تحذير من انهيار أكبر للاقتصاد الإيراني

إيران مقبلة على مزيد من الانهيار الاقتصادي الذي سيؤدي إلى انهيار في المجالات الأخرى وخاصة الاجتماعية والثقافية.

لعل هناك العديد من الانتكاسات لم تحسب لها الإدارة الإيرانية أيّ حساب أو وضعت لها أيّ خطط وبرامج، قبل ووقت إجراء المفاوضات النووية مع الغرب، والتي انتهت باتفاق وضع الجانب الاقتصادي للبلاد في مأزق الحيرة والترقب، حتى بدت ظواهر خطيرة تطفو على سطح الأنشطة الاقتصادية، تميل في مجملها إلى رفع نسبة الركود الاقتصادي وخاصة التجاري وتشير أيضا إلى سوء الإدارة وضعف الخبرة.
الانتظار الطويل الذي صنعته بنود الاتفاق النووي حول رفع العقوبات الدولية عن طهران، وضعت اقتصاد البلاد في تحديات كبيرة وأزمات عميقة تصعب معالجتها. فبعد إقرار الاتفاق النووي بين إيران والغرب، أصبح المواطن الإيراني يرتقب رفع العقوبات عن بلاده ودخول البضائع الأجنبية للبلاد بسعر أقل وجودة أفضل، فتكدست الصناعات والبضائع المحلية التي تحتكرها فئة محسوبة على النظام استطاعت من خلالها بناء ثروات طائلة.
هذه الحالة خلقت جوا متأزما في الحركة الشرائية في البلاد، وأنهكت الحياة الاقتصادية بشكل أكبر، مما أدى إلى تدهور غير مسبوق في بورصة طهران، وهو ما دفع أربعة وزراء إيرانيين وهم وزراء الاقتصاد والصناعة والعمل والدفاع، بإرسال رسالة تحذير إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني يطالبونه بإجراء تغييرات في السياسة الاقتصادية للبلاد تفاديا لحدوث أزمة عميقة في الاقتصاد بسبب تدهور أسعار النفط.
وأكدوا أن هبوط أسعار النفط وتدهور المنتجات الأساسية خصوصا المعادن، وبعض القرارات الاقتصادية والسياسية غير المنسقة داخل البلاد، سببت تدهور غير مسبوق في بورصة طهران. كما أن وحدات الإنتاج الصغيرة في إيران أصبحت تواجه مشاكل في تشغيلها، ويرجع ذلك إلى الركود الاقتصادي وسوء الإدارة، وضمن هذا الحديث يقول رئيس اللجنة الاقتصادية في غرفة تجارة طهران مهدي بور قاضي “إن 30 بالمئة من وحدات الإنتاج الصغيرة قد توقفت عن العمل بسبب مشاكل في تأمين رأس المال وأيضا بسبب الركود الاقتصادي، وأيضا فإن 50 بالمئة من وحدات الإنتاج الصغيرة التي تبلغ 82 ألف وحدة إنتاج تنتج فقط نصف قدرتها الإنتاجية”. وأضاف أن “الركود الشديد في الأنشطة الاقتصادية للبلاد قد أدى إلى هبوط حاد في مبيعات الشركات”.
دخول البطالة في إيران وتيرة شخص واحد كل 5 دقائق، ينذر بانفجار داخلي للشباب ويهدد الأمن القومي الإيراني من الداخل، فحسب تصريحات وزير العمل الإيراني علي ربيعي فإن كل خمس دقائق يضاف شخص واحد إلى جموع البطالة في إيران يعني أن مشكلة البطالة خرجت من دائرة الأزمات إلى نقطة والانفجار.
والحكومة الإيرانية في ظل الظروف الراهنة وتراجع الأنشطة الاقتصادية، لن تكون قادرة على توفير سبل معالجة هذه المعضلة، وستبقى تسير في نفس الاتجاه ولكن بوتيرة أسرع، وهو ما يعني أن إيران مقبلة على مزيد من الانهيار الاقتصادي الذي سيؤدي إلى انهيار في المجالات الأخرى وخاصة الاجتماعية والثقافية.
اتّباع سياسات اقتصادية خاطئة وإصرار الحكومات المتعاقبة عليها لضغوط من جهات مستفيدة من هذه السياسات كالحرس الثوري، أحد أسباب الفشل الاقتصادي في إيران. ويتربع الحرس الثوري على ما يزيد عن 70 بالمئة من الأنشطة الاقتصادية في البلاد وما تتضمنه من ثروات واستثمارات، وغايته هو جني أكبر قدر من الأموال لرصدها في خزينته ليبقى الآمر الناهي في البلاد وحارسا يقظا لنظام الملالي في إيران، ومد ودعم أذنابه في الخارج، دون النظر إلى أيّ اعتبار للمصلحة العامة والمواطن. فأصبح يقيد السياسة الاقتصادية للدولة بقيود تتماشى مع أهدافه الخاصة، مما جعل الفساد والاختلاس يتفشيان في البلاد.
ومن الطبيعي أن سيطرة جهة واحدة لها قوانينها وقواعدها الخاصة على كافة أنشطة البلاد الاقتصادية، وفرضها سياسات وفق مصالحها على مسيرة الاقتصاد العام للبلاد، يعتبر في علم الاقتصاد خطأ إداريا كبيرا يجرّ الدولة إلى معضلات تقود إلى مزيد من التردي، لذا فإن رفع العقوبات عن طهران ودخول استثمارات أجنبية لا يعني جني الكثير في ظل سياسات خاطئة، أباحت انتشار الفساد والاختلاسات.
وسيفشل ضعف القانون الإيراني في تحفيز الأنشطة والاستثمارات وتصلّب بنوده في التعاملات الاقتصادية، في جلب الاستثمارات الأجنبية ويحدّ من استمراريتها؛ حيث يلعب قانون أيّ دولة دورا أساسيا في التنمية الاقتصادية والتجارية المحلية، فليونة وعدالة القانون في التعامل مع الأنشطة الاقتصادية مع التطبيق الكامل للوائحه، يوفر جوا وأرضية مريحة أمام المستثمرين المحليين والأجانب، وهذه الصفة يفتقدها القانون الإيراني الذي لا يمنح الحرية ويحفظ الحقوق للمستثمرين والتجار وخاصة الأجانب، ومن ناحية أخرى فإن غالبية بنود القانون الإيراني الخاصة بالأنشطة الاقتصادية غير مفعّلة، أو أنها تفعل بين وقت وآخر حسب مصلحة بعض الجهات السيادية، لذا فإنها لن تكون قادرة على ضمان حرية وحقوق المستثمرين الأجانب في إيران، وهو ما سيخلق أزمة ثقة بين الشركات والمستثمرين والحكومة الإيرانية، خاصة وأن جهات مثل الحرس الثوري ستبقى تتدخل في مثل هذه الأنشطة لضمان مصالحها.
لذا فإن حاضر الاقتصاد الإيراني المليء بالأزمات والمشاكل، ينتظر مستقبلا سيكون على عكس طموحات الشعب الإيراني وتوقعات الرئيس حسن روحاني التي ستصطدم جميعها بحقائق لم تكن في الحسبان، وستؤدي إلى مزيد من الانهيار.
نقلاً عن مركز المزماة للدراسات والبحوث
د. سالم حميد

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق