بنية النظام الإيراني ممتنعة عن الانفتاح

تفيد التصريحات الجديدة التي يطلقها الرئيس الإيراني (حسن روحاني) أن الإدارة الجديدة للحكومة الإيرانية تنتهج منهجاً معتدلاً يذكرنا بسلفه السابق محمد خاتمي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي عندما خاطب الغرب والأمريكيين بدعوى حوار الحضارات، وقد كان للقاءات متحف “ميتروبوليتان” آنذاك صدى لدى السياسيين الغربيين عندما التقت (مادلين أولبرايت) الوفد الإيراني على هامش لقاء الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

كان الترحيب بذلك التقارب متفائلاً بشكل مبالغ به إذ سرعان ما اصطدمت محاولات التقارب بعوامل متعلقة بالبنية الإيرانية ذاتها وبالإيديولوجية التي تستمد منها إيران مشروعيتها وشرعيتها إلى حد ما، بحيث لايمكن تخيل حل الملفات العالقة بين طهران والغرب بمجموعة متبادلة من الابتسامات والعبارات الدبلوماسية بينما مازالت محاربة أمريكا بوصفها الشيطان الأكبر هي دعامة أساسية يقوم عليها الخطاب الإيراني الرسمي.

في تلك المباحثات التي جرت بين الإيرانيين والأمريكيين نهاية التسعينيات تقدم خاتمي كرجل معتدل بمقابل إدارة أمريكية ديمقراطية مرحبة استقبلت الإشارات الإيرانية بإيجابية كبيرة جنت من ورائها إيران أريحية في التحرك الإقليمي والدولي لاسيما في جوارها العربي وبدأت ملامح انفراج عربي إيراني ملحقاً بالإنفراج الإيراني الغربي.

لكن سرعان ما اصطدمت هذه الدبلوماسية بعوائق بنيوية يتأسس عليها النظام الإيراني بمؤسساته الرئيسية التي يعزى إليها صناعة القرار النهائي والبت بالسياسة الخارجية وهي مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور فضلاً عن مراكز ثقل كبيرة في صنع السياسة الخارجية بل واكثرها حسماً وعلى رأسها موقع ولي الفقيه، بحيث لاتستطيع مؤسسة رئاسة الجمهورية حتى في حال أخذت الضوء الأخضر من أن تتقارب مع الغرب إلى الدرجة التي تتناقض مع المفاهيم التأسيسية لإيران (الدولة – الثورة) وبالتالي افتقادها للبعد الأيديولوجي التي ترص فيه الصفوف الداخلية وتحشد من خلاله مجموعة الأبنية العسكرية المستقلة عن الجيش الإيراني وهي مؤسستي الباسدران والباسيج.

إن الدعوة التي وجهها علي خامنئي وحسن روحاني للحرس الثوري بعدم التدخل في السياسة الخارجية ستثير جدلاً إيرانياً داخلياً لن يكون ملحوظاً إلا لمن قام بفحص التركيبة التي يتأسس عليه النظام الإيراني، فعلى مدار 34 عاماً أي منذ قيام الثورة الإيرانية كان النظام السياسي الإيراني يتطور لإفراغ المؤسسات التنفيذية من صناعة القرار وربطها اكثر بيد ولي الفقية ومجمع الثيوقراطيين المتشددين وتحديداً عبر مجمع تشخيص مصلحة النظام ذو الصلاحيات الواسعة التي تصل إلى عزل القائد إذا رأى الأعضاء أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللأزمة ويؤثر المجلس على السياسة الخارجية بشكل غير مباشر من خلال تعيينه للمرشد.

إن الرهان على التقارب الإيراني الأمريكي تم اختباره في بيئة أكثر مرونة عندما لم تكن إيران قد تقدمت في برنامجها النووي على هذا النحو من وصولها إلى عتبة التخصيب بنسبة 19,75 أي تسمح لها بتشغيل مفاعلاتها النووية البحثية وتحولها إلى التطبيقات الصناعية، وبالتالي لا تسعى إيران إلى امتصاص حنق الأسرة الدولية من المناورات التي مارستها على مدار العقدين الماضيين فيما يتعلق ببرنامجا النووي فحسب، بل خطاب روحاني المهادن يندرج في إطار إغلاق الأبواب أمام الاصوات المنادية بتشديد الإجراءات العقابية تجاه تجاهلها لالتزاماتها النووية أمام الوكالة الدولية للطاقة.

وبينما تعتقد الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة باراك اوباما أن إنجاز دبلوماسياً ما قد يعفيها من مهام المواجهة والإحتواء للجنوح الإيراني الثابت في سياستها الخارجية عبر رسائل سرية مع الرئيس الإيراني توجب على الدول العربية أخذ الحيطة من تكرار الأخطاء الإستراتيجية التي وقعت فيها هذه الإدارة تجاه المنطقة. فقد دفع الإنسحاب الاستراتيجي الأمريكي من المنطقة إلى تقدم استراتيجي في العراق وأفغانستان لصالح إيران دون أن تكون هناك استراتيجية عربية لملئ الفراغ واحتواء المنطقة خصوصاً في ظل تفلت النظام السوري من أي إلتزام عربي والتحاقه بالإستراتيجية الإيرانية.

وعليه كان لزاماً على الدول العربية والدول الخليجية بالتحديد من بناء استراتيجيتها المستقبلية البعيدة المدى تجاه إيران بشكل يكامل الأمن القومي للخليج بغض النظر عن التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فليس كل ما يناسب الولايات المتحدة يناسب دول الخليج الواقعة تحت التهديد الإيراني المباشر ذات الاطماع الإقليمية التي لن تتغيير بخطاب أو رسائل سرية طالما لم يتغير النظام الإيراني نفسه.

مازن محمود علي

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

الوسم : إيران

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق