بعد تطبيع تركيا علاقاتها مع روسيا: ماذا عن سورية؟

يبدو أن الانقلاب الفاشل في تركيا أحدث انقلاب سياسي تجاه مجمل القضايا المحلية والإقليمية والدولية، قد يكون فرصة لأردوغان بتحقيق حلمه بأن يكون رئيسا استثنائيا لتركيا على غرار أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، سأتوقف عن الانقلاب الداخلي وسأتحدث عن الانقلاب السياسي تجاه مجمل القضايا الخارجية.

الأزمة السورية قضية كبرى، لكن تطهير الحدود التركية أولوية بالنسبة لتركيا يمكن أن يفرض على تركيا أن تتنازل كثيرا عن مواقفها السابقة، خصوصا بعدما لعبت كلا من أمريكا وروسيا بورقة الأكراد الذي يفرض عليها أن تغير كثيرا من مواقفها تجاه العديد من القضايا خصوصا تجاه النظام السوري، بعدما كانت تركيا تتلكأ في محاربة داعش في المقابل كانت روسيا منزعجة من دعم تركيا لجماعات جهادية في سوريا تمكنت أكثر من مرة تهديد النظام السوري حليف سوريا وتغيير الواقع على الأرض لم يرضي الطرفين الولايات المتحدة وروسيا.

لكن لم تتوقع الولايات المتحدة بأن يحدث الانقلاب العسكري انقلابا سياسيا وتتجه تركيا نحو الشرق وتعيد تطبيع علاقتها مع روسيا إلى جانب تطبيع تركيا علاقتها مع إسرائيل، وهي معادلة تلعب عليها تركيا، وهو ما أبعدها كثيرا عن المعارضة السورية عسكريا وسياسيا كما يعتقد البعض.

فوزير الخارجية التركي يجدد عزم بلاده على مواصلة مكافحة الإرهاب مع الشركاء الغربيين، مؤكدا على تطهير الحدود السورية التركية من المتشددين ولكن عين تركيا على الأكراد، فأصبحت المعارضة والأكراد يتنافسون على تطهير تلك المناطق من داعش، فالمعارضة السورية تستعد لشن هجوم على جرابلس السورية التي تقع على الحدود مع تركيا من قبضة داعش من داخل تركيا انطلاقا من بلدة قرقميش في الجهة المقابلة من جرابلس ردا على داعش التي أرسلت طفلا يبلغ من العمر 12 عاما فجر نفسه في حفل زفاف يوم 20/8/2016 في غازي عنتاب التركية أسفر عن مقتل 53 شخصا.

 وهدف تركيا تطهير المنطقة الحدودية من داعش انطلاقا من الأراضي التركية، يهدف بالأساس إلى قطع الطريق على قوات سوريا الديمقراطية وهو الائتلاف العسكري الكردي العربي الذي تشكل في 2015 برعاية أمريكية وقوات التحالف بزعامة الولايات المتحدة تمكن من تحرير منبج والذي يهدف للوصول إلى الحدود السورية التركية لقطع طرق الإمداد إليه الذي مكنها من تشكيل مجلس عسكري لتحرير مدينة الباب فيما عزز من نفوذها على تخوم سوريا.

حيث تعتبر أنقرة أن الوحدات الكردية بأجنحتها امتداد لحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا ودول غربية منظمة إرهابية، وستقاتل المعارضة السورية المنطلقة من تركيا الأكراد إذا وقفت في طريقها.

تحقق تركيا من سيطرة المعارضة على جرابلس الواقعة على الضفة الغربية لنهر الفرات هي آخر بلدة لداعش على الحدود السورية التركية تمنع من تمدد الفصائل الكردية التي حررت منبج التي تقع على بعد 30 كيلو مترا إلى الجنوب وتمنع توسيع نفوذها حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على الضفة الشرقية من نهر الفرات قبالة جرابلس.

في المقابل طيران النظام السوري يقصف الحسكة الواقعة شمال شرقي سوريا وحذر التحالف النظام من التحليق فوق المدينة، لكن النظام بدعم روسي تركي لم يكترث لمثل تلك التحذيرات والتهديدات، مع وصول تعزيزات أميركية إلى الحسكة والأكراد يتعهدون بتغيير المعادلة القائمة.

أي أن تركيا بدأت تؤمن حدودها مع سوريا، عوضا عن المنطقة المعزولة التي رفضت الولايات المتحدة الموافقة عليها، وكيف استطاعت تركيا بعد تطبيع علاقتها مع روسيا من أن يخدمها النظام السوري في ضرب الأكراد بعدما تركه لفترة طويلة من أجل أن يتقاتل مع المجموعات العربية ولكنه لم يحدث.

وتعلن تركيا على لسان رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن أنقرة ستلعب دورا أكثرا فعالية في التعامل مع الصراع في سوريا في الأشهر الستة القادمة للحيلولة دون تقسيم سوريا على أسس عرقية، رغم أن إيران تدعم الموقف التركي، لكن تركيا لن تثق في المواقف الإيرانية، رغم أنها خففت من نبرتها تجاه النظام السوري بعد تقاربها مع حليفي النظام إيران وروسيا من أجل أن تحجم من دور أكراد سوريا الذي تعتبره أكبر خطر يتهددها، لأن قيام كيان كردي على حدود تركيا سيغذي النزعة الانفصالية لدى أكراد تركيا في جنوب شرق البلاد والذي يشكل امتدادا تنظيميا وجغرافيا للأكراد حول أنقرة.

وصرح وزير الخارجية التركي بقوله أن الحل الدائم في سوريا غير ممكن من دون روسيا، ليس هذا فحسب، ولكن نجد أن بوغدانوف المبعوث الروسي الخاص للشرق الأوسط اجتمع مع الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الخارجية عادل الجبير في جدة في 21/8/2016 تناولت الملف اليمني سبق هذا الاجتماع أن عقد المبعوث الروسي جلسة مع المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أتى هذين الاجتماعين بعدما عرض الرئيس السابق علي عبد الله صالح بإيعاز من إيران على موسكو باستخدام القواعد العسكرية في اليمن لمكافحة الإرهاب على غرار استخدام قاعدة همدان في إيران، لكن روسيا لديها استراتيجية اكبر من ذلك ولا يمكن أن تنساق بهذه السهولة لمثل تلك الدعوات ونجد أن السفير دريموف في اليمن أن وجود الفرقاطات الحربية الروسية في خليج عدن يأتي ضمن الأعمال الروتينية التي تقوم البحرية الروسية خلالها بمكافحة القرصنة في منطقة القرن الأفريقي، نافيا عن علاقة لها بالأحداث الدائرة في اليمن.

وسيبقى المبعوث الروسي في جدة حتى الأربعاء 24/8/2016 حيث تحتضن جدة لقاء خليجيا غربيا لبحث الملف اليمني يشارك فيه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ويبدو أن دول المنطقة الخليجية والتركية فضلت إشراك الدور الروسي إلى جانب الدول الغربية لمعالجة ملفات المنطقة العالقة بدلا من التركيز على طرف دون طرف.

لكن نجد أن إيران استثمرت الصراع الدولي، وعودة تركيا إلى روسيا، حيث كشف الحرس الثوري عن جيش التحرير قوامه من المليشيات الشيعية في سوريا، أي أن إيران تبحث عن تأهيل مجموعات مسلحة في دول الشرق الأوسط، رغم التنسيق التركي الإيراني الروسي في سوريا، بجانب كشف 6 معسكرات لفيلق القدس الإيراني الذي يتزعمه قاسم سليماني قرب كركوك، تستبق تحرير الموصل الذي كان من المفترض تحريرها عام 2017.

 لكن يبدو أن الولايات المتحدة نتيجة تغيرات جيوسياسية فرضت عليها تكتيكات جديدة لتحرير الموصل قبل الموعد المقرر له وقبل تحرير الرقة، ولكن دول التحالف تدرس ما بعد تحرير الموصل، وهناك عدد من التساؤلات في واشنطن والعراق، خصوصا وأن سجل الحكومة الحالية لا يختلف عن سجل حكومة المالكي فيما يتعلق بالتعايش والاهتمام بالنازحين خصوصا من السنة، وهي دولة بترولية لجأت إلى المجتمع الدولي لتأمين مليارين دولار من أجل النازحين.

وبعد استخدام روسيا القاعدة الإيرانية في همدان أتت انتقادات وجهها وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان في 22/8/2016 لروسيا بأنها استخدمت القاعدة لعمل استعراضي وينم عن عدم اكتراث نتيجة الضغوطات التي يواجهها الوزير من خصومه في الداخل بسبب السماح لروسيا باستخدام القاعة العسكرية، خصوصا بعدما تأكدت إيران أن لروسيا أهداف لا تتقاطع مع أهدافها، بل أعلنت وزارة الدفاع الروسي أنها ستستخدم القاعدة متى ما احتاجت لها لضرب أهداف في سوريا ما يعني أن هناك تناقضات بين مصالح البلدين خصوصا بعدم أعلنت واشنطن عن تذمرها من استخدام روسيا قاعدة همدان يمكن أن تخسر طهران مواقف واشنطن خصوصا ما يخص التفاهمات في العراق الذي يعزز من نفوذها.

 د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق