تحول استراتيجية أوبك من الحفاظ على الأسعار إلى الحفاظ على الحصص

بعد صدمة النفط عام 1973 إلى الهبوط الكبير عام 1986، وتحول النقاد الذين حذروا من ذروة النفط إلى القلق بشأن ذروة الطلب، أدى إلى أن المنظمات استهانت عن طريق التحول إلى العمل التلقائي، وتجاهل خطر أي اضطراب في المستقبل.

مثلا بعد فترة طويلة من استقرار السلع في التسعينات، بعض المديرين نسوا ببساطة كيفية ضبط الأسعار، فوقعوا في وجهة نظر متهاونة مفادها بأن تكلفة السلع الأساسية قابلة للتنبؤ، والأسعار متوقعة وفقا لذلك، وهو ما حدث مع انخفاض أسعار النفط اليوم، لكن البعض يعول على التحوط من انخفاض أسعار النفط والسلع، ولكن كذلك التحوط قد يكون لعبة خطرة إذا لم يكن التحوط هو النشاط الأساسي.

بعد أن فقدت أسعار النفط نحو 50 في المائة من قيمتها وأصبحت تتداول عند 60 دولارا للبرميل، وحتى في ظل اضطراب السوق وعدم معرفته أين سيكون القاع، لا يزال وزير النفط السعودي متفائلا، بل وأكثر من ذلك عندما يقول إنه على يقين مائة بالمائة بأن الأسعار ستصعد.

تلك التصريحات لم تكن هباء منثورا، بل هي مبنية على أسس اقتصادية ولكن بشرط أن تتخلص السوق من الفائض، والأسعار الحالية لا تسمح ببقاء أنواع النفط عالية التكلفة من خارج دول منظمة أوبك.

اعتبر النعيمي أن سبب انخفاض الأسعار في عدم تعاون المنتجين المستقلين، بل وصل الأمر بالنعيمي مؤكدا بأن السعودية لن تخفض حصتها حتى لو انخفضت الأسعار إلى 20 دولار للبرميل.

لم يحدد النعيمي من هي الدول المنتجة المستقلة التي تضخ كميات كبيرة من النفط، رغم أنه يرفض نظرية المؤامرة لخفض أسعار البترول من بلاده السعودية ضد دول محددة مثل روسيا وإيران، لضرب تلك الدول بالسعودية وزيادة أزمة الصراع في المنطقة، ما يعني أن هناك دول منتجة خارج دول الأوبك تغرق السوق بالمعروض فوق تفوق حاجته، ولكن من لديه مصلحة في تخفيض أسعار البترول من الدول المنتجة من خارج الأوبك؟

هناك عوامل أساسية لانخفاض أسعار البترول تعود إلى الفجوة بين توقعات النمو وبين النمو الفعلي التي كانت أقل من التوقعات، إضافة إلى التوسع في إنتاج البترول وأغلبه أتى من مناطق ذات تكلفة عالية مستفيدة من ارتفاع أسعار البترول الذي شجعها على التوسع في الإنتاج مثل الزيت الصخري والرملي ومن المياه العميقة جدا، مما أوجد فائضا في السوق، وبسبب عدم تعاون المنتجين من خارج أوبك، مع انتشار المعلومات المضللة، وجشع المضاربين، أسهم في انخفاض أسعار النفط.

الإستراتيجية الجديدة التي تقودها السعودية مغايرة للإستراتيجية التقليدية التي كانت تتبعها وذلك في ظل تخمة المعروض وتنافس المنتجين داخل المنظمة وخارجها على كسب عملاء جدد، بالتركيز على الحفاظ على الحصص السوقية والتعامل مع وضع جديد في السوق يقوم على أنه ربما لا تعود الأسعار المرتفعة من جديد خاصة فوق 100 دولار للبرميل.

تصريحات النعيمي باعتبار السعودية تسعى أن تكون مركزا عالميا رئيسيا في مجال الأبحاث ودراسات الطاقة لأنها تمتلك احتياطيات تقدر ب 265 مليار برميل، واحتياطيات من الغاز تقدر ب 300 تريليون قدم مكعب، وسترفع طاقتها التكريرية من 2.1 مليون برميل يوميا عام 2014 إلى 3.3 مليون برميل يوميا عام 2017، وهي جزء من المنطقة العربية التي تمتلك احتياطيات من البترول تقدر بنسبة 56 في المائة و28 في المائة من الغاز من إجمالي الاحتياطيات العالمية.

يراهن النعيمي بتلك الإستراتيجية الجديدة على تقليص المعروض عن طريق خروج منتجين ضعفاء، ما يعني أن الأسعار ستعود إلى الارتفاع على المديين المتوسط والطويل، لذلك سيستمر الاستحواذ على حصص في السوق لتلبية الطلب من عملاء جدد، ما يؤكد التنافس في الفترة المقبلة سيكون على الحصص السوقية بغض النظر عن الأسعار التي ستعود للتحسن تلقائيا.

بتلك الإستراتيجية الجديدة ليس لدى أوبك سعر مستهدف كما كان في السابق، لكن تستهدف أوبك استقرار السوق النفطية، وحماية الاستثمارات التي هي أبرز أهداف أوبك التي لم تتغير، لأن انخفاض الاستثمارات تؤدي مستقبلا إلى ارتفاع الأسعار وتعود الكرة مرة أخرى إلى إنتاج النفط من المناطق ذات التكلفة العالية وتتكرر الأزمة الحالية، لذلك أرادت الإستراتيجية الجديدة علاج جذري للمشكلة لصالح الدول المنتجة للنفط التقليدي مستقبلا.

وصل إنتاج الولايات المتحدة في 12ديسمبر 2014 نحو 9.14 مليون برميل يوميا وهو أعلى إنتاج منذ عام 1983 يمثل النفط الصخري نسبة 55 في المائة من الإنتاج الكلي، وبعد أن وصل عدد منصات الحفر العاملة مستوى قياسيا بلغ 1609 في منتصف أكتوبر2014 تراجع إلى 1546 في 12 ديسمبر 2014 بسبب هبوط الأسعار 50 في المائة منذ منتصف يونيو.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق