بلوشستان وظلم النظام الإيراني

لا يكتفي النظام الإيراني عادة بنقض وعوده بخصوص تحسين مستوى الحياة والعمل على تلبية حاجيات ومتطلبات القوميات غير الفارسية فحسب، بل يستخدم شتى الوسائل غير الإنسانية لمحو كل ما تبقى من آثار هذه القوميات، لتدمير هويتهم وثقافتهم، ونزع التاريخ منها، لأنه لا يصب في مصلحة هذا النظام، حتى تحول تحجيم هذه القوميات وإبقائها رهن التخلف إلى نظام منظم يسري في كافة الإجراءات والمشاريع الحكومية بشكل غير علني.

يتعرض البلوش وأرض بلوشستان في إيران باعتبارها واحدة من القوميات غير الفارسية المغضوب عليها، إلى أبشع أنواع الأساليب غير الإنسانية القمعية الوطنية والثقافية والاجتماعية، من أجل تدمير هويتهم ومحوها من ذاكرة الأجيال القادمة، ولذلك بقيت بلوشستان خلال السنوات التي تلت الثورة، من أكثر المناطق إرتفاعا لمعدلات الفقر والبطالة والأمية وسوء التغذية والأمراض والآفات الخطيرة مثل مرض السل وتلوث الهواء والماء … ووفقا للتقارير الإحصائية فإن خط الفقر في إقليم بلوشستان أقل من نصف خط الفقر في العاصمة طهران، وهذه الكارثة لا يمكن تفسيرها بأي شكل من الأشكال، إلا بأن هناك أياد تعمدت صناعة هذا الوضع البائس في بلوشستان.

ووفق إحصائيات الحكومة الإيرانية فإن إقليم بلوشستان يحتوي على مصادر طبيعية ثمينة وقيمة، وكذلك فإن قربها من المياه الدولية أضفى عليها موقع استراتيجي مهم في المنطقة، ولو تمت إدارتها عن طريق القوى المحلية المقتدرة وبعيدا عن السياسات العنصرية، لكان من الممكن أن تكون ذا وضع أفضل بكثير من وضعها الحالي المؤلم والحزين.

وتشير تقارير وزارة الصناعة والمعادن الإيرانية إلى أن إقليم بلوشستان يقع على حزام من المعادن والفلزات، ويحتوي على احتياطات كبيرة من الكروميت، والنحاس والمنغنيز والرصاص والزنك والتنجستن والقصدير والمغنيسيوم وأحجار البناء والزينة وخاصة الجرانيت، ويحتوي أيضا على 430 ألف طن من العقيق عيار 40 بالمئة، و10 مليون طن من الفلدسبار، و130 ألف طن من السيليكا عيار 99 بالمئة، وأكثر من 43 ألف طن من الأنتيمون، ومع جود هذه الموارد القيمة في هذا الإقليم فإن الشعب البلوشي لم يستطيع الاستفادة منها بسبب سياسات النظام الإيراني العنصرية والأمنية، وليس هذا فحسب، بل استخدم النظام الإيراني مردود هذه الموارد من أجل إيجاد تغيير في النسيج الديموغرافي والسكاني لهذه المناطق، فحول بذلك النعمة إلى نقمة.

ويقول الدكتور عبد الستار دوشوكي مدير مركز البلوش للدراسات بخصوص عدم استخدام الموارد الاقتصادية في بلوشستان بالشكل الصحيح، وتأثرها بالرؤية السياسية والأمنية للمؤسسات الحكومية: “على الرغم من الزخم الإعلامي للحكومات الإيرانية خلال الــ 34 عام الماضية، فأنه لم يتم أي مشروع مهم أو استراتيجي في بلوشستان باستثناء بعض المشاريع الصغيرة والمتوسطة”، وفي نفس الوقت فقد نفذت العديد من المشاريع الضخمة والاستثمارية الواسعة في العديد من المناطق ذات الأصول الفارسية، وقد اعتبر دوشوكي سبب هذا هو سياسة التهميش والعنصرية التي يتبعها النظام في المناطق غير الفارسية، والأمر من ذلك كله، أن النظام الأمني في طهران مبني على عدم منح الثقة بأبناء بلوشستان.

ومن بين 16018 مصنع في إيران، حسب إحصائيات عام 2005، فإن بلوشتسان كان نصيبها فقط 138 مصنع منها، أي بنسبة تقل عن 1%.

وكذلك فإن وكالة أنباء العمل الإيرانية (إيلنا) أوردت نقلا عن رضا نجفي مدير عام الزراعة في إقليم سيستان وبلوشستان “إن عدد الحيوانات في بلوشستان قبل عام 1998 تجاوز الــ 6 ملايين رأس، ولكنه الآن أصبح ما يقارب 4 ملايين و300 ألف رأس”.

لذا فإن سياسات النظام الإيراني في المناطق غير الفارسية توضح أن السكان الأصليين في هذه المناطق ليسوا من أولويات النظام واهتمامته، والهدف الأساسي للنظام هو استخدام جميع الوسائل والأساليب من أجل المحافظة على كامل الأراضي التي احتلها من قبل، حتى لو اقتضى الأمر قتل جميع الشعوب القاطنة فيها، فالرؤية الأمنية للنظام في إيران تعرف بأن هذه الشعوب من الممكن أن تنفصل وتستقل بذاتها، لذا فإنه مستعد لارتكاب شتى صنوف الجرائم وخاصة الممنهجة للحيلولة دون وقوع ذلك، وتتركز سياسيته من البداية على إفشال احتمالية استقلال هذه المناطق، لذا كانت دائما ما تنفذ هذه السياسات بنكهات أمنية وعسكرية.

وقد اعتبر حبيب الله سربازي مدير لجنة النشطاء البلوش في مقابلة له مع موقع جرس “أنه بناءا على الإحصائيات المقدمة، فإن إقليم سيستان وبلوشستان من أكثر الأقاليم إرتفاعا لمعدلات الفقر والبطالة والأمية وسوء التغذية وموت الأمهات أثناء الحمل والولادة والأعدامات وأعداد الإيرانيين غير المسجلين ومرض الإيدز وغيرها، وبالإضافة إلى كل هذا، فإن مشكلات الدولة الأخرى مثل التضخم وغلاء الأسعار وغيرها تزيد الأمر سوءا في هذا الإقليم”.

ويقول حسين علي شهرياري ممثل مدينة زاهدان في مجلس الشورى الإيراني : إن نسبة البطالة في بلوشستان أكثر من 50% مما أدى إلى تأزم الأوضاع الجتماعية إلى حد الإنفجار، وأضاف أن عددا من أعمال البنية التحتية مثل مشروع سكة الحديد جابهار – زاهدان –  مشهد، ومشروع توصيل الغاز إلى هذا الإقليم، والمشاريع البتروكيماوية في جابهار، قد تم إيقافها بسبب نقص التمويل.

لقد أثرت السياسات الأمنية المذكورة على كافة جوانب الحياة لدى البلوش، وفي هذا الخصوص قالت “حليمه عالي” إحدى ممثلين بلوشستان : “نتيجة لهذه التدابير فإن بلوشستان في حالة التفريغ من سكانها، وقد حذرت من العواقب الأمنية الناتجة عن ذلك”.

إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لأي أمة من الأمم لا يمكن فصلها عن بعض، وتتأثر بعضها ببعض بشكل تلقائي، فالوضع الاقتصادي المتردي في بلوشستان، بالإضافة إلى السياسات الأمنية الخانقة، أثرت بشكل كبير على بقية مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية للشعب البلوشي، فبدون شك فإن أحد أهداف سياسات التجويع والممارسات الأمنية هو تخريب النسيج الاجتماعي وضرب الثقافة والهوية لهذه الشعوب ومحاولة محوها، لذا فإن الوضع التعليمي والثقافي في إقليم بلوشستان حسب إحصائيات النظام الإيراني مرحج للغاية.

وقد كتبت صحيفة الجمهورية الإسلامية نقلا عن المدير العام للثقافة والإرشاد الإسلامي في إقليم سيستان وبلوشستان قوله ” في المكتبات لا يوجد سوى الكتب المساعدة للدراسة، وفي المطابع لا يطبع سوى “النعي” وفي دور النشر لم ينشر أي كتاب، وإن هذا لأمر مؤسف”.

إن الأمة التي لا يسمح لها بالتعليم بلغتها الأم، وإحصائيات البطالة فيها تزيد عن 50%، هل سيكون لديها الدافع والمحفز على إنتاج العلم ونشر الكتب، وحتى إن أرادت، فهل ستسمح لها السياسات الأمنية لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي بتنفيذ ذلك؟

تعتبر بلوشستان من أعلى المناطق فقرا في التعليم، ولا يمكن مناقشة هذاالموضوع بمعزل عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الأخرى الناتجة عن سياسات النظام الأمنية، ومن أهم أسباب الفقر التعليمي في المناطق غير الفارسية وخاصة بلوشستان هو عدم التعليم بلغة الأم لهذه القوميات، إذ أدى هذا الأمر إلى ترك العديد من الطلاب للدراسة بسبب صعوبة التعليم بلغة غير لغة الأم، وخاصة في المرحلة الابتدائية، وهذه المشكلة تسببت في العديد من المشاكل الاجتماعية مثل الإدمان والزواج المبكر والطلاق وغيرها.

في بداية شهر “مهر” (21 سبتمبر) من كل عام، تعود ذاكرة قساوة النظام الإيراني الشديدة اتجاه القوميات غير الفارسية إلى الأذهان، وتجاهل هذه القضية المهمة لعب دورا أساسيا في ارتفاع معدلات الأمية والجهل في هذه المناطق، ومن الطبيعي أن يؤدي اتساع رقعة الجهل والأمية إلى العديد من المشكلات الاجتماعية الأخرى.

علاوة على الاختلافات في جودة التعليم بين بلوشستان ومراكز إيران والتي تعتبر التعليم بلغة الأم من أبرزها، فإن هناك أيضا فجوات كمية أيضا تعاني منها بلوشستان، وفي هذا الخصوص كتبت صحيفة “نداي زاهدان” : أنه كلما ابتعدنا عن مدارس العاصمة ذات المعايير الدراسية باتجاه الجنوب، فأننا نشاهد نقصا في أعداد الكادر التعليمي، والفصول ذات المعايير الدراسية، والمرافق التعليمية والصحية”.

مايزال هناك العديد من المدارس الفاقدة لمعايير التدريس منتشرة في كافة أنحاء بلوشستان، وفي هذا الخصوص يقول علي رضا راشكي المدير العام لترميم وتطوير وتجهيز المدارس في إقليم سيستان وبلوشستان، إن من بين 10 آلاف و602 فصل دراسي في هذا الإقليم، هناك 6 آلاف و720 فصل منها غير ملائم للدراسة ويحتاج إلى هدم أو على الأقل إعادة ترميم من جديد”.

إن الثغرات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والثقافية بين بلوشستان ومركز إيران لا يمكن أن تكون قد وجدت بهذا الحجم من غير قصد، بل إنها وبدون دون شك، نتاج السياسات الأمنية للنظام الإيراني في هذه المنطقة، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تغيير النسيج الاجتماعي في هجرة الشعب البلوشي إلى المدن الإيرانية الأخرى، وكذلك إبقائه في مستوى ثقافي واقتصادي متردي، لمنعه من تشكيل قاعدة اجتماعية قوية يستخدمها فيما بعد من أجل استرداد هويته المسلوبة.

قيس التميمى

نقلا عن مركز المزماة للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق