تداعيات هزلية انتخابات الدم

لم يعد مجدياً الحديث عن شرعية نظام أو شرعية انتخابات ما، في ظل ثورة شعبية أطاحت بكل المقومات الرئيسة للحكم القائم، في سعي لاستعادة الدولة وإعادة هيكلتها وبناء تنظيمها السياسي. ويكفي لجوء نظام ما إلى حالة عنفية إجرامية لإسقاط أية شرعية قد يحتج بها داخلياً وخارجياً. وهو ما يسقط عنه قانونية الانتخابات هذه، حيث أنها:

  • لا شرعية لها في ظل احتلال إيراني، فالجيش الإيراني هو من يقود المعارك، وهو من يفرض الأطر السياسية والعسكرية، ومن ذلك تصريح علي أكبر ولايتي مستشار خامنئي، بأنّ “هذه الانتخابات ستعزز شرعية الأسد”، أي أنهم يعلمون، أن لا شرعية له في الأصل، وأنهم يبحثون عن سند شرعي لاستمراره.
  • لا تهدف هذه الانتخابات كذلك إلى تطبيق المبدأ الديمقراطي “الشعب مصدر السلطات”، حيث إن قرابة 70% من الشعب السوري غير قادر على المشاركة فيها، عدا عن عدم الراغبين ممن تبقى منهم في المشاركة، والمعارضين داخلهم.
  • كما أننا بصدد فقدان كيان الدولة، حيث السلطة مفروضة من قبل المحتل الإيراني، وهي غير ذات سيادة، على أرض لم تعد تشكل كياناً واحداً، بل كيانات متعددة، وكانتونات يحكمها الأسد، وشعب موزع بين نازح ولاجئ.

ومن هزلية هذه الانتخابات، أن من شارك فيها خارج سورية لم يتجاوز 200 ألف شخص فقط، وفق إحصائيات مشكوك فيها، ومن أصل ما يقارب 10 مليون سوري خارج سورية. وظهر ذلك فاضحاً في لبنان، من خلال شحن المؤيدين من سورية أو من الضاحية الجنوبية في بيروت، عدا عن مشاركة اللبنانيين والعراقيين والأردنيين والإيرانيين في هذه الانتخابات، بل وحتى الهنود.

لا يبحث الأسد عن شرعية شعبية ديمقراطية، ولم يكن يبحث عنها في الأصل، فحكمه قائم على منطق القوة والإجبار، وما هذه الانتخابات إلا أداة من أدوات سلطويته، بعد أن انهارت كثير من أركان حكمه، ومنها الجيش وحزب البعث والجبهة التقدمية، بل وحتى طال الانهيار المؤسسة الأمنية التي كانت أهم أداة في تثبيت حكمه. وبالتالي، لهذه الانتخابات هدفان أساسيان:

الأول داخلي، يشمل الموالين والمعارضين معاً، فهي أولاً رسالة إلى حاضنه الاجتماعي والبيئات التي يسيطر عليها، بأنهم مجبرون على الرضوخ له، بنفس الأدوات القديمة، وأنه ما زال يتمتع بذات القوة في حكمهم وضبط تفاصيل حياتهم. ورسالة إلى معارضيه، أنه يتمتع بالقوة الكافية لاستمراره في الحكم، وبالدعم الدولي اللازم لإدارة هذه الكانتونات التي يسيطر عليها، وأنه قادر على إلغاء وجودهم وهويتهم كسوريين، وأنه لا يبحث عن تأييد حقيقي، فهو ليس بحاجة إليه.

إضافة إلى رسالة إلى داعميه الدوليين، وهي الأهم، وهي أنه ما زال قادراً على الالتزام بسياساتهم، والاستمرار في ذات النهج، إضافة إلى عملية تحدي للدول التي تسعى للإطاحة به. وخاصة أن النظام يفهم من الرسائل الدولية التي تصله، أنه محصن دولياً، وأن الإرادة الدولية التي أوجدته، وأوجدت هذا النظام منذ سنة 1970، ما تزال متمسكة به، لذا تجاوز فكرة التمديد لسنتين فقط، إلى التمديد لسبع سنوات.

يبقى الهدف الأكبر من وراء هذه الانتخابات، هدف خارجي مفروض من قبل المحتل الإيراني والداعم الروسي، وهو تمديد حالة الحرب في سورية، عبر تمديد وجود الأسد، ضمن عملية التفاوض الدولي واسعة النطاق، في صراع مصالح واسع جداً. فإيران تساوم على مكانتها وأدواتها في الشرق الأوسط، وروسيا تساوم على عودتها إلى التنافس الدولي، أما الداعمون الآخرون كالمالكي وحزب الله يساومون على بقائهم هم كذلك.

هنا تكمن الإشكالية، فالانتخابات ليست حدثاً داخلياً مستقلاً، بل إحدى أدوات المساومة الإقليمية والدولية، في عملية إعادة توزيع القوى، ولا يشكل الأسد فيها أكثر من دور الدمية، لكن يتم إسباغها بملامح انتخابية من أجل عمليات المساومة تلك.

صحيح أن خطوة طرد ممثلي النظام، وحظر إجراء تلك الهزلية في كثير من الدول، يسلب الأسد ومن خلفه الكثير مما يسعون إليه في هذه الانتخابات، لكن يبقى ذلك محدود النتيجة، إذ لابد من:

  • إعطاء صفة التمثيل الأوحد والنهائي للشعب السوري إلى المعارضة، وتسليمها كافة المقرات الدبلوماسية، مع كافة الحقوق المترتبة عليها، بدءاً بتسيير معاملات المواطنين، وليس انتهاءً بإدارة العملية الدبلوماسية السورية.
  • طرد ممثلي النظام من الأمم المتحدة، ويمكن الاستحصال على قرار من الجمعية العامة في ذلك، أو على الأقل طردهم من قبل الإدارة الأمريكية، وإبقاء مقعد سورية شاغراً مؤقتاً.
  • تمثيل كامل للشعب السوري وليس للنظام في المنظمات الإقليمية، ومنها جامعة الدول العربية والمؤتمر الإسلامي وسواها.

لكن ذلك لا يبدو ممكناً حالياً، لسبب أن الولايات المتحدة في حالة إعادة صياغة العلاقات في الشرق الأوسط، لصالح التقارب مع إيران، وإجراء تسويات إقليمية تقر بالأمر الواقع، كما أن النظام الدولي في حالة ميوعة شديدة، ما يمنعه من حسم كل تلك الملفات.

في المقابل، غدت الحركية السياسية متاحة أمام الجميع لحماية مصالحهم، وتوسيع نفوذهم، دون الاستناد إلى النظام الدولي، وإن لم يدرك الداعمون العرب خطورة ذلك وأهميته، وطبيعة المساومات التي تجري داخل النظام الإقليمي والدولي، فإن الخسائر الاستراتيجية لن تتوقف عند حدود سورية، بل ستطالهم إيران في المستقبل القريب.

ومن أهم النتائج المترتبة، أن هذه الانتخابات هي أبرز أداة في تقسيم سورية وتفتيتها، حيث أنها تجري فقط في المناطق التي تحت سلطة الأسد، باعتبارها دولته وما سواها خارج عنها، وترسم هذه الانتخابات بشكل واقعي خطوط التقسيم التي يشتغل عليها الأسد ومن وراء، باعتباره يملك شرعية شعبية واسعة فيها أفرزتها الانتخابات. فهو لم يعد يسعى لاستعادة ما خرج عن سلطته لسببين:

الأول: لأنه يعلم أنه غير قادر على ذلك.

الثاني: لأنه غير راغب في ذلك، لما تمثله هذه المناطق من عبء على كانتوناته، باعتبارها مناطق ثائرة عليه. إنما هو يوسع العملية العسكرية، ويوسع الحرب على الشعب السوري، بغية استمراره واستمرار نظامه إلى حين إجراء توافق دولي على تقسيم سورية، أو على إزاحته نهائياً.

وتبقى هذه الانتخابات، نتيجة حتمية من نتائج الثورة، أي أنه لو لم تقم الثورة ما كنا شهدنا هذه الهزلية، ولم تم إجهاض الثورة ما تمت من أساسها. وبالتالي، يبقى طريق التحول الديمقراطي الحقيقي مرهوناً بإزالة كاملة لمخلفات هذا النظام من التاريخ السوري المعاصر.

عبد القادر نعناع

كاتب وباحث سوري

خاص بمركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

الوسم : الأسدسورية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق