انقلاب على الحوثيين وعلى إيران

تسلمت دول الخليج دفة الأزمة في اليمن، باعتبار أن أمن اليمن لا يقل عن أمن البحرين الذي دخلت إليه قوات درع الجزيرة لحمايته من التدخل الإيراني، ووقفت دول الخليج أمام تشكيل خلايا مسلحة في البحرين، وتسلمت دول الخليج زمام الأزمة في اليمن بعد فشل اليمنيين والمبعوث الأممي.

الاجتماعات الأخيرة التي استضافتها الرياض مع دولة الكويت والإمارات وقطر كلا على حدة كانت من أجل تنسيق المواقف في عدد من الملفات مصر وفي العراق وفي سوريا وخصوصا في اليمن نتج عن تلك اللقاءات تشكيل رؤى مشتركة ساهمت في تخليص الرئيس هادي من الإقامة الجبرية ونقل الرئيس هادي إلى عدن عن طريق حلفاء لدول الخليج في اليمن.

 يعطي دليل على أن الحوثي ليس القوة الحقيقية في اليمن كما يعتقد أو تعتقد إيران، وقد يتخلى عنه حزب المؤتمر بقيادة الرئيس السابق علي عبد الله صالح خصوصا بعدما فشل الحوثيون في اقتحام معسكر قوات النخبة في صنعاء، ما يعني أن قوات علي عبد الله صالح ما زالت تمتلك القوة وحاضرة في المشهد اليمني، ويمكن أن تقلب المعادلة ضد الحوثيين.

 يدعو صالح إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وفق المبادرة الخليجية متجاهلا اتفاق السلم والشراكة التي مهدت للحوثيين الاستيلاء على العاصمة صنعاء، وهي نفس الدعوة التي أطلقها الرئيس هادي من عدن متجاهلا أيضا اتفاق السلم والشراكة الذي وقعه الرئيس هادي مع الحوثيين تحت قوة السلاح.

 وافقت الكتل السياسية على نقل الحوار إلى جهة آمنة اعترض عليها الحوثيين، فيما صمت حزب المؤتمر، ما يعني أن هناك انقلاب حزب المؤتمر على الحوثي بعدما حقق علي عبد الله صالح أجندته والقضاء على خصومه، وأثبت لدول الخليج أنه لا يزال الورقة الحاضرة في المشهد اليمني والمؤثرة في صياغة مستقبل اليمن ولا يمكن أن تتجاهل دول الخليج علي عبد الله صالح.

 بينما تود دول الخليج التعامل مع حزبه كأحد الأحزاب اليمنية، بينما علي عبد الله صالح يريد أن يكون هو اليمن، وهو ما ترفضه دول الخليج، ما أدخل اليمن في أزمة استثمر الحوثيون تلك الثغرة، واستخدموا من عدد من الأطراف أداة لترتيب أوراق اليمن، ولكن الحوثيون وجدوها فرصة للاستيلاء على مستقبل اليمن بمفردهم ولم يأخذوا العبرة من نظام الإخوان في مصر رغم أنهم كانت لهم شعبية عارمة، وتم انتخابهم من قبل الشعب المصري، لكن استفرادهم بالسلطة أدخلهم في أزمة مع بقية الأحزاب الذين حركوا الشعب المصري ضدهم.

انتقال الرئيس هادي إلى عدن، ينقل الحوار إلى مرحلة جديدة أو إلى النقطة التي انتهت قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء، وبعد تمسك أحزاب سياسية بشرعية الرئيس هادي، وخروج مظاهرات مؤيدة له في مختلف المدن والمحافظات ودعم العديد من المحافظات له خصوصا الجنوبية والجوف.

انتهت مرحلة نقاش فراغ السلطة في الحوار الذي كان يقوده جمال بنعمر خلال فترة الإقامة الجبرية للرئيس هادي، والانتقال إلى مرحلة تنفيذ مخرجات الحوار التي تم التوافق والتوقيع عليها من كافة الأطراف وفق المبادرة الخليجية، وتشترط إخلاء صنعاء من المليشيات، وتسليم مؤسسات الدولة، وتحرير الحكومة من الإقامة الجبرية وتحرير كافة الرهائن.

يبدو أن إيران بدأت تدرك حجم الحوثيين، وأن اليمن ليس لبنان، لأن الشعب اليمني قبائل مسلحة لا تقبل منطق القوة والغلبة والقهر، بينما الحوثي يرفض المنطق السياسي، وسيعتمد الرئيس هادي في هذه المرحلة بتأمين عدن وتأمين الرئاسة الجديدة بالاعتماد على جيش الجنوب كنواة وعلى بقايا الجيش الشمالي وعلى قوة المحافظات مثل قوة المحافظات الجنوبية والوسطى والجوف.

ما حدث تحريك للأزمة في اتجاه آخر جديد مفتوح على كل الاحتمالات، وأدخلت الحوثيين في مأزق، الذين وقعوا ضحية نصرهم المجاني الوهمي، وكانت مطالبهم أكبر من حجمهم الحقيقي بل بالغوا فيها، رغم ذلك قد يقدمون على خطوات طائشة مثل محاولة اقتحام عدن أو تعز أو مأرب مثلما حاولوا تهديد الحكومة التي رفضت الاستجابة لهم في تسيير أعمال الحكومة وتقديمهم للمحاكمة بتهمة الخيانة.

تحرك الأزمة هي إفشال لخطط الحوثيين، ويعتبر أكبر إنجاز لم يتوقعه الحوثيون، لذلك هم يرفضون نقل الحوار من صنعاء إلى جهة أخرى آمنة حتى يبقى الحوار تحت أجندتهم.

أصبحت الكرة في ملعب الحوثيين، ولكن برهنت الأحداث أنهم غير قادرين على لعب دور رشيد وإيجابي خصوصا بعدما اتهم القيادي البارز في جماعة الحوثي مالك يوسف الفيشي الرئيس هادي بقيادة فصيل من تنظيم القاعدة التي تهدف إلى تدمير الجنوب، واعتبر أن الرئيس هادي أقدم على عمليتين انتحاريتين، أولها استقالته وثانيها هروبه ما يدل على حجم الإرباك الذي أصاب الحوثيين، وأن هروب الرئيس هادي مثل لهم مفاجأة، رغم أنهم يسيطرون على قوا ت الجيش والأمن، ما يثبت أن سيطرتهم على الجيش والأمن ليست حقيقية، وأنهم ليس لهم سلطة حقيقية على الجيش والأمن وأن ولاء الجيش والأمن لجهات أخرى هي التي تحركهم وقتما تشاء وكيفما تشاء بينما هم أدوات تحرك كالدمى.

الأنباء المسربة تفيد بأن العملية السياسية ستواصل مسيرتها مع الحفاظ على الشرعية، ومواصلة الحوار مع مختلف الأطراف، ومعرفة ما هي التوجهات التي تقدم عليها الأحزاب والرئيس من أجل استعادة الشرعية والعملية السياسية إلى مجراها مرة أخرى.

هناك تداولات جرت بقيادة جمال بنعمر على نقل الحوار إلى تعز أو إلى الخارج خصوصا بعدما كان الموقف الخليجي الأكثر صرامة من بقية المواقف العربية والدولية رغم أنها جميعها كانت مشجعة وتعترف بشرعية الرئيس هادي وبالعملية السياسية التي تجري في اليمن، ما يطمئن الأطراف اليمنية داخل اليمن من أن المجتمع الخليجي والدولي يصطف إلى جانبهم ضد الحوثيين الذين انقلبوا بشكل آحادي ضد العملية السياسية بقوة السلاح بعد احتلالهم لصنعاء العاصمة والاستيلاء على كافة المؤسسات الأمنية والمدنية.

د. عبد الحفيظ عبد الرحيم محبوب

أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة

مركز مستقبل الشرق للدراسات والبحوث

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق