تركيا: الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية

تتناول هذه الدراسة، الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في تركيا، ومستقبلها. وذلك وفق التقسيم التالي:

القسم الأول: الوضع السياسي

 أولاً-التصويت على الدستور والنظام السياسي.

  • متطلبات تعديل الدستور.
  • اعتراضات المعارضة التركية على الدستور الجديد.
  • احتمالات المسار الدستوري.

ثانياً – الأحزاب التركية الفاعلة.

القسم الثاني: الوضع الأمني.

        أولاً-المسألة الكردية.

        ثانياً-نشاط داعش داخل تركيا.

        ثالثاً-أزمة اللاجئين في تركيا.

        رابعاً-السياسة الخارجية التركية ودورها في الصراع شرق الأوسطي.

        خامساً-مستقبل مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.

القسم الثالث: الوضع الاقتصادي.

        مؤشرات الاقتصاد التركي

تسعى الحكومات التركية المتعاقبة منذ عام 1982 إلى إدخال تعديلات عديدة على دستور عام 1982، وصولاً إلى رغبة حزب العدالة والتنمية في إحداث نقلة أكبر من ذلك، عبر تقديم دستور جديد يختلف كلياً عن سابقه، وذلك تحت الحجج الرئيسة التالية:

  • قام دستور عام 1982 نتيجة انقلاب عسكري عام 1980، ما أدى إلى فرض دستور جديد مخالف لدستور عام 1961 يفتقد للشرعية الحقيقية. وهنا تبرز الحاجة إلى إصدار دستور مدني –غير عسكري-، يحظى بشرعية حقيقية من الشعب التركي، غير مفروض من أية جهة في الدولة. فيما يمثِّل دستورا 1924 و1961 نخباً داخل الدولة لا الشعب التركي.
  • إصرار دستور عام 1982 –دستور الانقلاب-، على صيغة العلمانية بمعناها اللائكي، أي المعادي للدين ولكافة مظاهر التدين، وهو ما أنتج إشكالية بين السلطة والأفراد المتدينين في المجتمع التركي طيلة الفترة السابقة لتولي حزب العدالة والتنمية الحكم. وهو غير موجود سوى في ثلاثة دساتير بهذا الشكل: فرنسا وتركيا وإيرلندا.
  • البحث عن صيغة معدّلة من العلمانية تقبل بالدين الإسلامي ومظاهره، مع تباين آراء العدالة والتنمية حول العلمانية، ففيما أكّد رئيس الوزراء السابق أوغلو، الاحتفاظ بها بصيغة معدلة، رفض رئيس البرلمان قهرمان، الصيغة العلمانية في الدستور كلياً، داعياً إلى صياغة دستور ذي محتوى ديني.
  • وفقاً لرئيس البرلمان إسماعيل قهرمان، فإن 63% من مواد دستور 1982 تم تعديلها، وبالتالي فإن هذا الدستور لم يعد مترابطاً بين مواده، ما يخلق حاجة إلى تعديله.
  • رغبة أردوغان، في ترسيخ وجوده في السلطة بشكل أكبر، وحصوله على صلاحيات تتيح له التحكم بالبلاد، وهو ما لا يتيحه الدستور الحالي. وذلك اعتماداً على انتخابات عامي 2007 و2011، والتي يرى فيها حزب العدالة والتنمية أنها منحت شرعية حقيقية لأردوغان للسير في هذا النهج.

 

متطلبات تعديل الدستور:

يحتاج حزب العدالة والتنمية، إلى 330 صوت في البرلمان لتمرير مشروع الدستور، غير أنه لا يمتلك منها سوى 317 صوتاً، وعليه فقد أخفقت حتى تاريخه، كافة محاولات تمرير مسودة الدستور، أو حتى الاتفاق عليها مع أطراف خارج الحزب. إذ أخفقت اللجنة المكلفة بإعداد دستور جديد على الاتفاق حول مفردات هذا الدستور، ما أدى إلى انسحاب حزب الشعب الجمهوري –أبرز أحزاب المعارضة- من اللجنة، وقام رئيس البرلمان بحلها، في فبراير 2016. وهو تكرار للفشل الذي مُنِي به حزب العدالة والتنمية أثناء محاولة تعديل الدستور عام 2013. فيما أنشِئت لجنة جديدة في إبريل عام 2016، على أمل الوصول إلى توافق داخل البرلمان، وعرض الدستور على التصويت قبل العطلة الصيفية للبرلمان.

وإن كان من الممكن إجراء استفتاء شعبي على دستور جديد، عوضاً عن إحداث توافق داخل البرلمان بين القوى السياسية الرئيسة فيه، إلا أن الخيار لم يُفعّل بعد، ربما تطلّعاً من العدالة والتنمية إلى كسب أطراف داخل البرلمان، أو عدم ثقتها بعد بنتائج الاستفتاء الشعبي. وهو ما قد يدفع تركيا إلى أزمة سياسية داخلية، على غرار ما حصل مع حكومة مرسي إبان الإعلان الدستوري. خصوصاً أن الرئيس أردوغان لمح إلى إمكانية اللجوء إلى هذا الخيار في يناير 2016، حين قال:

نعتقد أن النظام البرلماني في تركيا بات منهكاً، كما نعتقد أن تركيا بحاجة إلى نظام رئاسي … نريد تصحيح فكرة خاطئة، إن النظام الرئاسي ليس مسألة شخصية بالنسبة إلى طيب أردوغان … يمكن للبرلمان إعلان قراره، لكن يجب استشارة الشعب لاحقاً، والقرار النهائي يعود إلى الشعب، لا إلى النواب … من ينتظرون من رئيس انتُخِب في اقتراع شعبي أن يبقى جالساً لا يعلمون شيئاً عن هذه البلاد … نعتقد أن النظام البرلماني في بلادنا انتهى عمره، ويتعين صياغة دستور جديد، يصاحبه الانتقال إلى نظام رئاسي يتناسب مع حاجاتنا وثقافتنا، وأقترح أن نترك القرار الأخير للشعب الذي اختار رئيسه بشكل مباشر عام 2014”.

وهو ما كرّره عقب الإخفاق في شهر فبراير 2016، حين قال:

لتقرر الأمة ولنحتكم إلى خياراتها … إن لم ترد أمتي النظام الرئاسي لن نذهب ضد إرادتها، الأمر بهذه البساطة”.

فيما كانت أولى تصريحات رئيس الوزراء الجديد، بن علي يلدرم، حول الدستور الجديد:

ستسعى الحكومة التركية جاهدة على تعديل الدستور وسن دستورها الجديد، وتغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي … إن الانتظار في عدم تغيير الدستور سيكون ظلماً للشعب التركي، لذا ستعرض على البرلمان مسودة دستور لا يستثني أياً من أفراد الشعب التركي … في حال لم ننجح في إقرار مشروع الدستور في البرلمان التركي، سيتم اللجوء للشعب مباشرة ليعرب عن رأيه”.

 

اعتراضات المعارضة التركية على الدستور الجديد:

تبرز أكبر مخاوف المعارضة التركية في تحويل تركيا إلى نظام استبدادي أو تسلطي، تقع كثير من الصلاحيات في يد رئيس الدولة –أردوغان أو سواه-، أو تحويلها إلى دولة دينية تعتدي على الحريات التي تم ترسيخها طيلة قرابة قرن من الجمهورية. وخاصة أنه بتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي، فإن الرئيس سيكون مستقلاً عن حزبه، سواء أحصل الحزب على أغلبية برلمانية أم لا، عدا عن أن صلاحيات كثيرة ستكون محصورة برئيس الجمهورية، ما قد يؤدي إلى تركز السلطات الثلاث بيد الرئيس، ومن أبرزها:

  • تعيين قادة القوات المسلحة، ومدراء الأمن العام والمخابرات.
  • تعيين رئيس المحكمة الدستورية والقضاة والمدعين العامين.
  • امتلاك حق النقض للقرارات الصادرة عن مجلس النواب.
  • رفض الموازنة العامة.
  • توقيع اتفاقيات دولية.

 

احتمالات المسار الدستوري:

هناك عدة احتمالات واردة في مسار تغيير الدستور التركي، ومن أبرزها:

  • تقديم بعض التنازلات الدستورية والسياسية لبعض الأطراف المعارِضة للدستور الجديد، سواء للأحزاب القومية أو الكردية، غير أنّ هذا الاحتمال يبقى ضعيفاً، فالأحزاب القومية تتطلع إلى تقييد سلطة رئيس الدولة وتحديداً أردوغان والمحافظة على وجود أطراف فاعلة أكثر في النظام السياسي (البرلمان، رئيس الوزراء، المؤسسة العسكرية …)، والحفاظ على الصيغة العلمانية الأتاتوركية للدولة. في حين تعاني الأحزاب الكردية من مواجهة حديثة مع العدالة والتنمية، بعد قرار رفع الحصانة عن نواب في البرلمان، عدا عن رفض الحكومة لمشروع الإدارة الذاتية، وأية تنازلات للأطراف الكردية ستعني ازدياد حدة المعارضة القومية التي تحظى بحاضن اجتماعي أكبر من الأطراف الكردية.
  • الذهاب باتجاه الاستفتاء الشعبي، عوضاً عن التصويت البرلماني، ويحتاج هذا الخيار ضمان حصول الدستور على الأغلبية الشعبية المطلوبة، إلا أنه قد يخلق أزمة سياسية في الدولة، لا يمكن التنبؤ بمسارها. وربما ينتج عنها:
    • زيادة زخم الحراك الكردي المعارض، المسلّح والسياسي.
    • عودة نشاط حراك أطراف داخل المؤسسة العسكرية المعارِضة للحرية والعدالة.
    • توسيع قاعدة الإضرابات والمظاهرات السياسية الشعبية، بما يقود إلى شل بعض النشاطات الحكومية.
    • أي من الخيارات السابقة قد تدفع الحكومة إلى استخدام العنف في قمعها، ما يزيد من حدة الأزمة السياسية في الدولة.
  • إدارة المسألة الدستورية من قبل الحكومة عن طريق الإدارة بالأزمة، بمعنى خلق أزمات داخلية أو حتى خارجية، تؤكد الحاجة إلى تغيير دستوري باتجاه النظام الرئاسي، وتوسع القاعدة الشعبية المؤيدة لذلك قبل طرح الموضوع على الاستفتاء الشعبي. ومنها على سبيل المثال:
    • مواجهات مع الأطراف الكردية.
    • مواجهة مع منظمات إرهابية (داعش مثلاً).
    • تدخلات عسكرية خارجية.
    • انفلات أمني في البلاد.
    • أزمة علاقات بدول الجوار.
  • تأجيل الطرح الدستوري، بغية إعادة تحضير الرأي العام، أو حتى انتخابات قادمة. غير أن هذا الخيار قد يحمل معه تقلصاً في القاعدة الشعبية للعدالة والتنمية، وفق مسار نتائج الانتخابات السابقة، عدا عن إصرار الحزب على تمريره في هذه الفترة. إلا أن هذا الخيار يبدو الأسلم لتركيا في حال عدم الوصول إلى تفاهمات بين القوى السياسية الرئيسة.
  • طرح الدستور على الاستفتاء الشعبي، وحصوله على موافقة الأغلبية المطلوبة، وعجز المعارضة عن حشد تأييد شعبي لرفضه أو لشل الحراك السياسي في الدولة، وبالتالي قدرة العدالة والتنمية على تعزيز وجودها وقاعدتها الشعبية. وذلك ما يأمل الحزب تحقيقه في حال أخفقت التوافقات داخل البرلمان، مدعوماً بجملة استطلاعات رأي تبين أن الدستور سيحظى بموافقة الأغلبية الشعبية في أي استفتاء قد يحصل في هذه الفترة.

 

ثانياً- الأحزاب التركية الفاعلة:

شهدت تركيا صعود عدة أحزاب، وحظر أخرى، أو حلها، طيلة الفترة الجمهورية. وتتمثّل أبرز الأحزاب الفاعلة اليوم على الساحة التركية، في مجموعتين رئيسيتين:

المجموعة الأولى: الأحزاب التي لها حصة تمثيلية في البرلمان، وهي:

  • حزب العدالة والتنمية AK: تأسس عام 2001، من تيارَيّ المحافظة ويمين الوسط، وبلغ الحكم عام 2002 بنسبة 34% من الأصوات. له وجود في أكثر من 70 محافظة تركية. ويتركّز برنامج عمله على الإصلاحات الديمقراطية والنظام الدستوري الجديد والتنمية الإنسانية وتنويع الاقتصاد واستقراره، وتوسيع قاعدة العلم والتكنولوجيا والبيئة، والدور الخارجي. (التيار المحافظ الديمقراطي)
  • حزب الشعب الجمهوري CHP: أبرز الأحزاب المعارضة، وأقدم أحزاب الجمهورية التركية، أنشأه مصطفى كمال أتاتورك، وظل الحزب الحاكم حتى عام 1950. تحول إلى المعارضة منذ عام 2002، مرتكزاً على الدفاع عن الجمهورية العلمانية ومنطلقات أتاتورك. شهد الحزب عدة انشقاقات داخلية، ولم يتمكّن من تشكيل حكومة منفردة لأكثر من 40 عاماً، بل كان مشاركاً في حكومات ائتلافية، آخرها عام 1993. للحزب وجود في أكثر من 60 محافظة، ويعتمد على أصوات الطائفة العلوية منذ نشأته، وعلى أصوات التيار العلماني المتطرف، وغير المسلمين من المسيحيين واليهود والأرمن، وقطاع من النساء، كما أنّ نسبة محدودة من الأكراد تصوّت للحزب (2-3%). ومن أبرز شعاراته “تركيا صالحة للعيش”، ويرتكز برنامجه على النقاط التالية: الحريات، دولة القانون، الديمقراطية، اقتصاد شامل يخفف البطالة، التكافل والعدالة الاجتماعية، الطبيعة وحق المدينة، سياسة خارجية أساسها المواطن، تحقيق السلام مع سوريا وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. (تيار اليسار العلماني الأتاتوركي)
  • حزب الحركة القومية MHP: ثاني أحزاب المعارضة التركية حالياً، وشارك في عدة ائتلافات حكومية، إلا أنه كذلك يعاني صراعات داخلية على السلطة. له بعض الوجود داخل الجيش، وقوة سياسية في محافظات وسط الأناضول وساحل البحر الأسود: عثمانية، أرزروم، قونيا، طوقات، قيصري، أضنا، كوتاهيه، أرزنجان. ويُعتَبر حزباً قومياً متشدداً، يبني موقفه الرئيس على النقاط التالية: مكافحة حزب العمال الكردستاني، تأييد التدخل العسكري في شمال العراق، حماية استقلال قبرص التركية، معارضة بيع الأراضي والشركات الحكومية للأجانب. للحزب قدرة على تنظيم الاحتجاجات الشعبية القوية المتعلقة بـ: قبرص، والمسألة الأرمنية، ورفض الانضمام للاتحاد الأوروبي، وتركمان العراق، والتهديدات الأمنية الكردية. كما للحزب علاقات خارجية قوية مع التيارات القومية في دول آسيا الوسطى وجنوب القوقاز وجمهوريات الحكم الذاتي التركية في الاتحاد السوفيتي وقبرص التركية، وذلك في إطار الفكرة الطورانية. (التيار القومي التركي)
  • حزب الشعوب الديمقراطي HDP: حزب كردي تأسس أواخر عام 2013، وهو متّهم بأنه الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني وبأنه يلجأ لأسلوب التهديد باستخدام سلاح حزب العمال الكردستاني من أجل التصويت له في المناطق الكردية جنوب شرق البلاد.

المجموعة الثانية: أحزاب صغيرة ليس لها حصة تمثيلية في البرلمان، بل من الممكن أن يكون لها نواب مستقلون داخله، وأهمها:

  • حزب الشباب GP: أسّسه المليونير جم أوظان، غير أنّ تورط شركات عائلته في قضايا إفلاس، أفقد الحزب حاضنه الاجتماعي. ويهدف إلى التركيز على الصناعة والزراعة والسياحة. وما زال من الأحزاب الصغيرة في البلاد. (تيار اليسار العلماني)
  • الحزب الديمقراطي/ الطريق القويم DYP: نشأ عام 1983، برئاسة سليمان ديميريل، الذي تولى رئاسة الدولة، واستطاع الحزب تشكيل حكومة ائتلافية مطلع التسعينيات. شهد عدة انشقاقات وانسحابات، وتراجعت مكانته كثيراً في الداخل التركي. له حضور في عدة محافظات على ساحل البحر المتوسط وإسطنبول وأنقرة وأزمير وسواها، ويعتد على أصوات المزارعين والنساء العاملات في الريف والمدينة. (تيار يمين الوسط العلماني)
  • حزب الوطن الأم ANAP: أسسه تورغت أوزال عام 1983، وشكل حكومة قوية مباشرة حتى 1988، إلا أنه شهد عدة انهيارات لاحقة، ولم يستطع دخول البرلمان بشكل رسمي منذ عام 2002 (أي تحقيق نسبة 10% من الأصوات)، له وجود محدود في مناطق السواحل التركية الجنوبية والشمالية وبعض محافظات وسط الأناضول، ويعتمد على أصوات تيار يمين الوسط العلماني المعتدل، وبعض الجماعات الدينية والطرق الصوفية وقطاع المرأة العاملة. (تيار يمين الوسط العلماني)
  • الحزب الشيوعي التركي TKP.
  • حزب العمال IP.
  • حزب الحرية والديمقراطية ODP.
  • حزب تركيا أو الشعب المتصاعد YHP.
  • الحزب الليبرالي الديمقراطي LDP.
  • حزب تركيا المستقلة BTP.

القسم الثاني: الوضع الأمني

أولاً- المسألة الكردية:

تعتبر المسألة الكردية أكثر المسائل إثارة للاهتمام السياسي والشعبي في تركيا، وتأتي في مقدمة الأولويات الحكومية والشعبية، في حين يعتبر الخطر الأكبر الذي يتهدد تركيا، هو الخطر النابع عن حزب العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا. وقد سارت علاقات حزب العدالة والتنمية مع الأكراد وفق عدة مراحل. ترصد أبرزها دراسة غير منشورة للباحث رائد حاج سليمان، وفق النتائج التالية:

لم يقدّم حزب العدالة والتنمية في دورته الانتخابية الأولى (2002-2007) معالجة للمسألة الكردية مختلفة جذرياً عن السابق، حيث اكتفى بإقرار البرلمان مجموعة من القوانين تعترف بالحقوق الثقافية للأكراد، كالحق في إنشاء المعاهد والمدارس، وإصدار المطبوعات باللغة الكردية، وكذلك إلغاء عقوبة الإعدام، ورفع حالة الطوارئ المفروضة على أربع محافظات، وكانت هذه الإصلاحات تدخل ضمن المعايير التي لا بدَّ منها للانضمام للاتحاد الأوروبي. كما أن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تتردد في استخدام القوة العسكرية ضد الأكراد، عندما عاودوا نشاطهم المسلح بعد عام 2003.

ساعد تقليص دور المؤسسة العسكرية، في تحرّر حكومة حزب العدالة والتنمية من القيود المفروضة عليها للانفتاح على الأكراد، وقد تمثل في السماح باللغة الكردية كلغة تعليم وإعلام ضمن ضوابط محددة، وزيادة المشاريع الاقتصادية والتنموية، واستمراراً بهذا النهج أطلقت حكومة حزب العدالة والتنمية في عام 2009 مبادرة عرفت باسم “الانفتاح الكردي”، ثم ما لبثت أن عُرِفت بمسميات عدة، كالانفتاح الديمقراطي، ومشروع الوحدة الوطنية.

رغم الانتقادات التي وجِّهت لتلك المبادرة، ولا سيما من أحزاب المعارضة (حزب الشعب الجمهوري، وحزب الحركة القومية) فقد كشف النقاب عن مفاوضات بين الحكومة التركية والأكراد برعاية نرويجية، ثم تبعها مفاوضات مباشرة بين الحكومة التركية وعبد اللـه أوجلان في محتبسه.

نتيجة لتلك المفاوضات، أعلن عبد اللـه أوجلان خلال الاحتفالات بعيد النيروز 21 مارس 2013 أن: زمن الكفاح المسلح ضد الحكومة التركية قد انتهى، وأنه: قد حان الوقت للدخول في عملية سياسية شاملة تقوم على التفاوض والحوار. وتضمنت مبادرة أوجلان النقاط الآتية:

وقف إطلاق النار من الجانبين الكردي والتركي.

سحب المقاتلين الأكراد خارج الأراضي التركية.

تشكيل لجان حكومية وبرلمانية لإنجاز حزمة جديدة من التشريعات، من شأنها أن تؤسِّس دولة تركية جديدة على أساس المواطنة، وليس العرق، وفق صيغة حكم محلي تحقق الإدارة الذاتية، انطلاقاً من المفاهيم الأوروبية للحكم المحلي.

بموازاة خطة عبد اللـه أوجلان، تقدمت الحكومة التركية بمجموعة تعديلات قضائية تمهِّد الطريق لتغيير جوهري في إجراءات الاتهام والتقاضي، وتفسِح المجال للإفراج عن الآلاف من مساجين اتحاد أهالي كردستان، التابعة لحزب العمال الكردستاني. وقد ساعدت هذه الخطوة في إفراج حزب العمال الكردستاني عن الموظفين الأتراك الثمانية بناءً على تعليمات من عبد اللـه أوجلان إلى قيادات حزبه العسكرية في جبال قنديل شمالي العراق.

أقر البرلمان التركي في 11 يوليو 2014 مشروع قانون قدمته الحكومة، يعطي دفعاً لعملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، ويهدف القانون إلى ضمان حماية قانونية لأبرز المسؤولين المشاركين في المفاوضات مع حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا منظمة إرهابية على غرار العديد من الدول الأخرى. ويساهم القانون في إعادة دمج المقاتلين المتمردين، الذين يسلمون سلاحهم، ويعطي الحكومة سلطة تعيين أشخاص وهيئات تقود المفاوضات المتصلة بـالمسألة الكردية.

إلا أنّ فترة الهدنة مع العمال الكردستاني لم تستمر، حيث سرعان ما عادت الاشتباكات بين الطرفين، منذ يوليو 2015، وقامت القوات التركية بقصفه في شمال العراق وشمال سوريا، عدا عن مداهمات واعتقالات في جنوب شرقي تركيا، وربما تعود أسباب تدهور العلاقات ثانية إلى النقاط التالية:

تقدّم الانفصاليين الأكراد في شمال سورية وشمال العراق، ما أثار مخاوف تركيا من امتداد النزعة الانفصالية إلى الداخل التركي من جديد.

عودة النشاط الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، واستهداف قوات الشرطة والأمن التركية، وزرع العبوات الناسفة في الأراضي التركية، والقيام بعدة عمليات إرهابية داخل تركيا، بعضها منسوب لداعش، وأخرى للعمال الكردستاني، وأبرزها تفجير أنقرة الانتحاري في أكتوبر 2015.

يرى البعض أنّ عودة النشاط الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، هو أداة ترهيب للناخبين للتصويت لحزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات صيف وخريف 2015.

وربما يعود ذلك لمحاولة حزب العدالة والتنمية في يونيو 2015 ضرب حزب الشعوب الديمقراطي –المتهم بارتباطه بحزب العمال الكردستاني- لإخراجه من البرلمان، والحصول بالتالي على حصة من الأصوات التي نالها، ما يؤهِّل العدالة والتنمية لإقرار دستور جديد في البلاد.

أو لإحداث أزمة أمنية داخل تركيا، تؤكّد توجّه العدالة والتنمية في ضرورة التحول نحو النظام الرئاسي واستصدار دستور جديد.

ولا يبدو أنّ هناك أفقاً لحل المسألة الكردية والصراع مع حزب العمال الكردستاني قريباً، إذ نرصد الملاحظات التالية:

وعد حزب العمال الكردستاني بحقبة جديدة من نشاطه، كشف عن ملامحها القيادي جميل بايك، في مقابلة أجراها مع صحيفة التايمز البريطانية، وقال فيها: حتى الآن كانت المعارك ضد الجيش التركي تدور في الجبال فقط، ثم انتقلت إلى المدن، والآن ستدور المعارك في كل مكان … نضالنا الآن بات وجودياً: نكون أو لا نكون.

اتهام الأكراد للحكومة التركية، بأن عملياتها العسكرية ضدهم تأتي دعماً لتنظيم داعش في سوريا والعراق، ومنعاً لهم من تحقيق كيانهم المستقل، وعليه فهم ماضون في سياستهم العنفية.

رفض الحكومة التركية في مايو 2016 الحوار مع أوجلان، وأصرت على مواصلة الحملة العسكرية ضد العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا.

تصويت البرلمان التركي في مايو 2016، على رفع الحصانة البرلمانية عن نواب متّهمين بتأييد العمليات الإرهابية، والذي اعتُبِر مشروعاً يستهدف النواب الأكراد لحزب الشعوب الديمقراطي.

حاجة أردوغان وحزب العدالة والتنمية لإنجاز داخلي يقوي موقفهم بشأن الدستور.

دعم الولايات المتحدة وروسيا ودول غربية للأطراف الكردية في سوريا والعراق، بغض النظر عما ينتج عنه من تهديد أمني كبير لتركيا، ما يدفع تركيا لاتخاذ إجراءات أكثر حدة تجاه الانفصاليين الأكراد.

لا يمكن حلّ المسألة الكردية بعيداً عن حل قضايا المنطقة بأسرها، وفي مقدمتها القضية السورية ومستقبل نظام الأسد وشكل النظام السياسي الجديد في سوريا، كذلك إنهاء كيان تنظيم داعش في المنطقة، وهو ما يحتاج إلى سنوات قادمة (3-5 سنوات).

وعليه فإنّ مستوى العنف بين الطرفين يبقى رهناً بالمتغيرات الإقليمية كذلك، على أنه لا يمكن وفق كافة المعطيات القائمة حلّ المسألة عن طريق السلاح، لصالح أي من الطرفين، وتبقى العمليات العسكرية من قِبَلِهما، أداة للضغط السياسي اللاحق، بهدف الحصول على تنازلات أكبر.

إنّ الاستمرار في المواجهة المسلحة بين الطرفين، ينذر بمزيد من تدهور الأوضاع الأمنية داخل تركيا وعلى حدودها، ويهدّد باستنزاف الاقتصاد التركي من جهة، وإحداث اضطرابات سياسية جديدة في الداخل التركي

ثانياً- نشاط داعش داخل تركيا:

إنّ موضوع نشاط تنظيم داعش داخل تركيا يبقى موضوعاً خلافياً بين عدة جهات سياسية، رغم أنّ للتنظيم وجوداً نشطاً ومؤكداً داخل الأراضي التركية، إذ تُعتَبر تركيا نقطة تجميع وإعادة انطلاق، سواء باتجاه سوريا والعراق، أو باتجاه الدول الغربية، حيث أنّها المعبر البري الوحيد المتاح أمام التنظيم. عدا عن تماسها الحدودي المباشر مع الأراضي التي يسيطر عليها التنظيم في سورية (الرقة وحلب)، ما يسهل عبور مقاتلي التنظيم من وإلى تركيا، وهو ما سهّل عملياته الإرهابية فيها.

إلا أنّ دور الحكومة التركية وفق معارضيها في الداخل والخارج يتجاوز موضوع المداهمات، إلى ارتباطات مصلحية مع التنظيم، في حين ينفي مسؤولو الحكومة ذلك، وفق مسار المداهمات الأمنية والاعتقالات التي جرت لعدد من أفراد التنظيم، عدا عن العمليات التي قام بها التنظيم داخل تركيا. ويرون أن ما يساق يأتي ضمن الحملة المناهضة للعدالة والتنمية، وما الأدلة التي تُقدّم من تلك الجهات، سوى أدلة واهية لا حقيقة لها. وفي رصد لكلا الطرفين، تظهر النتائج التالية حول نشاط التنظيم داخل الأراضي التركية، وهذه بعضها:

جملة اعتقالات مستمرة منذ عام 2015 لأشخاص مشتبه بأنهم عناصر في تنظيم داعش، ومنها:

أكتوبر 2015: قتل شخصين، والكشف عن 8 انتحاريين (ديار بكر).

نوفمبر 2015: اعتقال 20 شخصاً.

يناير 2016: اعتقال 40 شخصاً (ولايتي أضنه وإلزاغ).

مارس 2016: اعتقال 10 أشخاص (الحدود التركية-السورية).

مارس 2016: وجّه جهاز المخابرات التركي، رسالة تحذيرية لمديرية الأمن العام وقيادة قوات الدرك، لرفع التدابير الأمنية، إثر تسلل انتحاريين من تنظيم داعش إلى تركيا.

إبريل 2016: اعتقال 15 من أعضاء التنظيم (أزمير وإسطنبول).

الأشهر الخمسة الأولى من 2016: اعتقال 863 مشتبهاً بالانتماء إلى التنظيم (إسطنبول).

اغتيال التنظيم لمعارضين وناشطين وصحفيين سوريين داخل الأراضي التركية. أحدثها اغتيال الصحفي ناجي الجرف في ديسمبر 2015، في مدينة غازي عنتاب.

جمّدت السلطات التركية أرصدة 247 شخصاً و74 مؤسسة لهم ارتباطات مع تنظيمي القاعدة وداعش.

حملات إعلامية لمعارضين أتراك، وفي مواقع إعلامية محسوبة على النظامين الإيراني والسوري، تتّهم العدالة والتنمية بإيواء داعش وتقديم التسهيلات لها، ومنها:

أغسطس 2014: تصريحات منسوبة لقياديين في داعش، بأنّ غالبية العناصر التي انضمت في البداية للتنظيم استخدمت تركيا كمعبر، عدا عن كونها معبراً لأسلحته ومعداته.

يوليو 2014: وفق شبكة CNNTurk، فإن هناك منطقتين في إسطنبول، تشكلان نقطتي تجمع وتدريب لعناصر التنظيم في تركيا.

حذرت السلطات التركية في يناير 2015، من وجود 3000 من عناصر التنظيم داخل تركيا، قد يستهدفون مصالح غربية فيها.

قيام التنظيم بعدة عمليات إرهابية داخل تركيا أو على الحدود التركية، منها:

انفجار سيارتين مفخختين في الريحانية، في مايو 2013.

انفجار انتحاري في ديار بكر، في يونيو 2015.

انفجار انتحاري جنوب شرق تركيا/ سروج، أودى بحياة 30 كردياً، في يوليو 2015.

إطلاق النار على حرس الحدود التركي، ومقتل جندي تركي، في يوليو 2015.

انفجاران انتحاريان في العاصمة أنقرة، في أكتوبر 2015، راح ضحيته قرابة 128 شخصاً. (يتهم فيه أيضاً حزب العمال الكردستاني).

تفجير في إسطنبول/السلطان أحمد، في كانون الثاني 2016.

تفجير عبوة ناسفة في إسطنبول/شارع الاستقلال، في مارس 2016.

على أن للتنظيم حاضناً اجتماعياً بدأ يتشكل داخل تركيا. حيث تشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 500 مؤيد للتنظيم داخل إسطنبول وحدها عام 2016. فيما أجرى مركز السياسة العامة والاستراتيجية في أنقره، مسحاً تحت عنوان: “مسح الاتجاهات الاجتماعية في تركيا”، في نوفمبر 2015، وتمّ نشره في يناير 2016، جاء فيه ما يلي:

البند

النسبة

من يرى أن داعش ليست تنظيماً إرهابياً

9.3%

المؤيدون لداعش

4.5%

من يرى أن التنظيم يمثل الإسلام

21%

من يرى التنظيم كدولة

8.9%

ثالثاً- أزمة اللاجئين في تركيا:

ترتبط إشكالية وجود تنظيم داعش وحراكه في الداخل التركي، بإشكالية اللاجئين السوريين بشكل رئيس، يضاف إليهم اللاجئون العراقيون، ولاجئون من دول أخرى ينتحل غالبيتهم صفة سوري أو عراقي. وتتمثّل هذه الإشكالية في بعدين أساسيين:

  • بعد داخلي يضغط على الأمن والاقتصاد التركي.
  • بعد خارجي يضغط على علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي، نتيجة تحول تركيا إلى نقطة عبور معاكسة لإشكالية داعش، وذلك نحو أوروبا.

وقد أدّت هذه الإشكالية إلى نتائج سلبية على تركيا، من أبرزها:

  • قدرة عناصر التنظيمات الإرهابية –داعش مثلاً- على الوصول إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.
  • نشوء تجارة اللاجئين غير الشرعيين، وتحديداً عبر الطرق البحرية، حيث بلغت كلفة تهريب اللاجئ إلى اليونان بحراً قرابة 2000-3000 دولار، وتزيد في حال التهريب الجوي. وما ترتب عليها من تجارة جوازات السفر السورية والعراقية، والتي قاربت هذا المبلغ أيضاً.
  • عبء تكاليف استقبال اللاجئين وتوفير المخيمات ومستلزماتها، عدا عن الضغط على الاقتصاد التركي للذين هم خارج المخيمات، والذين ساهموا في رفع تكاليف المعيشة في المدن التركية، ورفع نسبة البطالة في تركيا إلى أكثر من 10%.
  • نشوء تجارة غير شرعية بالبشر، وخاصة بأطفال ونساء اللاجئين.

ووفق دراسة مشتركة أعدها اتحاد جمعيات أصحاب الأعمال (TİSK) التركي ومركز أبحاث السياسات والهجرة في جامعة هاجيتيبه (HÜGO)، ونُشِرت في ديسمبر 2015، حول اللاجئين السوريين، تظهر النتائج التالية:

البندالنسبة
عدد اللاجئين السوريين في تركيا2.2 مليون
عدد اللاجئين السوريين في المستقبل القريب (1-3 سنوات)3 مليون
نسبة اللاجئين السوريين الباقين في تركيا بشكل دائم50%
نسبة اللاجئين السوريين في المخيمات إلى عموم اللاجئين10%
عدد ولادات اللاجئين السوريين في تركيا حتى تاريخه150 ألف طفل
عدد اللاجئين السوريين في سن التعليم الإلزامي600-700 ألف، 15-20% منهم يكمل تعليمه
نسبة اللاجئين السوريين إلى السكان في غازي عنتاب16.4%
نسبة اللاجئين السوريين إلى السكان في هاتاي16.4%
نسبة اللاجئين السوريين إلى السكان في شانلي أورفه28.7%
نسبة اللاجئين السوريين إلى السكان في كلس85.9%
تكلفة استضافة اللاجئين على الحكومة التركية6.6 مليار دولار، 95% منها مقدماً من الحكومة التركية
نسبة الأتراك الذين يعتقدون أن اللاجئين السوريين ينبغي ألا يمنحوا الجنسية التركية85%
نسبة الأتراك في مجتمع الأعمال المؤيدون لمنح الجنسية للاجئين السوريين40%

ومن ضمن الحلول التي اتخذتها الحكومة التركية لمعالجة هذه الإشكالية:

بدءاً من مطلع عام 2016، فرضت الحكومة التركية قيوداً على وصول السوريين إليها جواً، أي من خارج سورية، إذ اشترطت حصول السوريين من خارج سورية، على موافقة أمنية مسبقة لدخول أراضيها، ومن ضمن شروط الحصول على تلك الموافقة، امتلاك السوري إقامة في بلد آخر، بحيث يمكن إعادته إليه، وتُمنَح له تأشيرة دخول لمدة 3 أشهر. غير أن واقع الحال في كثير من السفارات التركية، يشير إلى رفض تلك السفارات لغالبية طلبات السوريين، رغم تحقيقهم للشروط المطلوبة منهم، فيما تمّ رفض طلبات حتى أولئك الذين يمتلكون استثمارات داخل تركيا.

أقفلت تركيا حدودها البرية مع سورية، في أكثر من مناسبة منذ عام 2015، في وجه اللاجئين المتدفقين هرباً من مجريات المعارك سواء مع تنظيم داعش أو نظام الأسد.

في مارس 2016، اتفقت الحكومة التركية مع الاتحاد الأوروبي، بوقف تدفق اللاجئين إليه، وفق البنود التالية:

حصول تركيا على معونة مقدارها 3 مليار يورو حتى عام 2018.

قبول الاتحاد الأوروبي باستقبال لاجئ في مقابل كل لاجئ يعيده إلى تركيا.

تحسين وضع اللاجئين في تركيا.

تقديم الدعم الأوروبي لبرنامج إعادة التوطين، الذي يوفر قناة قانونية لانتقال اللاجئين من تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

تسريع إجراءات رفع التأشيرات الأوروبية عن الأتراك، وإعادة فتح مناقشات حول انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

إدراج تركيا في قائمة “البلدان الأصلية الآمنة”، وبالتالي تعجيل طلبات طالبي اللجوء القادمين منها، كما يمكن إعادة غالبيتهم بسرعة.

إلا أن هذه الاتفاقية ما تزال متعثرة حتى الآن، ومهددة بالسقوط، وعودة الأمور إلى ما كانت عليه.

رابعاً- السياسة الخارجية التركية ودورها في الصراع شرق الأوسطي:

أدت سياسة “صفر مشاكل” لصاحبها وزير الخارجية الأسبق، ورئيس الوزراء السابق، داود أوغلو، إلى إحداث نقلة جديدة في العلاقات الخارجية التركية، حيث استطاعت خلال العقد الأول من القرن الحالي، إحراز جملة من النقاط الإيجابية، أهمها:

التصالح مع النظام السوري، بعد أن كانت العلاقة بينهما على شفير حرب عام 1998.

التقارب الحثيث مع إيران.

التقارب مع النظام العراقي عقب الاحتلال الأميركي، ومع حكومة كردستان العراق.

تهدئة الخلافات التركية مع اليونان وقبرص بشكل نسبي.

تعزيز العلاقات التركية-الروسية.

إلا أن العلاقات التركية-الأرمنية حافظت على مستوى الأزمة بين الطرفين.

غير أنّ هذه السياسة وإن كُتِب لها النجاح لبضع سنوات، لا يمكن أن تكون سياسة دائمة لأية دولة، وخصوصاً بحجم وموقع تركيا، إذ سرعان ما انهارت هذه السياسة، لصالح إشكاليات جديدة في الدور الإقليمي التركي، عقب اندلاع ثورات الربيع العربي، ويمكن رصد أبرز المتغيرات في السياسة الخارجية التركية منذ عام 2011، على النحو التالي:

إحداث قطيعة مع كافة الأنظمة العربية المستهدفة ثورياً (تونس، مصر، ليبيا، سورية، اليمن). نتيجة انحياز تركيا إلى الحراكات الشعبية. ويختلف الموقف التركي عن نظيره الخليجي، الذي انحاز هو الآخر –في غالبيته- إلى الحراكات الشعبية، أن الموقف الخليجي لم يتبنّ صراحة أي من التوجهات الأيديولوجية في الحراكات الثورية، بل كان دعمه موجهاً للشعوب العربية بشكل عام في مواجهة ما تتعرض له من مذابح. في حين لم يكتفِ الموقف التركي الذي ابتدأ بذات الشكل بهذه الصيغة، بل دفع إلى تعزيز علاقاته مع تيار الإسلام السياسي بشكل حصري في هذه الدول، وتحديداً دعم جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن وصلت للحكم في تونس ومصر، وهو ما أسّس لإشكاليات جديدة مع شعوب تلك الدول، وحكوماتها ما بعد الإخوانية.

إحداث قطيعة مع روسيا، نتيجة الإشكال الحاصل في سوريا، وإسقاط القوات التركية إحدى المقاتلات الروسية التي كانت تقصف مناطق المعارضة السورية، عقب اختراقها للأجواء التركية.

بروز إشكالية جديدة على خلفية الثورات العربية مع دول الخليج العربي، وتحديداً مع دولة الإمارات العربية المتحدة، نتيجة إصرار تركيا على دعم تيار الإسلام السياسي، ومحاولة اختراق المنظومة الخليجية من خلال التحالف مع قطر بعيداً عن باقي الدول. قبل أن تشهد العلاقات تحسناً تدريجياً مع نهاية عام 2015.

رغم بروز فتور في العلاقة مع إيران عامي 2011/2012، إلا أنّ العلاقات بينهما عادت لتشهد تحسناً مضطرداً، وخصوصاً عقب رفع جزء من العقوبات الدولية عن إيران.

وجهت أطراف في المعارضة التركية، وأطراف كردية، وأطراف محسوبة على النظام السوري أو على إيران، اتهاماً لحكومة العدالة والتنمية بارتباطات مصلحية مع تنظيم داعش والقاعدة، أو على الأقل مع تنظيم جبهة النصرة.

بروز إشكاليات جديدة مع الدول الأوروبية المجاورة لتركيا، بشأن تدفق اللاجئين، وخصوصاً مع اليونان.

إعادة تفعيل ملف قبرص الشمالية/التركية مع تولي بن علي يلدرم، رئاسة الوزراء.

بروز خلافات تركية-أميركية حول المسألة السورية، ومستقبل نظام الأسد، وحول جدية الولايات المتحدة في محاربة التنظيمات الإرهابية (داعش والقاعدة)، وحول دعم الولايات المتحدة للانفصاليين الأكراد في سورية.

عودة المواجهات المسلحة مع حزب العمال الكردستاني شمال العراق.

بعيد قطيعة استمرت لعدة سنوات مع إسرائيل، شهدت العلاقات بداية تحسن منذ عام 2016.

إلا أنّ أبرز الأدوار التركية في القضايا العربية، يتمثل في النقاط التالية:

دعم جماعة الإخوان المسلمين، للوصول إلى السلطة أو لتسيّد المعارضات العربية.

جعل تركيا ملجأ لعناصر الجماعة الفارين من مصر.

تحوّل تركيا إلى مقر رئيس للمعارضة السورية (الائتلاف الوطني)، وداعم أساسي لوجستي للعمليات العسكرية في سورية، ومعبر للمقاتلين وللاجئين.

 وتبرز أمام تركيا عدة احتمالات على صعيد دورها في الصراع شرق الأوسطي، لعلّ أهمها:

انخراط تركيا في الحرب السورية، وذلك يحتاج إلى دعم غربي وعربي واسع، وعلى أن يكون هذا الانخراط تحت مظلة الناتو. ولن تقبل تركيا بدخول هذه الحرب دون تحقيق جملة شروط، يأتي في مقدمتها فرض منطقة حظر طيران شمال سوريا، وتقديم دعم لوجستي وعسكري ومالي، ومشاركة دول أخرى في العمليات العسكرية، وتعهد دولي بإسقاط نظام الأسد، ومنح دور لتركيا في مرحلة الانتقال السياسي وإعادة الإعمار. لم تتوفر بعد مقومات هذا الاحتمال

ربما تُستَدرج تركيا إلى حرب بشكل منفرد داخل سوريا، نتيجة عمليات واسعة لتنظيم داعش أو العمال الكردستاني على الحدود السورية-التركية، أو حتى من قبل النظام السوري. غير أنّ عدّة محاولات سابقة لاستدراجها قد فشلت، عدا عن تهديدات إيرانية بمواجهة تركيا داخل سوريا، ما يعني فتح المجال أمام حرب إقليمية، تفتقد في هذا الخيار الداعم الغربي والعربي. يتبقى احتمال هذا الخيار قائماً إلا أنه ما يزال محدوداً

استمرار النهج التركي القائم على عمليات جوية ومدفعية محدودة داخل الأراضي السورية، يضاف إليها توغلات برية محدودة داخل الأراضي العراقية، لمحاربة تنظيم داعش والعمال الكردستاني، سواء ضمن إطار التحالف الدولي أو بشكل منفرد. أكثر الاحتمالات وروداً عام 2016

خامساً- مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي:

تسعى تركيا منذ ثمانينات القرن العشرين إلى أن تكون جزءاً من الدول الأوروبية، ثم جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وقد فعّل حزب العدالة والتنمية هذا الملف منذ وصوله إلى السلطة، وأجرى كثيراً من الإصلاحات الداخلية بغية تسريع ملف انضمام تركيا للاتحاد. إلا أنّ جميع تلك الخطوات لم تثمر عن أي تقدم في مسار المفاوضات بين الطرفين، حيث تضّم المفاوضات 35 فصلاً، تم افتتاح 14 منها منذ عام 2005، وأمكن إنجاز فصل واحد فقط، فيما تُعلِّق قبرص وفرنسا وألمانيا ثمانية فصول منها.

وتواجه تركيا جملة عوائق وفق المنظور الأوروبي، تجعل من مسألة انضمامها للاتحاد مسألة بعيدة المدى، ومن تلك العوائق التي تراها دول أوروبية عدة:

غالبية مساحة تركيا تقع في قارة آسيا، وبالتالي فهي ليست دولة أوروبية.

عدد سكانها سيجعلها ثاني أكبر دولة في الاتحاد، وستتجاوز ألمانيا خلال سنوات قليلة، ما سيعطيها أغلبية في البرلمان الأوربي (دولة مسلمة ذات أغلبية).

تأخرّ تركيا في مجالات اقتصادية مثل البطالة وعجز الموازنة والديون الخارجية والفساد، رغم سرعة نمو اقتصادها بما يفوق النمو في بعض الدول الأوروبية.

الخشية من إغراق أوروبا باليد العاملة التركية الرخيصة، ما يرفع من نسبة البطالة في الدول الأوروبية.

تضع اليونان فيتو على انضمام تركيا بسبب المسألة القبرصية.

عدم حل المسألة الأرمنية (1915)، وفق المنظور والتوجهات الأوروبية.

تراجع الدعم الأميركي لانضمام تركيا للاتحاد.

ملف حقوق الإنسان في تركيا، والذي ما زال دون المعايير الأوروبية.

إلا أنه نتيجة اختلاف الأوضاع الإقليمية والداخلية، فإن حكومة العدالة والتنمية لم تعد تمتلك ذات الزخم والرغبة في الانضمام إلى الاتحاد، ومن ذلك تصريح أردوغانبعد كل هذه السنوات، فليقبلونا أو فليرفضوا. وتصريح وزير شؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين الأتراك، فولكان بوزكر: إذا ما اتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً خاطئاً برفض عضوية تركيا، فلن يهمها أو يضيرها ذلك أبداً.

ولعل من أبرز المستجدات في الموقف الأوروبي عام 2016، بخصوص انضمام تركيا:

مارس 2016: قبرص ترفض تسريع إجراءات انضمام تركيا.

مايو 2016: رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يستبعد انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي قبل عام 3000، ويؤكد حق بريطانيا كسواها من دول الاتحاد استخدام حق النقض لمواجهة انضمام تركيا.

وفي حال انسحاب تركيا من تلك المفاوضات بشكل نهائي، أو رفض دول الاتحاد انضمام تركيا بشكل نهائي أيضاً، فإن جملة منعكسات ستظهر، من أبرزها: (رغم أن ذلك غير وارد في المدى المنظور)

توقف التعاون التركي في مسألة اللاجئين، وترك المجال حراً أمام حركة المهاجرين، وبالتالي حركة عناصر التنظيمات الإرهابية.

انعكاس الأزمة على موقع تركيا في حلف الناتو، وعلى تحالفاتها الدولية الغربية.

بروز توجه تركي أكثر راديكالية في المنطقة، وخصوصاً تجاه المصالح الغربية، وتجاه إسرائيل.

بحث تركيا عن حلفاء جدد، ربما بما يتعارض مع التوجهات الغربية (إيران، الصين).

القسم الثالث: الوضع الاقتصادي:

أولاً- مؤشرات الاقتصاد التركي:

التاريخالبندالنسبة
2014تقديرات البنك الدولي لحصة الفرد من الدخل القومي10830 دولار
 القيمة الإجمالية للناتج المحلي التركي798.4 مليار دولار
 العجز التجاري3.408 مليار دولار
2015العجز التجاري1.519 مليار دولار
 معدل النمو2.9%
 التضخم8.8%
 معدل انخفاض حجم السياحة30%
 انخفاض الليرة التركية أمام الدولارمن 2 إلى 2.95 مقابل الدولار
 عدد الفقراء (إحصاءات هيئة الإحصاء التركية)17 مليون
 عدد العاطلين عن العمل (إحصاءات هيئة الضمان الاجتماعي التركية)3.054 مليون مواطن
 تقديرات البنك الدولي لنسبة من يعيشون تحت خط الفقر (2.5 دولار يومياً)5%= 4 مليون مواطن
2016معدل النمو المتوقع حكومياً4%
 معدل النمو المتوقع من قبل “ستاندر آند بورز”3.4%
 رفع الحد الأدنى للأجور30%
 زيادة الضرائب على الأدوات الكهربائية25%
 زيادة الضرائب على السجائر والكحول5.5%
 زيادة الضرائب على المواد الغذائية1-3%
 زيادة الضرائب على رواتب الموظفينمن 15% إلى 20%
 نسبة تراجع الثقة بالاقتصاد التركي16.8%

تركيا 1

تركيا 2

ثانياً- عوامل تراجع الاقتصاد التركي:

  • زيادة الديون الخارجية قصيرة الأجل.
  • تراجع الاستثمار الأجنبي نتيجة ازدياد التدخل الحكومي في الشأن الاقتصادي. حيث انسحبت 3 بنوك أجنبية عام 2015، وتقليص آخر لعدد من فروعه، بعد مصادرة الحكومة لبنك آسيا.
  • حدوث أزمات سياسية داخلية نتيجة المسألة الدستورية.
  • توسع المواجهات مع حزب العمال الكردستاني، سواء داخل تركيا أو خارجها.
  • توسيع داعش والعمال الكردستاني لعملياتهما الإرهابية داخل تركيا.
  • انجرار تركيا إلى حرب إقليمية في سورية أو العراق.
  • ازدياد موجة تدفق اللاجئين إليها.
  • عدم وفاء الاتحاد الأوروبي بالتزاماته المالية الخاصة بمسألة اللاجئين، لأسباب سياسية أو تمويلية.
  • عودة ارتفاع أسعار النفط، بما يرفع التكاليف الصناعية ويفقدها قدرتها التنافسية، ويزيد من حجم ورادات الطاقة التركية، بما يزيد من حجم العجز في الميزان التجاري.

نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق