تركيز إيران على اليمن لتعويض خسائرها في العراق

المشهد الدائر في اليمن نتيجة تركيز السعودية على أولوية إعادة ترتيب البيت الخليجي ثم حماية البحرين من الاستهداف الإيراني حتى نجحت في تحييد المعارضة التابعة لإيران.

خصوصا أن السعودية تصارع على عدة جبهات، الجبهة الإيرانية، وجبهة حركات الإسلام السياسي، وجبهة الإرهاب، لأنها حريصة على استقرار مصر العمق الاستراتيجي لدول الخليج حتى لبقية الدول العربية قاطبة.

ولا ينفصل ما يحدث في ليبيا بعد حصول التيار الإسلامي على 20 مقعدا في الانتخابات الأخيرة من بين 200 مقعدا التي لم تكن نتائج الانتخابات مريحة لهم، فاتجهت المليشيات الإسلامية إلى محاصرة المحكمة الدستورية لفرض واقع جديد.

بعد أن ضمنت السعودية الحفاظ على أمن البحرين بعد الانتخابات الأخيرة والتي لم تحصل جماعة الإخوان المسلمين سوى على مقعد واحد من إجمالي أربعين مقعدا، لن تفرط في إنقاذ العراق، والتنسيق معه في مواجهة الإرهاب، الذي تسببت فيه سياسات المالكي الإيرانية.

توسعة رقعة الإرهاب نتيجة سياسات المالكي الإقصائية، ونتيجة ممارسة سياسات المحاصصة، واتهام السنة في العراق بالإرهاب، ولكن بعد استيعاب السياسيين العراقيين من كافة الكتل السياسية، والمرجعيات الدينية خصوصا الشيعية خطر السياسات الإيرانية على العراق، وبدأت تحرص على التنسيق المشترك مع السعودية ومع بقية دول الخليج لمواجهة الإرهاب الذي ضرب العراق والمنطقة.

اكتشف العراق أنه يخدم المشروع الإيراني الطائفي، وهو أول من اكتوى بنار المشروع الإيراني، وهي فرصة وجدتها السعودية لعودة العراق لبيته العربي، ولن توصد الأبواب تجاه مساعدته في الخروج من مأزق الإرهاب الذي وضعته فيه إيران، رغم أن إيران تحاول أن تظهر بمظهر المدافع عن المناطق الشيعية في العراق بقيادة قاسم سليماني، ولكن العراقيين لم تعد تنطلي عليهم مثل تلك التحركات، ولكنهم لا يستطيعون التحرر الكامل من التبعية الإيرانية بسبب أن لدى إيران توغل عميق، وتشرف على مليشيات شيعية وهي التي تحركها لتنفيذ مشروعها القومي.

تعتبر إيران التنسيق والعمل المشترك بين العراق ودول الخليج وعلى رأسها السعودية خسارة استراتيجية لها، قد تقود إلى خسائر أخرى لها في المنطقة، فركزت على اليمن باعتراف طهران على لسان مساعد وزير الخارجية في الشؤون العربية والإفريقية في 10/12/2014 قوله إن بلاده “اليوم الأكثر نفوذا في المنطقة ، وتستخدم هذا النفوذ لضمان أمنها القومي ومصالحها القومية وأمن المنطقة”. بل أكدت وكالة أنباء الجمهورية الإيرانية (إرنا) عن عبد اللهيان أن إيران استخدمت نفوذها في تطورات اليمن لما يضمن الوحدة الوطنية والوفاق بين الفصائل اليمنية، إيمانا منها بأن الأمن المستدام في اليمن له تداعيات مباشرة على الأمن المستدام في منطقة الخليج برمتها.

استولى الحوثيون على صنعاء نتيجة تفاهم بينهم وبين عدوهم السابق علي عبد الله صالح الذين دخلوا معه في ستة حروب، ولكن يريد علي عبد الله صالح أن ينتقم ممن انقلبوا عليه في الثورة اليمنية، أي استولى الحوثيون على صنعاء نتيجة تفكك الكتل السياسية قد يكون تجنبا لحرب أهلية تجنبه الرئيس هادي.

لكن بعد استهداف علي عبد الله صالح من قبل مجلس الأمن وفق البند السابع، كما وجد حزب الإصلاح نفسه في حالة ضعف، فمن مصلحة الحوثيين التحالف من جديد مع حزب الإصلاح، والقبول بالأمر الواقع بعدما وجد الإصلاح أن جسده ممزق خصوصا بعد ذهاب أذرعهم العسكرية الممثلة في علي محسن الأحمر وأولاد الأحمر. وبعد أن أدرك الإصلاح، أن إرادة الدولة هي التخلص من قوة الإصلاح، وتفكيكها عن طريق الحوثيين، لكن أصبح الوضع السياسي في اليمن محتقن ومعقد، وأدى إلى ظهور خريطة سياسية جديدة، خصوصا في ظل تردد دولي وضبابية خليجية نتيجة ترتيب الأولويات لدى دول المجلس.

الجميع يرحب بأي اتفاق سياسي، وما حصل استراحة محارب، ولكن إيران استغلت الوضع ووجدتها فرصة للتدخل ولتنفيذ أجندة راسخة في اليمن ودعم الحوثيين بحيث يصبحوا حزب الله في اليمن وإشعار دول الخليج بأن الأزمة اليمنية لا يمكن أن تنحل  من دون إيران مثلما يحدث في لبنان.

الإصلاح يريد تشكيل جبهة جديدة، والحصول على مكتسب سياسي جديد لوقف تمدد الحوثيين، من خلال إعادة إنتاج أعدائه من جديد، وسبق تحالف الاصلاح مع الحوثيين ضد علي عبد الله صالح زمن الثورة، وإدراك الإصلاح أنه لا يمكن أن يقضي أحد الطرفين على الآخر.

لكن يواجه حزب الإصلاح، ويواجه الدولة، بأن الحوثيين يمتلكون عقيدة مخالفة لعقيدة بقية الكتل السياسية في اليمن، بجانب امتلاكهم السلاح، ومثل تلك العقيدة مدعومة من إيران، ولديها مشروع لا يختلف عن المشروع في لبنان، خصوصا وأن الحوثيين الذين وقعوا على اتفاقية السلم والشراكة لم يلتزموا ببنود الاتفاقية، وأهم بند كان سحب المسلحين من العاصمة.

في ظل هذا المشهد، وضعف سيطرة الدولة على الأطراف بسبب تأخرها في معالجة الوضع السياسي أو فشله، تزداد القاعدة قوة وتنظيما، خصوصا بعد دخول عنصر جديد وهو العنصر الطائفي مما يؤدي إلى وقف المد الشيعي الحوثي، وبالذات في مأرب التي ترى القبائل بأنها تدافع عن شهامتها، ولن تقبل أن يستفزها المد الشيعي في ظل انهيار جسد الدولة نتيجة مطامع طائفية متقاطعة مع مطامع إقليمية، خصوصا بعد بذل الحوثيين جهودا حثيثة لاقتحام مدينتي مأرب النفطية والبيضاء، وهما آخر محافظتين في شمال البلاد خارج سيطرة الحوثيين الشيعية.

أدركت النخب السياسية في اليمن مدى دقة الوقت التي تمر به اليمن، بعد أن تحول اليمن إلى أداة إلى قوى خارجية في أرض اليمن، خصوصا بعدما سيطر الحوثيون على كامل مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، ويجندون عناصرهم باسم اللجان الشعبية.

أصبح كبار السياسيين والعسكريين شبه محاصرين، حتى سلطة الرئيس هادي باتت برتوكولية، وعندما فرغت قمة الدوحة خرجت ببيان حول اليمن يطالب البيان بانسحاب الحوثيين من العاصمة ومن كافة المناطق التي استولوا عليها، لكن كان رد الحوثيين بأن دول الخليج لا تدرك الواقع على الأرض.

إيران ترعى اتفاقية مخالفة للمبادرة الخليجية التي تتكون من ستة محافظات فيدرالية إقليمين للجنوب، وأربعة للشمال، لكن تحفظ الحراك الجنوبي على مخرجات الحوار، وكذلك الحوثي لأنه يريد ضم حجة باعتبارها ميناء على البحر الأحمر والجوف إلى محافظة ازال.

بينما الاتفاقية التي ترعاها إيران يمن كونفيدرالي مكون من محافظتين، خصوصا مع سالم البيض الجنوبي الذي يتبع إيران، وبذلك تكون هناك سيطرة تامة لإيران على اليمن.

علاقة اليمن بالسعودية علاقة استراتيجية، وهي دولة من دول شبه الجزيرة، ولن تستطيع إيران دعم التنمية الاقتصادية، وهي تعاني وضعا اقتصاديا سيئا نتيجة العقوبات الغربية على النفط الإيراني، ولولا الدعم الخليجي للاقتصاد اليمني عام 2014 لانهار الاقتصاد اليمني.

 لا تزال السعودية الدولة الوحيد القادرة على رعاية مصالحة بين جميع الأطراف اليمنية التي لها علاقة مباشرة مع جميع الأطراف، وحتى الطرف الحوثي باعتباره طرفا يمنيا بعد أن يتحول إلى حزب سياسي وطني.

لن تسمح السعودية لطرف مدعوم إيرانيا أن يسيطر بمفرده على الساحة اليمنية دون بقية الأطراف، وهو مخالف لبنود الحوار الوطني، واتفاقية السلم والشراكة الذي تفادى حربا أهلية يمكن أن تدخل اليمن في حرب أهلية يحول اليمن إلى منطقة قرصنة بحرية على غرار الصومال يهدد التجارة الإقليمية والعالمية، ولن يرضى المجتمع الدولي بحدوث مثل ذلك.

يمتلك اليمن موارد كبيرة جدا، فالنفط في الجنوب، والغاز في مأرب يتم تصديره عن طريق شبوة في الجنوب، ويمتلك اليمن 200 جزيرة بحدود بحرية أكثر من 2500 كيلو متر يمكن أن تؤسس قاعدة أساسية للسياحة التي تدر على اليمن أموال كبيرة.

هي عوامل وحدة أكثر منها عوامل انفصال، تجمع عليه معظم القوى السياسية في اليمن، لأن اليمن يقع في منطقة استراتيجية، فاستقراره مصلحة للمنطقة الإقليمية وللعالم بأسره، فلن تقبل السعودية أن تلعب إيران في منطقة استراتيجية، خصوصا بعدما ضمنت حفظ الأمن الخليجي وتماسكه بعدما ضربته رياح التفكيك، فستعود السعودية إلى اليمن لإدارة الأزمة فيه.

د.عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق