امتحان العراق بين الدواعش والحوالش

كلما أدركت إيران تحديدا، ومعها المرجعيات الدينية التي تدين لها بالولاء، أنه من رابع المستحيلات تأسيس «دولة دينية شيعية» تدين مرجعياتها بالولاء وسط العالم العربي ذي الأغلبية السنية، فإن ذلك الإدراك هو أول طريقنا لمحاربة «داعش»، أما إن بقيت مصرة على مشروعها فإن ألف داعش وداعش سيظهر ما بقي التدخل الإيراني في المنطقة.

محمد القارني، أحد الكتاب اليمنيين، كتب مقالا عنوانه «الرئيس اليمني في مواجهة الثالوث (الدواعش والحوالش والعفافش)». والحوالش ويقصَد بها الحوثيون اليمنيون الشيعة، والعفافش هم فلول النظام السابق، وكذلك واجهت البحرين إرهابا مماثلا من الميليشيات الشيعية المسلحة، والآن «سنة العراق» و«سنة سوريا» هم أيضا يواجهون التحديات ذاتها. والحوالش في سوريا والعراق هم ميليشيات شيعية تقودها عمائم تدين لإيران بالولاء، فـ«فيلق بدر» يبلغ قوامه 30 ألف مقاتل، و«جيش المهدي» التي تتبع قواته مقتدى الصدر قوامه 60 ألف مقاتل، فضلا عن فرق القوات الخاصة «سوات» التي جرى تجنيد جميع عناصرها من مدينة الصدر، و«عصائب أهل الحق» الذي انشق قائدها قيس الخزعلي عن مقتدى الصدر، وهو يعمل تحت إمرة الحرس الثوري الإيراني مباشرة بقيادة قاسم سليماني، وواثق البطاط زعيم «حزب الله» العراقي يقود ميليشيات قوامها 40 ألف مقاتل تحت اسم «جيش المختار»، وانشق عنه مصطفى الشيباني (وهو عراقي من أصول إيرانية) وأسس «كتائب سيد الشهداء» وتقاتل الآن في سوريا، و«لواء أبو الفضل العباس» وفرق «النجباء» و«الوعد الصادق»… وغيرها من تشكيلات صغيرة تنتقل مع الألوية الكبيرة بين سوريا والعراق، فإن كان عدد قوات «داعش» 30 ألف مقاتل وفقا للاستخبارات الأميركية، فإن عدد هذه الميليشيات الشيعية المسلحة أكثر من 100 ألف مقاتل، وقد ثارت المناطق السنية على هذه الميليشيات قبل دخول قوات «داعش» واجتياحها العراق، فكيف ستطلب دول الجوار أو الحكومة العراقية من سنة العراق أن ينضموا إلى جانب تلك الميليشيات، ويقاتلوا معها وهي ما زالت في حالة حرب معها؟ وهذا يستدعي أن يطرح هذا السؤال المشروع نفسه، لا على الحكومة العراقية، إنما على الولايات المتحدة الأميركية أيضا التي ستقود الحرب على «داعش»، وهو: حين تبدأ الحرب على قوات «داعش»، أين ستكون تلك الميليشيات الشيعية؟ فقد ذكرت مجلة الـ«إيكونومست» البريطانية أن الأميركان في حملتهم الأخيرة ضد «داعش» مكنوا «حزب الله» العراقي، بقيادة البطاط، من السيطرة على مدينة آمرلي ومحيطها، وبعد ساعتين من مغادرة الأميركان ظهر قائد «فيلق القدس» قاسم سليماني وهو يشارك في احتفالات «تحرير» المدينة، كما دعموا قوات الـ«بي كي كي» (حزب العمال الكردستاني الذي يتعاون مع نظام بشار) للقتال في جبل سنجار، وكلتا المنظمتين مصنّفة على أنهما منظمات إرهابية.

وبالتأكيد، لا بد لإيران أن تحسم موقفها قبل أي طرف آخر، فقيادات تلك الميليشيات العسكرية عمائم تدين بالولاء للمرجعيات الدينية الكبرى. إيران باختصار سلحت 100 ألف مقاتل شيعي وجعلتهم في مواجهة الغالبية السنية!

وكان أكبر أخطاء حزب «الدعوة» هو الارتماء اللامحدود في الحضن الإيراني، مما أفقد العراق استقلاله وسيادته وجعل مصير الشعب العراقي، بشيعته وسنته وكرده، رهنا لدى المشروع الإيراني، وهذا ما حاول الفرع البحريني أن يكرره لولا أن تصدت له الدولة ورفضه الشعب. أما خطأه الثاني، فهو رعايته تلك الميليشيات المسلحة ورهنها في يد فتاوى المرجعيات الدينية المتطرفة، فأصبح المحتج والمتذمر من أداء الحكومة العراقية في مواجهة المرجعيات الدينية لا في مواجهة الدولة، وزاد الطين بلة فتاوى الجهاد التي أطلقتها المرجعيات الكبرى وحمل شيوخ الدين السلاح وتصريحات روحاني وخامنئي ضد الثوار السنة، وجعلهم في سلة واحدة مع «داعش».. كلها أخطاء رمت السنة في أحضان «داعش». وإدراك إيران هذه الحقيقة سيسهل على الحكومة العراقية الجديدة أن تتخلص من عبء الالتزام تجاهها ويعطيها الأريحية الجدية في انفتاحها على دول الجوار، وإعادة رسم علاقتها بالسنة.

صحيح أن إبراهيم جعفري، وزير الخارجية العراقي، أبدى حسن النية بقوله: «نحن قلنا لهم بصراحة بأننا جادون بفتح صفحة جديدة مع كل الأطراف، واستيعاب المشاكل الموجودة كافة بروح جديدة، وترك الماضي للماضي». وقبل ذلك بأيام، صرح مقتدى الصدر تصريحا مشابها: «يجب أن ننفتح على باقي الدول لإنهاء الأزمات الأمنية والطائفية»، مضيفا في مؤتمر صحافي مع رئيس «المجلس الإسلامي»، عمار الحكيم، أنه «من أخطاء حكومة (رئيس الوزراء المنتهية ولايته) نوري المالكي ابتعادها عن التحالف مع دول الجوار ومن بينها السعودية، ومن الضروري عودة العلاقة ليعود الأمن«.

إنما في ظل احتكار حزب «الدعوة» لرئاسة الوزراء ووجود المالكي نائبا للرئيس، وتعزيز دور ميليشياته التي حاربت السنة على مدى السنوات العشر الأخيرة في إعادة تشكيل الجيش العراقي – كيف ستفتح الحكومة العراقية صفحة جديدة وهي التي رشحت هادي العامري الذي كان قائدا في أحد ألوية «فيلق بدر»، إحدى هذه الميليشيات، ليكون وزيرا للداخلية؟! كيف ستفتح صفحة جديدة مع دول الجوار وهي التي ضمت معظم هذه الميليشيات إلى جيشها النظامي، وتتصدرها أسماء لا يمكن أن تتعاطى العشائر السنية معها كجيش دولة؟! كيف ستفتح صفحة جديدة وما زالت حملات البراميل المتفجرة تنهال على رؤوس المدنيين في الأنبار والفلوجة، إحدى تلك الحملات جاءت بعد مرور 40 دقيقة على مؤتمر جدة!

فلا يلومنّ أحد سنة العراق إن كانت الشكوك تنتابهم، وقد عبروا عنها بصراحة في ظل غموض الموقف العربي تجاههم، وسيكون من الخطأ الكبير لدول الجوار العربي عدم اغتنام هذه الفرصة لتحقيق التوازن السياسي المطلوب في العراق، من أجل عودته إلى الحاضنة العربية. وماذا عن الدور الإيراني العسكري في هذه الحرب، فإيران ضالعة فعليا لا بالإنابة فحسب، في القتال الدائر بالعراق، ولا يغير تصريح وزير الخارجية الأميركية كيري من واقع الأمر شيئا، فكيري يقول إنه لا داعي لإشراك إيران في الحرب التي ستشنها دول التحالف ضد «داعش»، في حين أن كل الدلائل تشير إلى وجود قوات إيرانية على الأرض في العراق ووجود طائرات إيرانية في الأجواء العراقية، فقد أفادت قناة «سي إن إن» بأن إيران نشرت 3 وحدات من الحرس الثوري بالعراق الشهر الماضي، وأكد مصدر مطلع على اتصال بأوساط سياسية في مدينة قم الإيرانية لـ«العربية.نت» أن بعض عناصر «الحرس الثوري» انتقلوا فعلا إلى العراق للمشاركة في القتال إلى جانب القوات العراقية في مواجهة زحف عناصر «داعش» نحو العاصمة العراقية والمراقد الشيعية في النجف وكربلاء. «وول ستريت جورنال» ذكرت أن قوات إيرانية تابعة لـ«الحرس الثوري» دخلت الأراضي العراقية، وحققت بعض التقدم الناجح واستعادت أجزاء كبيرة من مدينة تكريت العراقية.

كما نشر «معهد واشنطن» يوم الخميس الماضي تقريرا يؤكد أن إيران نشرت ما يصل إلى 7 طائرات من طراز «سوخوي سو – 25». ووفقا لمصادر مطلعة، جرى نقل الطائرات إلى [معسكر] الرشيد في 30 يونيو (حزيران) و1 يوليو (تموز)، لتُنقل في وقت لاحق إلى «قاعدة المثنى الجوية» بالقرب من «مطار بغداد الدولي»، حيث عملت عليها مجموعات طواقم العمل العراقي – الإيراني الجوي والأرضي التي تدربت سابقا في إيران، ونشرت إيران أيضا طائرات استطلاع، وربما طائرات مقاتلة من دون طيار. وقد أظهرت لقطات فيديو لجهاديين على الإنترنت طائرة إيرانية من دون طيار من طراز «مهاجر4» تحمل علامات عراقية أُسقطت قرب سامراء في 5 يوليو. وفي اليوم نفسه، قُتل الطيار في «الحرس الثوري الإيراني» شجاعت علمداري في سامراء نفسها. وكان جرى تعيينه في «فيلق القدس»، حيث تولى على الأرجح آنذاك مهام مراقب جوي أمامي. كما يمكن لطائرة أخرى من دون طيار – الطائرة القاذفة «شاهد 129» – أن تلعب دورا مهما مماثلا في العراق. (انتهى التقرير)

فإما أن تحسم العراق موقفها وتقبل أن تكون الحرب على الإرهاب ضمن استراتيجية شاملة كما طالبت المملكة العربية السعودية من قبل، وإلا فإن صورة واحدة لأطفال أو نساء في منطقة سنية يقعون ضحايا لقصف بالطائرات الأميركية – ولو عن طريق الخطأ – على مواقع لـ«داعش» كفيلة بإشعال المنطقة كلها.

سوسن الشاعر

نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط

شارك هذا المقال

لا توجد تعليقات

أضف تعليق