انتفاضة الأحواز: بين التصعيد و الإحتواء

حرص الأحوازيون في تظاهراتهم، التي انطلقت عقب حادثة إحراق يونس عساكرة نفسه أمام بلدية مدينة المحمرة، في 15 آذار/مارس، نتيجة مصادرة “كشكه”، على محاكاة الحالة الثورية التونسية في العام 2010، عبر تمسكهم بالتعبير السلمي عن معاناتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خلال مواجهتهم لسياسات طهران في تغيير هوية الإقليم العربية.

وكانت وثيقة مسرّبة من مدير مكتب الرئيس الأسبق محمد خاتمي، والموجّهة إلى وزارات الدولة تستحثها على التعجيل في إجراء عملية تغيير ديمغرافي في إقليم الأحواز، من خلال تهجير العرب واستبدالهم بوافدين من المحافظات الفارسية. الوثيقة أطلقت انتفاضة 15 نيسان/ابريل 2005، والتي قُمعت بشراسة. اكتمال عناصر عملية التغيير الديموغرافي، التي هي بمستوى جريمة ضد الانسانية، تُرجم بمشاريع بناء السدود على روافد الأنهر الأحوازية كنهر كارون، ونقل مياهها عبر شبكة أنابيب إلى المحافظات الإيرانية الوسطى وخاصة إلى أصفهان. الأمر الذي تسبب، بحسب تصريح لنائب رئيس مديرية الزراعة في الأحواز محمد قاسمي نجاد، بإنعدام انتاجية ما يزيد عن 40 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الإقليم، نتيجة انخفاض منسوب مياه الأنهار.

آثار هذه المشاريع لم تقتصر على ذلك وحسب، بل امتدت إلى أهوار “مستنقعات” العظيم والحويزة، كونها مصب الأنهار المجففة أو قيد التجفيف، والمشهورة سابقاً بالثروة السمكية. ما حوّل مدينة الأحواز “عاصمة الإقليم” إلى أكثر مدينة ملوثة في العالم، وفق تقرير منظمة البيئة العالمية عام 2014. وعُزي السبب في ذلك إلى الإختلال البيئي الناجم عن تغيير مجاري الأنهار وتجفيف الأهوار، بإعتبارها موانع طبيعية تمتص العواصف الرملية الآتية من الجزيرة العربية. وفي السياق نفسه، اتهم النائب عن مدينة الأحواز شريف حسيني، الحكومة الإيرانية بـ”ممارسة التهجير القسري من خلال مشاريع نقل مياه الأنهار، وتغيير الطابع المناخي للمنطقة، وتلويث البيئة، والتصحّر، ومنع الزراعة وقطع أرزاق الناس”.

وقد ساهمت عملية ضرب القطاع الزراعي في زيادة نسبة البطالة التي تجاوزت الـ35 في المئة، وفق إحصائيات شبه رسمية، واستحوذت الفئات الشبابية على النصيب الأكبر منها. وعلى الرغم من التركيز على عمليات الحفر والانتاج النفطي والغازي في الإقليم (الذي يحتوي على 70 في المئة من احتياطيات النفط و40 في المئة من احتياط الغاز في ايران) إلا أن حجم العمالة الأحوازية في قطاع الطاقة لا يتعدى الـ5 في المئة، فيما تتوزع نسبة الـ95 في المئة الباقية على الوافدين من المحافظات الإيرانية الوسطى والشمالية الذين تم توطينهم في مستوطنات داخل وخارج المدن الأحوازية، عبر تحسين رواتبهم وتسهيل حصولهم على القروض، بالإضافة إلى سكن شبه مجاني.

وجرى ذلك بالتزامن مع تشديد القبضة الأمنية، التي تجلّت بمنع النشاط الثقافي وحظر منظمات المجتمع المدني، واعتقال الناشطين السياسيين واستصدار أحكام بحقهم تتراوح بين عشر سنوات والمؤبد والإعدام. وذلك من قبل المحاكم الثورية الإيرانية التي تتعاطى مع السياسيين بالإستناد إلى قوانين الطوارىء، بنص إتهام تكفيري: “محاربة الله والرسول والجمهورية الإسلامية الإيرانية وتهديد الأمن القومي”. آخر هذه الأحكام كانت بإعدام خمسة ناشطين في بداية عام 2014، وإعدام ناشطين من أصل خمسة أيضاً قبل شهور، بسبب تمسكهم بالمطالبة السلمية بتأسيس مؤسسة تُعنى بتدريس اللغة العربية.

شكّلت هذه المعطيات بتراكماتها المتصاعدة الحادة، حافزاً قوياً لإطلاق موجات الإنتفاضة التي عمّت أغلب مدن الإقليم بدءأ بالمحمرة، مروراً بمدينة الأحواز في حادثة ملعب الغدير، ومدينة السوس و الخفاجية، وليس في حساباتها أفق لتحديد شموليتها الجغرافية. فمسار الانتفاضة إلى الآن، أسير سلميته النابع من عفوية الشعب الأحوازي الذي استوى عنده موت الرصاصة بموت قهره المعيشي. ولكن ذلك لا يمنعه من استلهام تجربة الثورة السورية، أو بصورة أدق استنساخ حرب تحرير الجزائر.

مروان الناصر

نقلاً عن جريدة المدن الإلكترونية

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق