بعد 4 سنوات من الحرب.. حقوق الإنسان تحتضر في سوريا

الحالة السورية على صعيدها الإنساني يمكن أن تكون تراجيديا أو مأساة أو ملهاة، وعددا متسلسلا من الأوصاف السلبية التي انتهت إليها من واقع أرقام وإحصائيات أربع سنوات من الموت والقتل والتقتيل والدمار والتدمير والخراب، حتى أصبحت سوريا الجميلة أرضا يبابا لو وقف على أطلالها توماس إليوت لعرف المعنى الحقيقي لليباب، ولأنشد جون ملتون الفردوس المفقود على حقائق واقع ضاعت فيه أحد أجمل البلدان.

حقوق الإنسان في سوريا عبارة عن متاهة كثيفة تبدأ وتنتهي بالموت، وهي محصلة كارثية تجعلنا نأسى ونأسف لما آلت إليه سوريا، فهناك مجازر مستمرة ومتكررة في موت جماعي لا يعرف متى يتوقف من واقع الحرب اللعينة التي بدأت ولا أحد يمكنه أن يتنبأ بتوقفها، وفي آخر حصيلة أصدرتها الشبكة السورية لحقوق الإنسان هناك 34 مجزرة ارتكبت في تلك البلاد المنكوبة منذ العام 2011، أدت إلى مقتل أكثر من أربعة آلاف شخص، أغلبهم مدنيون، وتلك هي التراجيديا القاتلة في المشهد السوري، إذ لا يمكن للأبرياء والمدنيين أن ينجوا أو ينأوا بأنفسهم عن الرصاص الذي يتساقط كالمطر من الجهات الأربع، ومن تحت الأرض بالتفجير، ومن فوقها بالبراميل المتفجرة.

المجتمع الدولي متفرج على المأساة، ولم ينجح في تحييد المدنيين من ويلات الحرب، حتى وهم يتشردون في بلاد الله الواسعة، ويقفون على أسوار حدود بلادهم حيث لا يجدون ما يطعمهم أو ما يقيهم زمهرير البرد وحر الصيف، ومن لم يمت بالرصاص مات بغدر الطبيعة، في وقت تدين فيه الأمم المتحدة جميع الانتهاكات ضد المدنيين ولا تفعل أكثر من ذلك، وكأن الإدانة تستر عورة الفشل الدولي في حماية الأبرياء فيما هي ثوب مهترئ لا يوقف آلة القتل، أو يحمي الخائفين، أو يؤوي المشردين، أو يطعم الجائعين.

هناك مزايدات إنسانية رهيبة تضغط على حق السوريين في الحياة واجتناب الموت والمجازر، ولعل اللحظة العالمية الراهنة توثّق بالفعل لأسوأ وضع حقوقي إنساني في التاريخ الحديث، فهناك شعب بأكمله تقريبا يعاني حربا على مدى سنوات ولا يلوح في الأفق ما يفك أسره واعتقاله في وطن جريح ينزف ويقتات من لحم أبنائه الذين يحرقهم أو يدفنهم أحياء أو أمواتا تحت الأنقاض، وهنا تعاني الإنسانية، بأكملها، أو يفترض أن تعاني لتبحث عن حلول حاسمة أفضل من التنديد والشجب والاستنكار، فتلك لغة مستهلكة تشي بقلة الحيلة وتواضع أدوات الحد من هذا الهدر الإنساني.

أربع سنوات من تراجع حقوق الإنسان، فيما السوريون عبارة عن أرقام في سلسلة ضحايا تتردد يوميا بين موت وتشريد واعتقال، وذلك يؤسس لتطور سلبي قائم على اللامبالاة فيما يتعلق بكل قضايا الإنسان مستقبلا، ولذلك لابد من تحييد المدنيين في مثل هذه الصراعات خاصة إذا لم تتوفر إرادة حقيقية لحلها، فنحن لم نسمع كثيرا أو قليلا عن جيوب آمنة لخروج المدنيين من المواقع القتالية، فيما كان يفترض أن يكون ذلك جزءا من حل مستمر تحترمه جميع أطراف الصراع ويقلل من الخسائر الإنسانية المتزايدة، ويقرأها العالم بعقل متجاهل أو يراها بعيون زائغة دون فعل شيء.

والتساهل فيما يحدث بسوريا يفتح الباب لمزيد من التساهلات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، حينها تصبح الإنسانية أكثر بؤسا وسوءا وانكشافا، وإذا لم تبتكر حلولا لإيقاف التراجع في الوضع الحقوقي في سوريا، فلا يتوقع مطلقا أن توجد حلول مستقبلا فهي اختبار يبدو أن العالم رسب فيه أو بعبارة أخرى لم ينجح أحد.

سكينة المشيخص

نقلا عن العرب اللندنية

 

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق