي يستخدمها الغرب ويركز فقط على داعش، لذلك الآن حزب الله على طاولة مؤتمر القمة الإسلامي في اسطنبول بعدما تم التصويت عليه في جامعة الدول العربية باعتباره منظمة إرهابية، خصوصا بعد انهيار محور المقاومة والممانعة، بعدما اكتشف الشعبين العربي والمسلم أن هذين المحورين هما يحققان أجندات قومية ومشاريع توسعية على حساب أمن الدول العربية.

حاجة السعودية إلى بناء حلف عربي إسلامي صلب لمواجهة كافة المخاطر التي تهدد أمن المنطقة وجعلتها ساحة لكافة المشاريع الدولية والإقليمية والإرهابية، الملك سلمان في زيارته لتركيا كما يطالب إيران بوقف التدخل في المنطقة العربية ،فهو يطالب تركيا كذلك بوقف دعمها لجماعة الإخوان المسلمين، وبداية مرحلة جديدة لمواجهة التهديدات العالمية التي تعبث في الساحة الإقليمية وتتلاعب بمصيرها، وجعلها ساحة تصفية حسابات دولية نتيجة الاختلافات بين الدول الإقليمية بسبب أن لكل دولة إقليمية مصالح خاصة تبحث عن مشاريعها بمعزل عن الدول الإقليمية الأخرى، ما يؤدي إلى الصراع الإقليمي ويفتح الباب أما القوى الكبرى كي تستبيح الساحة لتصفية حساباتها مثل حضور روسيا  إلى سوريا لتصفية حساباتها مع الغرب في أوكرانيا.

وفهمت السعودية من رغبة تركيا زيادة مشاركتها في التحالف الإسلامي العسكري تخليها عن المشروع الإقليمي في دعم الإخوان، كما فهمت من أن تركيا لا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية، ولكنها تقبل بعرضه ومناقشته في منظمة التعاون الإسلامي في اسطنبول خصوصا بعدما صرح أمين منظمة التعاون الإسلامي بأن تصرفات حزب الله الأخيرة جعلته مجموعة من المرتزقة، وهناك مساعي تركية حريصة على الخروج بموقف موحد ووقف التدخلات الإيرانية بند أساسي في مسودة البيان الختامي لقمة التعاون الإسلامي، وأنقرة ترغب في حضور السيسي رغم أن مصر أعلنت أنها ترجئ إعلان مستوى تمثيلها بالقمة الإسلامية في تركيا حتى الساعات الأخيرة، كما أن الموقف السياسي للبنان يحدد مستقبل العلاقات اللبنانية مع دول المجلس التعاون.

وكان من بوادر هذه الزيارة والتحالف أن استقبل السيسي بري وأكد له حرص مصر على امن لبنان واستقراره وناشد اللبنانيين التوافق على اختيار رئيس للجمهورية، كما ارتفعت الخسائر الروسية في سوريا إلى ثلاث طائرات وثمانية قتلى ومن هذه الطائرات سقوط المروحية الضاربة من طراز (مي – 28 ن ) المعروفة باسم صياد الليل في ريف حمص وسط سوريا ومصرع طياريها التي تعتب رمن أحدث المروحيات الروسية وتتمتع بقدرات قتالية مميزة وتعد من أبرز إنجازات الصناعة الحربية الروسية.

ولتثبيت أركان التحالف العربي واصلت التحركات السعودية بالتزامن مع زيارة الملك سلمان للقاهرة ثم واصل مسيرته لأنقرة، إضافة إلى جولة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى عمان وأبو ظبي من أجل مواجهة تمدد إيران قبل مواجهة تمدد داعش في المنطقة.

زيارة الملك سلمان لأنقرة لحسم تركيا موقفها المتردد في تشجيع حركات الإسلام السياسي حيث يستغل الملك سلمان ظروف أنقرة الإقليمية والمحلية، بما يخدم عزل إيران إقليميا ودوليا وتضييق الخناق على مشاريعها في عدد من الدول العربية خصوصا وأن طهران تستخدم أنقرة ممرا إلى الدول العربية أو متنفسا للخروج من عزلتها عبر توقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية مع أنقرة، وعلى أنقرة أن تختار بين الجانبين إما أن تقبل بالاندماج بشكل فاعل إلى التحالفات العربية والتوقف عن مشاريعها الخاصة التي تضر بأمن الدول العربية وعلى رأسها وقف دعم الإخوان، لكبح هذا العبث الذي يهدد أمن الدول العربية والذي يتلاقى مع مشروع ولاية الفقيه ويشكل كماشة يطبق على المنطقة العربية.

وتدرك السعودية أن تركيا وإيران يتنافسان على النفوذ الإقليمي من شرق المتوسط إلى ما وراء القوقاز، وتريد طهران الحفاظ على حصتها النفطية من بحر قزوين، ويجمعها مع موسكو قلق من تحكم أنقرة في طرقات نقل الطاقة من هذه المناطق إلى المياه الدافئة، كما أسقطت طهران البعد الشيعي الذي تدعي إيران أنها عاصمة الإسلام الثوري الشيعي لإقناع أمريكا والغرب بأنها تمثل الإسلام الوسطي والمعتدل، وأن القاعدة وداعش خرجا من السنة برعاية سعودية من أجل أن يستهدف الغرب.

 لكن في أذربيجان ذات البعد الشيعي تتحالف إيران مع أرمينا ضد باكو، حيث تتهم الحكومة في باكو طهران بأنها تنحاز إلى أرمينيا ودعم مادي وعسكري حيث طغى العامل القومي على المذهبي، وتنظر طهران بعين الريبة إلى العلاقة المتينة بين أنقرة وباكو حيث استغل الأتراك البعد القومي في علاقتهم مع باكو وهي منطقة تحرص أنقرة على استقرارها ما وراء القوقاز التي تؤثر على إمدادات الطاقة من روسيا وآسيا الوسطى ودول حوض بحر قزوين إلى الأسواق الأوربية عبر تركيا، لذلك تفجر الوضع في قرة باغ قد تكون ردة فعل تركية على التدخلات الروسية الإيرانية في سوريا خصوصا بعد ضغط موسكو على أنقرة بعد تواجدها العسكري في أرمينيا ضمن مخطط محاصرة تركيا خصوصا بعدما ضربت تركيا الطائرة الروسية.

العلاقات السعودية التركية تحولت من علاقات حذرة إلى علاقات متعددة الجوانب، وأصبح التحرك بشكل مشترك، خصوصا بعدما كشفت أحداث سوريا ملفات إيران الطائفية والتوسعية في المنطقة، وفي نفس الوقت أظهرت سياسات الدول الكبرى الكيل بمكيالين للدولة بالمعنى العالمي، وقد فتح النقاش حول الملف السوري لدى الغرب تصنيف الإرهاب أي إرهاب جيد وإرهاب سيء حسب مصالحهم، وهو ما ترفضه السعودية وتركيا، وبعدما تحولت مشكلة اللاجئين إلى مشكلة عالمية بدأ العالم يعيد النظر في سياساته.

وسفر سامح شكري إلى اسطنبول ومشاركته في أعمال القمة يشكلان تطورا مهما، وهي أول زيارة لوزير مصري بعدما شهدته مصر عام 2013، وهو تطور يوفر مساهمة إيجابية في تطبيع العلاقات بين البلدين.

السعودية تعيش تحولا اقتصاديا، فإن تخطيط السعودية الراغبة في تطوير البنى التحتية للحد من الاعتماد على النفط وتوفير تنمية اقتصادية متوازنة، لتنفيذ مشاريع استثمارية بقيمة 613 مليار دولار حتى عام 2016، يعني أنها ستكون سوقا للشركات التركية والمصرية وغيرها، ويبلغ إجمالي أصول الصناديق السيادية في دول الخليج نحو 2.67 تريليون دولار تتجه للعب دور أكبر في اقتصاد العالم، وهي تعادل أكثر من 37 في المائة من موجودات مثيلاتها.

كما أن السعودية تتجه نحو تطوير الصندوق السيادي لتصبح الاستثمارات المصدر الرئيسي للدخل بدلا من إيرادات النفط، متوقعا أن يدير الصندوق استثمارات بأكثر من تريليوني دولار.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق