بعد ربع قرن على غزو الكويت … هل تعي إيران الدرس؟

بعد ربع قرن على غزو الكويت .. هل تعي إيران الدرس؟

فرضت بريطانيا واقعا خليجيا مفككا، لولا أن الملك عبد العزيز تمكن من خلال دبلوماسيته واللعب على وتر التوازنات الدولية من أجل ضم الحجاز إلى دولته مستثمرا ضعف الدولة العثمانية التي قضت على الدولة السعودية الأولى حينما أرادت توحيد الجزيرة، في حين تمكنت الإمارات العربية واستطاعت على يد الشيخ زايد من توحيد الإمارات السبع في دولة اتحادية واحدة كنموذج أثبت نجاحه وهي حاجة يمكن أن تنطبق على دخول دول الخليج في اتحاد مماثل.

كانت دول الخليج مصدر أطماع للدول الإقليمية المجاورة، وبعد توقف الحرب العراقية الإيرانية، بدأت أطماع صدام حسين تتجه نحو دولة الكويت، تحت ذرائع وحجج لا أساس لها، متجاوزا كل المبادئ والقيم التي تربط دول الخليج بالعراق، بل غاب عنه حتى التفكير الاستراتيجي وهي طبيعة نظام حكم الفرد، بأن منطقة الخليج منطقة محظورة، ليس فقط على العراق، بل حتى على الدول الكبرى، وهو ما تدركه إيران أيضا، لذلك هي تحاصر دول الخليج عبر مشروع ثوري، وعبر وكلاء ومليشيات مسلحة.

بدايات الأزمة كانت في القمة العربية، والغريب أنها كانت تناقش موضوع الأمن القومي العربي، لكن أخرج صدام حسين القمة عن هدفها، واتهم الجارة الكويت بأنها سرقت حقلا نفطيا، ثم اتهم فيما بعد دولتي الإمارات والكويت، بأنهما يتسببان في زيادة ضخ النفط من أجل هبوط أسعار النفط، وهو نفس الاتهام الذي توجهه إيران للسعودية.

عندما احتل صدام حسين الكويت، أعلن عن حقيقة الغزو بأن بغداد استعادت الكويت، باعتبارها المحافظة ال 19 التابعة للعراق، ولم يتنبه صدام حسين للجلسة الطارئة التي عقدها مجلس الأمن وطالبه بالقرار 660 بالانسحاب من الكويت، وأنها ستكون بداية انهيار دولة العراق، توالت بعد ذلك العقوبات، وبدء عملية درع الصحراء لتحرير الكويت، شاركت فيها إلى جانب القوات السعودية قوات مصرية وسورية إلى جانب قوات باكستانية وقوات عالمية متحالفة، وصل عدد الجنود إلى مليون جندي استنزفت موارد دول الخليج عانت بعدها دول الخليج من جمود التنمية، خصوصا بعدما صاحبها هبطت أسعار النفط المصدر الرئيسي للدخل.

في 22 فبراير 1991 قبل صدام حسين بالاقتراح الروسي بالانسحاب من الكويت، لكن السعودية وأمريكا رفضتا وشككتا في نواياه، وفي 26 فبراير انسحب صدام حسين من الكويت بتدمير حقول النفط، عندها أعلن الرئيس جورج بوش في اليوم التالي تحرير الكويت، واستمرت العقوبات مفروضة على العراق، حتى تم اتهام العراق بحيازته أسلحة محرمة قبل غزوه في عام 2003 بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

تم تسليم العراق لإيران على طبق من ذهب، لم تحلم إيران بهذا التسليم الذي كانت تطمح له تاريخيا، وكانت تقف لها الدولة العثمانية بالمرصاد، وبدأت إيران بتشكيل تحالف صهيو-فارسي للإجهاز على القومية العربية، التي هي أداة الإسلام، لأن نبي الإسلام عربي، واللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذا الدين الحنيف، رغم أنه لا يفرض اللغة العربية على بقية القوميات سوى قراءة القران باللغة العربية، ومعرفة معانيه باللغات الأخرى.

وكأن هذا المشروع ينقض إعادة تشكيل الإسلام العالم على أسس نظرية الاستخلاف للإنسان التي ترتكز على أسس القيم والمصالح دون تمييز بين دين أو جنس أو قومية، قائم على أسس التعاون المشترك وفق أسس العدل والتنافس.

لم يجد أعداء الدين الإسلامي سوى تشكيل هذا التحالف الصهيو-فارسي رغم العداء الظاهر في الإجهاز على العرب قبل أن تقوى شوكتهم خصوصا بعد الاضطرابات التي ضربت المنطقة العربية في عام 2011.

بعد أن استوحى الفرس نظرية الإمام المعصومة التي تختطف الحق الرباني على غرار صكوك الغفران التي تقدمها الكنيسة لأتباعها، لكن الفرس تفوقوا على الكنيسة، حينما ربطوا نظرية الإمام المعصوم عبر ولاية الفقيه بالنفوذ السياسي لتمديد رقعة التشيع على حساب مناطق السنة، مما جعلها تبذر جذور تصنيف مفتعل سنة وشيعة في أوساط المسلمين، وإيران تنشر أفكارها من خلال مدارس ودور الأيتام في جنوب العراق مستنسخة مشروع التنصير.

لعب التحالف الصهيو-فارسي على وتر هذا التقسيم، لتحقيق هيمنة اقتصادية وسياسية، عبر ارتهان إرادات الشعوب المتوحلة بمستنقعات الصراع المذهبي، عبر وكلاء لها في العراق وفي لبنان والبحرين واليمن، لكن كانت عاصفة الحزم لها بالمرصاد، وهي مرحلة جديدة مخالفة لمواجهة غزو الكويت، بتحالف دولي، لكن عاصفة الحزم تمت مواجه وكلاء إيران بقيادة تحالف عربي إقليمي إسلامي بقيادة السعودية، أي أن أمن دول الخليج والدول العربية سيكون بيد أبنائه هذه المرة.

العراق الآن بين الهيمنة الإيرانية عبر وكلائها المتمثلين في المليشيات العديدة في العراق، لتضمن إيران السيطرة، ولخلق ضمان التنافس بين تلك المليشيات لخدمة الأجندة الإيرانية، لكن عاصفة الحزم حركت شجون العراقيين في استعادة الإرادة العربية، لأنهم خرجوا من تهور صدام حسين إلى الهيمنة الإيرانية التي تفرض أجندة غير وطنية همشت السنة والأكراد وهشمت العراق كبلد ووطن.

ونتيجة الضغط على العبادي ومحاصرته من قبل أتباع إيران في العراق، من أجل أن يستنسخ تجربة سلفه المالكي في إدارة الحكومة العراقية، وهناك مظاهرات جماهيرية تحرج التحالف الوطني الحاكم بعد تفاقم خلافاته الداخلية، خصوصا بعد رفض المجلس الأعلى مرشح ائتلاف المالكي لرئاسة التحالف الوطني الحاكم.

ومن أجل تهدئة خواطر المتظاهرين، أصدر العبادي قرارا بشمول المنطقة الخضراء في بغداد بمن فيهم الرئاسات الثلاث بالقطع المبرمج للكهرباء، بينما اتهم القيادي البارز في التيار الصدري الأعرجي حكومة المالكي وغيرها في العراق بإهدار نحو تريليون دولار منها 200 مليار دولار منح ومساعدات منذ عام 2004 وقال لا توجد حسابات كيف تم إنفاق تلك الأموال ولا يوجد إنجاز على الأرض.

الملالي لا يزالون في حالة وهم، بينما إيران أصبحت تحت وصاية الدول الكبرى بعد التوقيع على الاتفاق النووي، ومن السخرية أن تصبح إيران قوة كبرى إقليمية تسعى لبسط سيطرتها ونفوذها على منطقة الشرق الأوسط،  بل إن الاتفاق النووي أتى لدعم الاعتدال في إيران ضد المتشددين، لتتحول إيران إلى دولة طبيعية، والعودة بإيران إلى الحظيرة الدولية.

رغم أن سيطرة الملالي لا زالت متماسكة، والإصلاحات في إيران من الفرضيات البعيدة، وروحاني في السنة الثالثة من حكمه لم يتمكن من تنفيذ أي محاولة إصلاحية، ولا يزال الاقتصاد الإيراني قابعا تحت وطأة العقوبات، والتي أدت لتفاقم الأوضاع نتيجة للفساد الذي يقوده الملالي لتقوية نفوذهم عبر فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني ويشرف ويسيطر على الشبكات الإيرانية خارج إيران، ودعم نظام الأسد من خلال تجنيد المرتزقة من لبنان وأفغانستان وطاجيكستان والعراق.

لذلك تبقى المصالحة بين السعودية وإيران، كما تتمنى واشنطن من أجل عودة الاستقرار إلى المنطقة ومواجهة الإرهاب وهم.

وكما وقفت واشنطن أمام صدام حسين أم سيطرته على منطقة الخليج، لن تسمح لإيران أن تبسط إيران هيمنتها على منطقة الخليج عبر الحرب بالوكالة، وليس عبر الحرب المباشرة، يتضح هذا بعد منع واشنطن من إيقاف السفينة الإيرانية التي أرادت الوصول إلى الحوثيين، والتي أبحرت تحت ضجة إعلامية لاختبار قوة التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، فهل وعت إيران الدرس؟

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق