تاريخ الاحتلال(1) بداية العدوان

يعود تاريخ الاحتلال البرتغالي في منطقة الخليج العربي إلى العام 1507م، حيث استطاعت القوات البرتغالية اكتساح السواحل الشرقية (ساحل الشميلية) لإمارات الساحل (دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم) وارتكب الغزاة الجدد من أوروبا، باسم الصليب، مجازر فظيعة ضد أهل إمارات الساحل وحرقوا ودمروا وشوهوا الجثث المتناثرة، ومن بقي على قيد الحياة من أسرى إمارات الساحل قام البرتغاليين بجدع أنوفهم وقطع آذانهم!

عندما ذهل أهل إمارات الساحل من تلك السفن البرتغالية الضخمة ومن أصحاب البشرة البيضاء وأسلحتهم المتطورة، أعلن حاكم سواحل الإمارات الشرقية الشيخ سيف الدين الجبوري الحرب على الغزاة الجدد، ثم أمر بقرع طبول الحرب عليهم فيما كان الأهالي ينشدون أهازيجهم الشعبية استعداداً للحرب الغير المتكافئة بين الطرفين.

لكن البرتغاليين كانوا الأقوى وتمكنوا من دحر قوات ساحل الإمارات الشرقي، وانهزم الشيخ سيف الدين وهرب إلى الضفة الشمالية من الخليج العربي إلى بر فارس وذلك عام 1515م، وكانت الهزيمة من قبل البرتغاليين سبباً لبداية الهجرة الإماراتية إلى البر الآخر من الخليج.

لكن الحرب بقيت مستمرة مع قيام الدولة اليعربية في عُمان، وقيام الدولة النهيانية في إمارة بني ياس على يد الشيخ فلاح بن ياس والدولة القاسمية على يد الشيخ كايد بن عدوان الذين لقنوا بالتعاون مع الدولة اليعربية البرتغاليين دروساً عسكرية على مدى السنوات اللاحقة، فيما كانت الدولة القاسمية تمد نفوذها لتشمل جميع الإمارات الشمالية وسواحل إيران الجنوبية مع تحديد مدينة لنجة عاصمة للدولة القاسمية في الجنوب الإيراني.

وكانت الدولة الصفوية الإيرانية تبحث عن حلفاء يساعدونها على دحر البرتغاليين منذ العام 1600 ودخلوا في معاهدات مع الدولة القاسمية، وكان حاكم إيران يُدعى عباس شاه إسماعيل الصفوي الذي اعترف بملكية الشيخ كايد بن عدوان القاسمي لمساحات شاسعة من الأراضي الواقعة جنوب غرب إيران حالياً، هذا بالإضافة إلى الجزر الجنوبية والتي تتضمن جزيرة طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى.

ولكن الدولة الصفوية خانت العهد وحاولت احتلال العاصمة التاريخية لدولة الإمارات رأس الخيمة، فقامت القوات القاسمية بالتعاون مع القوات اليعربية في العام 1631 بسحق الإيرانيين ودحرهم خائبين، وعلى اثر تلك الهزيمة الإيرانية شدد الشيخ كايد بن عدوان على ضرورة إلحاق عدد كبير من أهالي بلاده للهجرة إلى الضفة الأخرى من الخليج كي يحافظ على ممتلكاته ويثبت تبعياته لتلك الأراضي الشاسعة العائدة له.

وعلى الرغم من “العلقة الساخنة” التي تلقاها الحاكم الإيراني شاه عباس الصفوي إلا أن الأخير استمر في القيام بمضايقة الإماراتيين في ميناء بندر عباس الحالي، والذي كان تحت حكم قبيلة الزعاب العربية، بسبب انتعاش الحركة التجارية في الميناء ودخول أطراف أجنبية جديدة في المنطقة كالإنكليز والهولنديين، وذلك ابتداءً من العام 1647، وكانت فرصة بالنسبة للمجوس لطلب المساعدة العسكرية من إنجلترا وهولندا ضد الأجداد في إمارات الساحل.

وكذلك شكلّت الوفاة المفاجئة لحاكم الدولة اليعربية ناصر بن مرشد آل عرب (أو اليعربي) في العام 1649 عن سن يناهز 46 عاماً فرصة أخرى للإيرانيين للدخول في حروب جديدة مع إمارات الساحل.

ولكن الفرس لم يضعوا في حسبانهم أن سكان إمارات الساحل وكذلك الدولة اليعربية في سلطنة عُمان قد تمكنوا من طرد البرتغاليين بصورة نهائية من البلاد ما بين العامين 1649 و1650، وأنهم الآن على استعداد للدخول في حروب جديدة مع الإيرانيين الفرس من جهة، ومن جهة أخرى مع بقية القواعد البرتغالية في الهند والساحل الشرقي للقارة الأفريقية.

وكان اليعاربة يحققون الانتصارات المتتالية ويجزون أعناق البرتغاليين كل ما ظفروا بهم في مختلف بلدان الرياح الموسمية، وكانت القوات البرتغالية تتساقط وقواعدهم تتحطم وتنهار بفعل القوات العمانية، والتي كانت فيما بعد تحتل تلك البلدان وتضمها إلى الدولة العمانية، بينما لم يتجرأ الفرس وأمام القوة العسكرية وخاصة البحرية الهائلة للقوات القاسمية في إمارات الساحل والعمانية حتى على التفكير في استفزاز الأجداد لأن الفرس كانوا على علم أن لا طاقة لهم في مواجهة الأجداد، حيث كانت السفن العسكرية للأجداد من مختلف الأحجام والأوزان القادرة على حمل ما بين 50 إلى 80 مدفعاً يدك مدن وحصون الأعداء دكاً.

بالإضافة إلى دخول الفرس في حروب مع إمارات الساحل كانوا أيضاً يقاتلون في الجبهة الأخرى ضد الدولة الأفغانية، بينما كان الأجداد يراقبون الأوضاع في الدولة الإيرانية تحسباً لأي هجوم إيراني مباغت سواء في الأراضي التابعة لإمارات الساحل في البر الفارسي أو البر الإماراتي العربي.

وفي عام 1694 تقلد الحكم في الدولة الفارسية حاكم جديد اسمه شاه حسين طهماسب، ولكن الأجداد بالإضافة إلى اليعاربة لم يمهلوا الحاكم الجديد وباغتوه بالهجوم في العام 1707 وسحقوا عدداً هائلاً من السفن الإيرانية سواء كانت سفن عسكرية أو تجارية بحجة أنها تخترق المياه الإقليمية لإمارات الساحل، حينها أذعنت الدولة الفارسية ووافقت على دفع رسوم عبور المياه التابعة لإمارات الساحل لأن حرب الفرس مع الأفغان انهكتهم جداً، ولم يكن الإيراني طهماسب راغباً في تلقي المزيد من الخسائر العسكرية.

ثم ما لبثت الدولة الفارسية أن تعرضت لهزيمة في غاية القسوة من قبل الأفغان وانهارت بلاد فارس، بينما ازدادت الهجرات العربية من إمارات الساحل إلى البر الفارسي لإقامة من المزيد من القرى والمدن العربية التابعة للإمارات والدولة الفارسية عاجزة حتى عن استنكار الاحتلال الإماراتي لأراضيها، وقامت عدة قبائل من إمارات الساحل بتأسيس المناطق العربية وعلى رأسهم مدينة لنجة الساحلية في الجنوب الإيراني حالياً ومنطقة الدوار ومنطقة بيخة وبنج وبندر مسلم ومهركان وبركة صالح وقرى كريز وقرى سني وهرمند وأميران وجبنه وجشه وبستانه وبلدة تاونة والمقام والعرمكي، بالإضافة إلى ملكية إمارات الساحل لجميع الجزر في الخليج، ومن القبائل العربية الشهيرة المهاجرة إلى البر الفارسي كانت قبيلة القواسم وآل حماد والنصور وآل علي والمرازيق والعبادلة والمعين وغيرهم الكثير، هذا بالإضافة إلى إقامة القواعد العسكرية العديدة خشية أي هجوم إيراني.

وفي عام 1715 تجرأت قوات الفرس على القيام بهجوم مباغت على بعض السفن التابعة لإمارات الساحل وسلطنة عُمان بقيادة شخص يُدعى شجاع الدين العجمي، وهو شخص بعيد عن الشجاعة وأقرب إلى الجبن بسبب مهاجمته لسفن غير عسكرية، مع العلم أن هذا القائد الفارسي كان تحت الحماية القاسمية في مدينة لنجة القاسمية.

ولكن قائد القواسم الشيخ قضيب بن كايد لم يمهله على خيانته وقام على الفور بمهاجمة قاعدته العسكرية في الجنوب الإيراني، وكانت السفن العسكرية التابعة لإمارات الساحل تمطر الجنوب الإيراني بوابل من نيران المدفعية وتدكها دكاً بينما الفرس عاجزين عن الدفاع عن أنفسهم ورفعوا راية الاستسلام وهرب القائد شجاع الدين خلسة بينما قدم الآخرين من الفرس العسكريين أنفسم على أنهم أسرى حرب.

من جهتها، طالبت الدولة الفارسية بعودة أراضيها المحتلة من إمارات الساحل وارسلت المزيد من القوات، فقام أمير القواسم الشيخ رحمة بن مطر القاسمي من رأس الخيمة في العام 1716 بإرسال قوات قاسمية للسيطرة على المزيد من الجزر، وعلى رأسها جزيرة “القسم” في مضيق هرمز، وكان الفرس في شدة الهول من منظر الأسطول القاسمي الضخم الذي قام بعملية إنزال في غاية البساطة في الجزيرة التي خضعت للسلطة القاسمية، وحاولت المدفعية الإيرانية إطلاق قذائفها لكن قذائف سفن إمارات الساحل أشد قوة ورهبة، ثم قاموا بفرض حصار على الفرس الذين استسلموا على الفور.

لم تكتفِ قوات إمارات الساحل والعمانية بذلك الانتصار البسيط وقرروا طرد الفرس من جزيرة البحرين عام 1717، وبالفعل باغتوا الفرس بهجوم خاطف على الرغم من الاستعدادات الإيرانية في البحرين، وتمكن الأجداد من سحق القوة الفارسية في جزيرة البحرين مع قتل عدد هائل من الجنود الفرس فيما هرب قائدهم إلى موطنه في الضفة المقابلة من الخليج العربي، وعلى اثر ذلك الانتصار أيضاً ازدادت رقعة السيطرة الإماراتية والعمانية على سواحل الخليج، بينما الفرس في غاية القهر.

شهدت السنوات اللاحقة حروباً أهلية كثيرة في داخل الدولة العمانية والكثير من الاغتيالات والصراع على السلطة بعد وفاة الإمام سلطان بن سيف آل عرب، وشهدت أيضاً حدوث إنشقاق في الدولة العمانية وإمارات الساحل وبروز حلفين عسكرين: الحزب الهنائي والحزب الغافري.

وكانت الأوضاع في غاية السوء وفي تخبط مستمر من سيئ إلى اسوأ وتناحر الأشقاء بعضهم البعض، بينما العدو الفارسي في غاية السعادة من هذا الوضع المزري.

وبسبب تلك الأوضاع اضطر أمير القواسم الشيخ ارحمة بن مطر القاسمي إلى إصدار أوامره في العام 1723 بسحب أعداد كبيرة من كتائبه العسكرية من البر الفارسي من عاصمة القواسم لنجة وعودتها إلى البر الإماراتي لدعم الحرب الأهلية في إمارات الساحل والدولة العمانية، ثم ازدادت حدة الصراع ودخل القواسم في حروب ومعارك حامية الوطيس مع الأطراف المتنازعة في الدولة العمانية، وكانت المعارك من جميع الجبهات البرية والبحرية والجبلية، وبدلاً من أن تتعاون قوات إمارات الساحل مع القوات العمانية ضد العدو الفارسي، دخل الأشقاء في حروب في ما بينهم والأساطيل البحرية ومدفعيتها تنهش بعضها البعض.

مع ازدياد حدة الصراع دخلت إمارة بني ياس أيضاً في تلك المعمعة، ومع انشغال القواسم بالحرب الأهلية حاول الفرس السيطرة على جزيرة القسم القاسمية من جديد عام 1726، لكن سرعان ما اكتشف القواسم الخطة الإيرانية وقاموا على الفور بعمليات إنزال في الجزيرة، لكن الفرس استجاروا بالبريطانيين طالبين منهم العون ضد القواسم، فارسلت بريطانيا النجدات إلى جزيرة القسم لطرد القواسم، وكانت تلك الحادثة بداية أو شرارة الحرب ما بين القوات القاسمية والقوات البريطانية، ولكن معركة عام 1726 انتهت بدخول الطرفين في مفاوضات لنزع فتيل الحرب من جهة، ومن جهة أخرى النظر في المطالبات الفارسية بجزيرة القسم لأن الفرس يدّعون أن تلك الجزيرة من الملحقات الفارسية.

في عام 1731 شعرت إمارات الساحل المتمثلة في دولتين منفصلتين وهما إمارة بني ياس وإمارة القواسم بنوع من الملل من الصراع العماني الداخلي الغير راغب في الانتهاء، وقررا اتخاذ موقف محايد نظراً للخطر الفارسي المتربص بإمارات الساحل وملحقاتها في البر الفارسي.

وشهد ذلك العام أيضاً بروز حاكم جديد للدولة الفارسية وهو نادر شاه والذي بمجرد ان استلم زمام السلطة في فارس عمل على تطوير القوات البحرية وشراء أحدث الأسلحة من بريطانية وأحدث السفن الحربية البريطانية والهولندية، وقام بتخصيص ميناء بوشهر الإيراني كقاعدة لسلاح البحر الإيراني ومن خلاله يتم تسيير الأساطيل الفارسية ضد إمارات الساحل.

وأمام التطور الكبير الذي شهدته القوات البحرية الإيرانية واستمرارية الحرب الأهلية في الدولة العمانية، قام حاكم عُمان سيف بن سلطان آل عرب في العام 1736 بفتح قنوات دبلوماسية مع الدولة الفارسية طالباً من الفرس العون العسكري في حروبه الأهلية داخل الدولة العمانية!

لقد أخطأ الحاكم العماني سيف بن سلطان خطأً جسيماً في حق بلاده عندما طلب العون من الفرس، حيث كانت تلك الخطوة بمثابة دعوة مفتوحة للفرس للتغلغل في أراضي الدولة العمانية، لأن حاكم الفرس نادر شاه لم يصدق أنه سيحوز على تلك الكعكة المجانية، وجهزّ على الفور جيوشه التي بلغت تعدادها أكثر من 4 آلاف جندي مقاتل من جنود البحرية الإيرانية بقيادة القائد البحري لطيف خان، والذين سارعوا بالتوجه نحو جزيرة البحرين واستباحوها بعد أن قضوا على حركة المقاومة.

من جهة أخرى، أبدت الدولة البريطانية والدولة الهولندية رغبتهما في الدخول مع الدولة الإيرانية في حلف عسكري من أجل القضاء على العدو المشترك اللدود إمارات الساحل وتدمير قوة مشيخات إمارات الساحل البحرية، وهذا ما قبله نادر شاه فوراً من دون تفكير، وسارعت بريطانيا وهولندا في إرسال قطعاتها البحرية المتطورة وأحدث مدافعها مشكلين اسطولاً عظيماً من القوات الفارسية والبريطانية والهولندية، ثم تقدم هذا الأسطول العظيم نحو مدينة خورفكان على الساحل الشرقي من إمارات الساحل، وذلك في يوم 4 ابريل من العام 1736 وفتح الأعداء نيران مدافعهم بلا هواده على رؤوس الأبرياء، لكن الفرس لم يتجرأوا على القيام بعملية إنزال خشية أن تتعرض أعناقهم للجز من قبل أهالي خورفكان، وبعد أن اكتفوا بما اسقطوه من قذائف في خورفكان توجه الفرس نحو مدينة رأس الخيمة ليعسكروا هناك بناءً على طلب الحاكم الخائن سيف بن سلطان آل عرب (اليعربي).

د. سالم حميد

رئيس مركز المزماة للدراسات والبحوث

نقلاً عن ميدل ايست اونلاين

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق